Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/08/2010 G Issue 13835
الأحد 05 رمضان 1431   العدد  13835
 
من يشكل من؟
سليم صالح الحريص

 

هل نحن ممن تشكلهم الكلمات؟

أم نحن من يشكل الكلمات؟؟...

أحياناً تشعر بأنك تستطيع تشكيل الكلمة وفق ما تريد... وفق ما تشتهي... ووفق متطلّبات (السوق)... العرض والطلب!

لكن كيف تشكلنا الكلمات؟؟ وكيف أنّ الكلمة تقتل فرحة وتستنبت شجرة الهم والغم... تغيِّر من ملامحنا... تلوِّن سحنة الوجوه... وتجعلك تائهاً بين الناس... محلِّقاً في عالم آخر... سابحاً في فضاء عالمك أنت..

تجعلنا صورة باهتة... تبرز فعل الأيام في تضاريس الوجه.... وتفضح ما وارته الأصباغ وفراش المكياج وألوانه التي تمنح الملامح شيئاً من تشبُّب... شيئاً من مسحة حسن وقبول وإنْ كان وجهك بعيداً عنها.. وتقاطيعه تأتي بالنَّكد..

أن تسأل... وما الذي كتبه القلم؟؟ وما الذي لوّنه الحبر... أي مفردة كتبت؟؟ وأي سطر جاء مترعاً بالمحبة... وأي سطر يندف غثاءً؟؟

أي نقاء بقي في دفترك؟ وأي رسم ظل محافظاً على لونه وخطه ورسمه؟

الحب لم يكن تراباً أبداً.... لكنه دائماً ما كان إلاّ تبرا.. لكننا نفعل ما يجعل هذه الكلمة لا معنى لها ولا طعم... نردِّدها متى ما أردنا... نلبسها ما نريد.. لكننا لا نقبل أن تلبسنا ثوب صدقها... تعطينا من نقائها.. تغيّر من سلوكياتنا... نريدها جواداً نمتطيه ليوصلنا إلى ما نشتهي فقط..

الحب مثل تباشير الصبح... كنسائم البحر عند الأصيل..

حين يأتي الليل... يدني عليك عباءته... تطالع سقف السماء... ترى النجوم... تعرف هذه وهذه ولا تعرف تلك... نجوم وكواكب... أشكال وألوان...

نجوم ساطعة وأخرى باهتة... هذه كبيرة وتلك صغيرة... هذه نجمة قائدة... وهذه منقادة في سياق تلك.... تقارن بين ما تحمله السماء.. وما تشيله الأرض...

والناس في الأرض مثل ما في السماء.. هناك من هو منير متلألئ ومتوهج وهناك من هو معتم... وهذا صغير وذاك كبير.. وهذا عالة... وهذا هامشي... وذاك صفر يحافظ على منزله.. لكنهم كائنات تعيش... تأكل وتشرب وتنام وتلبس... لكن من هو النافع ومن هو المنتفع...؟

نشكل أو أن نتشكل!!... تبقى الحياة أكاديمية تتشعّب ونتشعّب مع تشعّباتها ومدارسها، ونمر كل يوم بدروس وعِبَر لم نقرأها في الكتب ولم نسمعها في محاضرة....

ما نقرأه تنظير... وما نعايشه هو الواقع شئنا أم أبينا... تبرَّمنا منه.. رفضناه... تقبّلناه على مضض... نبقى رهينة لهذا الواقع حتى وإن أردنا التمرُّد عليه.... سنجد من يخطئنا... وإن كنا على حق... لأنّ ما نقول يتقاطع مع تشكيل الكلمات.

حين نشكل... يكون تشكيلنا كلاماً يطير في الهواء... حروفاً يذوب حبرها ويهرب كهروب الماء من بين الأصابع.

روّض كلماتك... بل وتروّض معها... تأكد بأنك ستنقاد لها بكل أريحية... ستكون مطواعاً... متقبلاً... وستجد نفسك ذات يوم تستلذ بلطم اللكمات لا بمصافحة الكلمات.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد