Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/08/2010 G Issue 13835
الأحد 05 رمضان 1431   العدد  13835
 

صور ومشاهد من واقع الحال
نورا العلي

 

أشعر بغاية الأسى والأسف والامتعاض عند مراجعة بعض الدوائر الحكومية، لا سيما المستشفيات والمرافق الصحية.

يعتريك ألم ما، تتحامل على نفسك، تصبر، لعله عارض يأخذ وقتاً ولا يلبث أن يزول، لكن يعاودك الألم، وجسدك يلح عليك بالتطبيب، وجيبك لا يملك ثمن حفاوة المستوصفات الخاصة، ويؤرقهم كثيراً أن تخرج وهم لم يطمئنوا بعد على كامل صحتك، وخلو جسدك من الأمراض، وخلو جيبك من أدران الدنيا، ولا تملك إلا أن تذهب للمستشفيات الحكومية والتي تعطيك موعداً لا يأتي إلا بعد أن يستفحل المرض.

قد أورق وأينع في جسدك، حتى تصبح مستحقاً للعلاج.

تنتظر الموعد وتدعو الله أن يكون خيراً، الموعد يحين، تستأذن من عملك، وأنت وحظك في مديرك، قد يراق ماء وجهك لأجل استئذان ضروري، وتتمنى بأنك تغيبت في ذلك اليوم على أن تسمع كلمة، لِمَ ولماذا، وكم ستستغرق من الوقت؟ لكن إن غبت سيُخصم ذاك اليوم من راتبك، المهم، تذهب للمستشفى، الكل على رأس العمل، والمعاملات لا تُنجز بيسر، كل موظف يحولك للآخر، تجلس في صالة أو بالأحرى ممر الانتظار المخصص للعيادة، وأحوال الناس فيها غريبة عجيبة، فمثلاً: عيادة النساء والولادة... حينما تحضر سيدة في شهور حملها الأولى أو الأخيرة، حيث كلها تعب وألم وكره، يفترض أن تُعَامل السيدة معاملة جيدة، لا نريد معاملة متميزة.

يبدو أن الممرضات أصابهن تبلد لكثرة معايشتهن لمناظر البؤس والألم، وأصبحت هذه المناظر معتادة ومألوفة لديهن، بل وأصبحن يجلبن الأسى والألم والسقم، جراء تهاونهن في أداء واجباتهن، وتعجبهن واستيائهن من حالة المراجعة المريضة.

تعجبين من سقمي؟

صحتي هي العجب!

وكما يقول ابن الرومي (قد تركت الصحاح مرضى)

عموماً أنا لن أتناول في موضوعي هذا ما يجب أن تكون عليه أحاسيسهن، ولست مخولة بأن أُمْلِي عليهن ما يجب وما لا يجب، لكن أن يجتمع التبلد مع الإهمال! فهذا ما لا يسكت عنه، أن تتسبب ممرضة في خطأ قد يتسبب لمولود جديد في عاهة مستديمة! هنا يجب التدخل لحماية فلذات أكبادنا من أشخاص غير مبالين، وغير واعين أو مدركين للأمانة التي استؤمنوا عليها.

من المؤسف بأن كل مريض أصبح يحتاج لمرافق خاص، لأن بعض الممرضين نسوا أو تناسوا أخلاقيات مهنة التمريض.

أتذكر ما كنا نتغنى به صغاراً من أناشيد عن التمريض والممرضة بالذات، حتى كنا نحسبها ملاكاً في هيئة إنسان. ترى ما الذي حصل؟ لماذا تتغير مفاهيم كثيرة، حينما نكبر ونراها على أرض الواقع؟

مثال آخر: عيادة العظام... الناس بالكاد يجلسون، وبعضهم يحتاج للمساعدة حتى في الجلوس، فمنهم من يعاني هشاشة عظام، والبعض الآخر كسور، وبعضهم لا يقدر أن يثني رجله كي يجلس إلا بمساعدة الآخرين، و و و، وحين نخص العظام فالمريض يحتاج إلى الكرسي، لكن المصيبة أن المقاعد لا تكفي، عيادة عظام، والمقاعد لا تستوعب عدد المراجعين!

يتكوم المرضى عند باب العيادة، ينتظرون متى تنادي الممرضة المرضى حسب أرقامهم، يحين وقت الصلاة، يخرج لأدائها الطبيب، الممرضة وتقول: نستأنف العمل بعد الصلاة.

ولك أن تتصور، أن بعض الأطباء -هداهم الله- يستغرق وقت صلاة الظهر عندهم ساعة ونصف الساعة. فهل صلاة الظهر تستغرق كل هذا الوقت؟ قد تطول المدة أكثر، ساعة ونصف الساعة والمرضى ينتظرون الفرج بأن ينادى على أرقامهم لدخول العيادة، هذا وهم موجودون من الساعة التاسعة أو العاشرة، ومتسمرون على مقاعدهم حتى لا يغافلهم أحد الواقفين ويجلس على مقعده، لأن المقاعد شحيحة، الجميل أن الأرقام التي يحملها المراجعون، كتب عليها من الخلف (أشغل أوقات الانتظار بالاستغفار). أكاد أجزم بأن المرضى قرؤوا أذكار الصباح عند أبواب العيادات، واستقبلوا المساء وهم في أروقة المستشفى، وانتهوا من أذكاره، ولو كانت معهم ألفية ابن مالك لحفظوها عن ظهر قلب وهم ينتظرون دورهم في الدخول على الطبيب الذي يضيع أوقات الناس بذريعة الصلاة. والأمَرُّ والأدهى، وبعد هذا الانتظار، وحينما تأتي اللحظة الموعودة، لحظة الفرج، (الدخول على الطبيب) والكشف على العلة التي جعلتك تقضي يوماً كاملاً متسَمراً عند هذه الأبواب، لتقضي عليها، وتبيدها بقدرة الله ثم بمساعدة هذا الطبيب، تشرح له علتك، وتكتشف بأنك في واد، وطبيبك في واد آخر، يمسك بيدك ويجِس نبضَك ولسان حالك يقول (إن التألم في كبدي فاترك يدي يا سيدي، اترك يدي).

أحد المرضى بعد أن انتهى من جلسة علاجية عند دكتور الأسنان، ذهب لمنزله واكتشف بعد زوال مفعول المخدر، بأن الطبيب خلع الضرس السليم المجاور للضرس العليل الذي ذهب لخلعه (لا طبنا ولا غدا الشر).

من المؤسف أنك تكتشف بأن ملائكة الرحمة (الأطباء) تحول بعضهم إلى ملائكة عذاب، ولا تكاد تصدق، لكن الأدلة والشواهد تخيب ظنك وتجبرك على تصديق ذلك.

وما أنا قولا فيك بالمصدق

ولكني شقيت بحسن ظني

آخر الكلام

متى يبلغ البنيان يوما تمامه

إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد