Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/08/2010 G Issue 13835
الأحد 05 رمضان 1431   العدد  13835
 
فقيه آل سعود وعالمهم
متعب بن صالح الفرزان(*)

 

الأمير عبدالله بن عبدالرحمن بن فيصل (رحمه الله) من الشخصيات الكبيرة البارزة فقد أوتى مزايا تجعلك تجله وترهبه، لكنك إذا عرفته أحببته؛ فهو رجل شديد الملاحظة حاد الذكاء فقد كان ذكاؤه عميقا، ومحيطا بالأمور وجريئا في إظهار رأيه، مشاركا بالأدب والعلم والفقه عارفا بالكتب وموضوعاتها مطلعا على التواريخ وأخبارها، حصيف العقل، جزل الرأي حازما ساعة الحزم، هذا، إلى رقة حاشية مع ضيوفه ولطف لا تزدهيه إمارته ومكانته فتمنعه من مراعاة اللياقة واللباقة.

ولد الأمير عبدالله بن عبدالرحمن في سنة 1311هـ في الكويت، وكان والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل قد لجأ إليها عام 1309هـ مع أسرته وبقي الأمير عبدالله في كنف والده الإمام عبدالرحمن في قصر والدته (منيرة بنت هتيم من المهاشير من بني خالد) وظهرت عليه أمارات النباهة والذكاء والشجاعة فأتى له والده بمعلمين يتعلم عليهم القرآن والفقه والحديث، وكان منهم (إبراهيم بن خميس)، وأصبح الأمير عبدالله بعدئذ عالم آل سعود، ومال إلى الأدب وقراءة كتبه، وبرع في الأنساب حتى صار حجة فيها وطالع التواريخ وحفظ كثيرا من أخبارها حتى قال عنه الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) هذا فقيه آل سعود وعالمهم، وعندما زار الملك عبدالعزيز مصر عام 1946م كان الأمير عبدالله معه ورآه الكاتب الكبير(عباس محمود العقاد) ولاحظ في معيته الأمير عبدالله، وذكر أن وفدا من علما الأزهر جاءٍِ للسلام على الملك في قصر الزعفران فدار الحديث حول بعض المسائل الفقهية التي انفرد بها مذهب الإمام احمد بن حنبل فسألوا الملك عنها فقال الملك: إن الغزوات والحروب لم تدع وقتا للتبحر في العلم، ولكن الذي تبحر فيه هو هذا أخي (فقيه آل سعود وعالمهم) اضربوا معه موعدا للحديث، إنه أعلم منى بما تذكرون.

كما أن انصراف الأمير عبدالله إلى العلم وعرفة للقرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك لم يمنعه من مساعدة عبدالعزيز في تثبيت دعائم الملك فقد قضى الملك عبدالعزيز أكثر من عشرين سنة يجالد خصومه كي يثبت حكمه ويستقر ملكه ويتم الأمن والعدل والاستقرار وكان الأمير عبدالله بجانبه يؤيده بالقتال معه ويمده الرأي الصحيح والمشورة المخلصة، وكان الملك عبدالعزيز يستشيره في أمور كثيرة وعندما أصبح الملك فيصل ملكا تمسك بعمه وكان يقتدي برأيه ويطلعه على خفايا الأمور، وقل أن زار فيصل رجل من رجال السياسة في العالم العربي إلا وزار الأمير عبدالله أو اجتمع به عدد من الدبلوماسيين ورجال الصحافة ومراسلي الصحف الأجنبية الذين يزرونه سائلين ومتفهمين ويتحدثون عنه في صحفهم العالمية ولقد كان همه (دائما أن يبقى البيت السعودي قويا ثابتا لا تزعزعه الأحداث ولا توهن من وحدته الأهواء) وكما كان مجلسه حافلا برجال السياسة وموظفي الدولة فقد كان يحفل بالعلماء الكبار والأدباء وكان يحب اقتناء الكتب وقراءتها، وكان عنده مكتبة حافلة فيها مخطوطات ومطبوعات فيها أجزاء من تاريخ الإسلام للذهبي، ولقد طلب منه بعض علما مصر تصويرها لعزمهم على نشر الكتاب نشرة جديدة فأجابهم إلى طلبهم وبعد وفاته يرحمه الله قرر ورثته إهداء المكتبة إلى جامعة الإمام محمد بن سعود.

يقول سليمان بن عبيد الذي لازم الأمير عبدالله منذ الصغر، كان رحمه الله عالما أديبا فطينا ذكيا دينا لم يفارق الجماعة في صلاته منذ الصغر حتى أقعده المرض. بنى مسجداً في الرياض وفي الخرج وفي الدرعية وفي الطائف وحتى قصره كان له مسجد يصلي فيه مع زواره، وعنده إمام يأتم به، وكان يحب العلماء ويقدرهم ويقرب الأخيار ويبرهم ويبغض المفسدين والأشرار ويحاربهم، وكان ذا رأي وحزم ودهاء وكان يكره الرياء والنفاق وكان له صدقات كثيرة خفية وهبات.

توفي الأمير عبدالله بعد عمر مديد بلغ خمسا وثمانين سنة في اليوم الثالث من شهر ذي الحجة سنة 1396هـ أغدق الله عليه رحمته ورضوانه، له من الأبناء اثنان وعشرون ولدا ذكرا وثلاث عشرة بنتا ومن أبنائه الأمير عبدالرحمن بن عبدالله، وكذالك محافظ محافظة الدرعية الأمير أحمد بن عبدالله بن عبدالرحمن.

(*) العمارية


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد