Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/08/2010 G Issue 13837
الثلاثاء 07 رمضان 1431   العدد  13837
 
فضل بن سعد البوعينين
«وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا»

 

بِيعتْ في العاصمة البريطانية «لندن» شقة سكنية، في شارع هايدبارك، مكونة من سبع حجرات بقيمة 140 مليون جنيه إسترليني (820 مليون ريال سعودي). وسائل إعلام بريطانية تعتقد أن مالك الشقة الأغلى في العالم هو أحد «رجال الأعمال الخليجيين»؛ إلا أن المؤكد أن غالبية شقق المبنى تم بيعها لمستثمرين من الشرق الأوسط، وربما كان معظمهم -إن لم يكن جميعهم- خليجيون.

المستثمر الخليجي دفع ما يقرب من 120 مليون جنيه إسترليني زيادة عن متوسط الأسعار التي بيعت بها الشقق الأخرى!

هناك هجمة شرسة من مستثمرين خليجيين على عقارات لندن بصفة خاصة، ساعدت في إعطاء صورة مضللة للأسعار. وعلى الرغم من الركود العام في قطاع العقار، إلا أن الإخوة الخليجيين لا يستطيعون كبح جماح رغباتهم الاستهلاكية.

يتصرف بعض الخليجيين في العواصم الغربية وكأنهم من يُحرك العالم بأموال النفط التي وضعها الله بين أيديهم، فيتسابقون في تبديد الثروات بطرق مختلفة، غير مكترثين بعواقب الأمور، وحاجة بلدانهم إلى تلك الأموال التي تُحرق سنوياً في دول الغرب.

اللهم لا حسد، ولكن ألا يحق للخليجي المسكين أن يسأل عن الفائدة المرجوة من إنفاق 140 مليون جنيه على شقة واحدة مكونة من سبع حجرات! أو أن يسأل عن مصادر تمويل تلك الصفقة، أو العائد المتوقع منها؛ أو أن يطلب ممن دفع ذلك المبلغ الضخم أن يتفكر في أحوال الفقراء والمساكين في المدن الخليجية، وأحوال المسلمين في العالم، ومن بينهم 15 مليون مشرد باكستاني بسبب الفيضانات المدمرة التي اجتاحت مدنهم وقراهم البائسة.

كان من الممكن استثمار 140 مليون جنيه في مصانع منتجة في الدول الخليجية الست، تساعد في خلق الوظائف، وتحسين دخل الأسر، وتسهم في القضاء على البطالة، واستغلال دخل تلك المصانع في شراء المزيد من الأبراج والشقق السكنية للفقراء والمساكين الذين لا تخلو مدينة خليجية منهم.

140 مليون جنيه قادرة على بناء قرية سكنية نموذجية تؤي آلاف الخليجيين المُحتاجين، إضافة إلى قصور واسعة تُحقق للمستثمر الأمن، الرفاهية، الحرية، السعادة التي لن يجدها في تلك الشقة الصغيرة.

إن الله يُحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ولكن شتان ما بين الاستمتاع بالطيبات، وبين الإسراف المُمحق للمال والبركة.

قال تعالى: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا».

وحث الله سبحانه وتعالى الموسرين على الإنفاق في أوجه الخير، وإعطاء أولي القربى والمساكين حقهم، وربط بين المبذرين والشياطين؛ قال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).

المال مال الله يهبه من يشاء، ويقبضه ممن يشاء، وبين الهبة والقبض حساب عسير؛ روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه، وعلمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن شبابه فيما أبلاه».

تنظيم الفتوى

جاء توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتنظيم الفتوى وقصرها على هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ومن ترى الهيئة أحقيته وأهليته التامة بالفتوى فترفع إلى مقامه الكريم للإذن له بالفتوى، لتحفظ للفتوى قيمتها، ولعلماء الأمة الراسخين منزلتهم ومكانتهم، ولتوقف الشاذ من الفتاوى التي أحدثت لغطاً غير مسبوق في مجتمعنا الإسلامي.

الفتاوى في القضايا العامة يجب أن تكون من اختصاص هيئة كبار العلماء، والراسخين في العلم، وألا يُترك عرضة للأقاويل والانحرافات، أو التوجهات الخاطئة.

تنظيم الفتوى يضع المعايير المطلوبة والأنظمة المُقننة للفتوى، ويوجد المرجعية القادرة على تحديد الإطار العام للعمل وتحمل المسؤولية فيما يصدر من فتاوى.

قرار تنظيم الفتوى المُبارك يحتاج إلى أن يُدَعَّمَ بقرار آخر لتقنين ما يُبث وينقل في وسائل الإعلام، فلولا الإعلام لما نجحت الفتاوى الشاذة في الوصول إلى أصقاع العالم في دقائق معدودات، ولما أحدثت ذلك اللغط الذي شكك بعض المسلمين في عباداتهم ومعتقداتهم.

الحس الإسلامي، والمصلحة العامة تفرض على المسؤولين عن الإعلام مراقبة الله والنظر في المآلات قبل البحث عن السبق والكسب؛ الرقابة الذاتية، والعمل المسؤول كفيل بوقف (الفتن)، وحماية المجتمع، ومنع ظهور كل ما يسيء للإسلام والمسلمين.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد