Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/08/2010 G Issue 13837
الثلاثاء 07 رمضان 1431   العدد  13837
 
هذرلوجيا
تلك الـ(أهلاً) الوحيدة
سليمان الفليح

 

حقيقة ويا للأسف الشديد لم أتشرف بمعرفة الدكتور غازي القصيبي معرفة شخصية أو مباشرة ولكنني أعرفه جيداً من خلال كل حرف كتبه طوال عمره المعطاء في حقول الكتابة والشعر والرواية، وكانت محبته تزداد في القلب كلما قرأت له عملاً جديداً يزيّن أرفف المكتبة السعودية، بل والعربية بشكل عام، وكنت معجباً بعطائه الوظيفي منذ أن كان وزيراً للصحة ثم سفيراً للوطن (يرفع الرأس) أينما حلّ وكان هذا الإعجاب يحمله كل جيلي ليس في المملكة وحدها، بل في سائر أقطار الخليج العربي لأنه أول مسؤول يترجل عن الكرسي الذهبي وينزل إلى الشارع، ليمارس ما يمارسه المواطن العادي من مراجعات وما يتلقاه من قبل الموظفين الذين يعملون تحت إدارة وزارته.

وكان يعاقب الموظفين المهملين بكلمات بسيطة يتركها لهم في مكاتبهم وعلى طاولاتهم ولكنها أقسى من أية عقوبة يُوقعها مسؤول كبير على موظف مهمل صغير أي أنها عقوبة أشد من خصم الراتب أو تأخير الترقية أو النقل التأديبي، بل وحتى الإنذار الأخير وخصيصاً لمن يملك أدنى ذرة من الحس الرجولي وتقدير الواجب والخجل.

وحينما كان الراحل العزيز سفيراً لبلاده في الخارج كان خير من يمثل المملكة لما يملكه من ثقافة ووعي ودبلوماسية قلما تتوفر في نظرائه السفراء العرب، وذلك لأنه يشارك في الحياة العامة والنشاطات الفكرية والثقافية لأي بلد يتواجد فيه وقد كان رحمه الله مقنعاً للآخرين في أية قضية تخص وطنه أو أمته أو عقيدته أي أنه كان فارساً نبيلاً ومجالداً شجاعاً في كل معركة يخوضها من أجل الحقيقة والحق. وقد تجلت فروسيته الفذة إبان احتلال الكويت إذ أنه لوحده رحمه الله كان بمثابة جبهة فكرية تقاتل من أجل الحق ومحاربة العدوان مهما كانت تبريرات ذلك العدوان الذي خدع جل المثقفين العرب ولكنه لم يخدع غازي بالطبع لأنه كان مسلحاً بالوعي والصدق والشهامة ومدججاً بالثقافة الثقيلة والرأي الحر.

بقي أن أقول أخيراً وكما قلت في أول المقالة أنني لم أتشرف ويا للأسف الشديد بمعرفة غازي عن قرب، بل إنني لم أره إلا مرة واحدة وعابرة في العمر ولم نتبادل سوى جملة واحدة فقط حينما كان رحمه الله يهم بالدخول إلى مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان إذ صادفته قبل الدخول بدقيقة واحدة وسلمت متلهفاً عليه وقدمت له نفسي فما كان منه إلا أن قال: أهلاً سليمان، سنلتقي مرة أخرى ولكن ذلك اللقاء لم يتم على الإطلاق لأن الزمان خذلنا وفرق الموت ما بيننا إلى الأبد.. ألا رحمك الله أبا سهيل وأسكنك فسيح جناته.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد