Al Jazirah NewsPaper Monday  16/08/2010 G Issue 13836
الأثنين 06 رمضان 1431   العدد  13836
 

د. غازي.. نم في رحاب رب كريم
محمد عبده يماني

 

رحمك الله يا دكتور غازي.. ترجع إلى رب كريم.. وفي رحاب من كتب على نفسه الرحمة.. وجوار هذا الرحمن الرحيم.. في شهر رمضان... شهر القرآن.. وموسم الرحمة والرضوان.

نم أيها الصديق في أمن وطمأنينة وأمان.. لأنك ترحل إلى جوار من كتب على نفسه الرحمة.. ولم يكتب على نفسه العذاب.. ووعد سبحانه وتعالى بأن يدخل من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشرك به أحدا الجنة.. وجعل من حق الله على العباد أن لا يعبدوا إلا الله.. ولا يشركوا به شيئا.. وحق العباد على الله أن لا يعذب من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشرك به شيئا.. وأنا اشهد أيها الصديق الإنسان بأنك ممن يشهدون أن لا إله إلا الله.. وقد عشت تصدح بهذه الشهادة.. ورأيتك وعشت معك في مناسبات عديدة تدافع عن هذه الشهادة.. وكان معنا أستاذك وأستاذنا الدكتور عبدالعزيز الخويطر حفظه الله.. ورفيق شعرك الدكتور عبدالعزيز خوجة.. وكلنا كان ولا يزال يشهد لك بذلك.. وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إلى أبي هريرة ويقول: (يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة).

وقد فرحنا ونحن نرى رب العزة والجلال يقسم سبحانه وتعالى: وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال لا إله إلا الله..

وهذا يوم الحشر الأعظم، وسبحانه عز وجل كيف يتفضل فيه على عبادة الذين شهدوا له بالواحدانية، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول له: أتنكر شيئاً من هذا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل ويقول: لا يارب فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، وأنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة.

قال: فلا يثقل اسم الله شيء (رواه أحمد وابن ماجة).

وكل الروايات تعلمناها من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار.

وسبحان الله كيف يتحدث صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول ما الموجبتان قال: (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله دخل النار، والحمد لله انك أيها الحبيب ممن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

عد يا صديقي إلى رحاب هذا الرب الكريم، بعد أن أكرمك وطهرك، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أن الله إذا امتحن عبداً فإنما ذلك جزء من حبه له، وجاء الحديث النبوي الشريف: (إذا احب الله عبداً ابتلاه فإن بقي عليه شيء اثقل عليه سكرات الموت، فإذا جاءه جاء كيوم ولدته أمه) وأنت قد عانيت أيها الصديق، وصبرت وتحملت، ورأيتك تحمد الله على البلاء وتسأله السلامة.

عد يا صديقي وقد اختارك الله في هذه العشرة الأولى من رمضان التي فيها الرحمة.. فأوله رحمة كما تعلمنا.. وأوسطه مغفرة.. وآخره عتق من النار.. وكلنا نقبل فيه على رب كريم.. وأنت ترحل فيه إلى جوار الرحمن الرحيم.

وإني إذا أرثيك اليوم إنما ارثي أخ حبيب وصديق عزيز ومواطن صدح بحبه لهذا الوطن، ودافع عنه بالكلمة الطيبة والقول الصادق ومن هنا فإني مطمئن عليك أيها الحبيب، لأنك في جوار رب رحيم كتب على نفسه الرحمة، ولم يكتب على نفسه العذاب، وهو يعلم سبحانه خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وسبحانه من لا تضره معاصينا ولا تنفعه طاعاتنا، وإنما يفرح بالعبد الفقير يعود إليه تائبا مستغفرا، وقد أعطي الفرصة خلال هذه المعاناة الطويلة ليرحل إلى جوار ربه آمنا مطمئنا، فعد يا غازي ونم في رحاب رب كريم.

رحمك الله أيها الحبيب، وتغمدك بواسع رحمته، ولا نستطيع أن نقدم إلا الدعاء لك، والشهادة بكل ما عرفناه عنك، وعزاؤنا لزوجتك الكريمة السيدة (سجرت) التي وقفت مواقف بنات الرجال حتى اللحظات الأخيرة مؤمنة بقضاء الله وقدره، واقفة إلى جوارك تسأل الله اللطف، وإلى الأبناء الأعزاء سهيل ويارا اللذين نسأل الله أن يخلفك فيهما وفي أهلك جميعاً وفي كل محب لك خيراً.

وسبحان الله وكأني كنت أحس بقرب الرحيل يوم ذهبت للعلاج، وعلمت عن مرضك العضال فكتبت لك يومها حديثاً من القلب وقلت لك: أبا سهيل ويارا.. لا تسدل الأستارا.. ولا تعاتب وتعتب فقد تثير غباراً ولا تحاسب وتحسب وتلمس الأعذارا.. ولا تقل يا صاح يوماً ولا يومين فالدهر يعدو مرارا.. وأذكر ليال جميلة وصحبة الأخيارا.. وتذكر أيام سعد وفرح وخالد المدرارا.. وتذكر أخاك الخويطر وصحبة الصقارا.. وتلك أيام قنص تفر منا الحبارى.. واذكر أخاك السيد في الركن يروي لنا الأسرارا.. كانت يا صاح أيام سعد كأنها أزهارا.. واذكر ليالي المحرق وجرول والنقا والقراره..

وقلت له يومها أيضا:

أما في الأمس يا «غازي»

ثوان كن أزمانا

فما استذكرت لا ينسى

وأنت تظل عنوانا

وما استحضرت من ماض

يطوف على سلوانا

كلانا يا «أبا يارا»

رأينا الناس ألوانا

كما تتلون الدنيا

فيبدو العمر فتانا

وتبقى أجمل الذكرى

وينسى المرء ما عانى

إذا احسنت فلترضى

وإن حاولت احسانا

فللأحلام شطآن

وكان الصحو مرسانا

فحقاً خضت ما خضنا

وحقاً كان ما كانا

أرى الأوطان أفئدة

وقد ألفيت أوطانا

عرفتك دائماً نهرا

ولم أعرفك بركانا

ودوماً بلبلاً يشدو

يرنم اينما كانا

وإني لأشهد بذلك الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كنا في المدينة وصدحت بتلك الأبيات التي تنبع بالحب لهذا النبي الحبيب.. وتتذكر مولده وبعثته وهجرته وجوانب السيرة العطرة بطيبة الطيبة.. وقلت تخاطب أبا القاسم:

فيا أبا القاسم المختار يملؤني

حب يجل عن التصوير والصور

إن كنت قصّرت في مدحي فمعذرتي

إني رزقت حروفاً لسن من در

لو استطعت كتبت الشعر متشح

ضوء الشموس يُحيي أعظم البشر

إذا رأبت خطاياي التي احتشدت

أوشكت أهلك من خوفي ومن حذري

حيناً وأذكر عفو الله تشفع لي

ستون عاماً من الإيمان ذا عمري

فيا أبا القاسم المختار يملؤني

حب يجل عن التصوير والصور

صلى عليك إله الكون ما ابتسمت

شمس وما أجهش الباكون في السحر

ثم رأيتك وأنت تقف تطالع ثنية الوداع وقلت فيها:

تلك الثنيات فاذكر مطلع القمر

واخشع مع الألق الطافي على الذكر

في يوم مولده أو يوم بعثته

أو يوم هجرته ما شئت من عبر

في سيرة لم يرَ التاريخ توأمها

برغم ما ابصرت عيناه من سير

تلا الرسول كتاب الله فالتفتت

دنياً بأكملها تصغي إلى السور

بطيبة الطيب أرسى الحق دولته

فالكون في موعد ثرٍ مع القدر

وجند الكفر ما للكفر من عدد

فخر في قاع بدر دونما أثر

كتائب الله ترعاها ملائكة

تسير ما بين منصور ومنتصر

واليوم نحن غثاء السيل ما كذبت

مقولة نقلت عن صادق الخبر

تلك لوحات جميلة أذكرها لك.. وأشعر أن فيها شهادة حب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.. فنم يا صاحبي ونسأل الله أن يتغمدك برحمته.. ويسكنك فسيح جناته.. ويرحمك ويرحمنا جميعا برحمته الواسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد