Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/08/2010 G Issue 13839
الخميس 09 رمضان 1431   العدد  13839
 
أوتار
فتاوى القدماء وعلماء الأقطار
د.موسى بن عيسى العويس

 

قصر الفتوى على رجالات العلم المعتبرين أمرٌ ملكي كريم، صدر في وقت أحوج ما تكون إليه الأمة، وأهم ما تتطلع إليه، وهو توجيه من ولي الأمر ينمّ عن استشعار عظيم للمسؤولية عن هذا الدين، وهذا الكيان العظيم الذي قام عليه، واستمدّ منهجه منه، منذ عصر المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (رحمه الله)، ومن سبقه من أئمة هذه الدولة المباركة. ومن الطبيعي أن يراها الكثير منقذا للمجتمع من بعض الآراء، والأفكار والتوجهات الشاذة التي لا تخضع لمنهجية الفتوى، ولا لشروطها وضوابطها، هذا إلى كون هذا التوجيه كفيلٌ باستعادة هيبة ومكانة المؤسسات الشرعية، ومن يمثلها من العلماء الربانيين، والدعاة المخلصين، وتحمل هذه الفئة التي اختارتها القيادة المسؤولية أمام الله، وولي الأمر، والمجتمع، والحقبة الزمنية التي عاشوها.

* من يرجع لتلك الأوساط، أو بعض الفئات التي تصدرت للفتوى، أو صدّرت نفسها في هذه السنوات يجد أن الكثير منهم - إذا أنصفناه - لم يأت بجديد، فهو يجتر فتاوى قديمة لعلماء معتبرين في هذه البلاد قضوا نحبهم، فاستندوا على أقوالهم، وآرائهم المكتوبة، ولم يحرّفوا فيها، أو يتقوّلوا عليهم، أو ينسبوا إليهم ما ليس لهم، ومنهم من اتكأ على فتاوى تمثل علماء بأقطار عربية، أو إسلامية، لكنها وجدت التأييد من بعض علماء هذه البلاد، وبالتالي فإن هذه الفضية على خطورة استدعائها، واحتمال التحريف في بعضها تعتبر من فائت البيان، أو التوجيه الكريم.

* من المؤكد أن بعض هذه الفتاوى القديمة أسقطها أصحابها على ظروف عصرهم، ووقائع الأحداث فيه، ومتطلبات الحياة في مكان وزمن معين، وهو ما وصل إليه مبلغ علمهم، وحدّ اجتهادهم (رحمهم الله)، وفي نظري أن تكييفها ونقلها مع كل زمن، وحادثة، أو قضية تحتاج إلى إعادة نظر، مهما كانت مكانة ذلك العالم، ومنزلته بين علماء جيله، ومن يعلم فربما أن أصحابها يراجعون فتاواهم بين الحين والآخر، وينقضون بعضها، ويقيّمون آراءهم على ضوء ما يستجد من قضايا معاصرة، أو تطورات علمية يفرضها الزمن.

* مثل هذه المداخل على تلك الفتاوى، ألا تعتقدون معي أن الأجدر كذلك على طرحها، واستدعائها، ومناقشتها، ونشرها بين الناس هم ورثة أولئك العلماء من المعاصرين لهم، والملازمين لمجالسهم ودروسهم، والعاكفين على آثارهم، جمعا، ودراسة، وتمحيصا من أعضاء هيئة كبار العلماء، وأعضاء الفتوى المعاصرين، فهم الأقدر على إسقاطها، والأكثر دراية بمقتضاها وبُعد تأثيرها على المجتمع، ومن أراد أن يرجع إليهما من طلابها فليرجع إليها للاطلاع عليها في بطون كتبهم، لا لنقلها، ونشرها بين الناس في الأماكن العامة والخاصة، ولا ندري فربما أن بعضهم - رحمه الله - لا يرغب في مثل هذه الأساليب، وبخاصة إذا كانت ستؤدي إلى فتنة، أو إثارة يمكن تفاديها.

* نعم، قد يكون في طي الفتاوى القديمة، أو تحديد من يتعاط معها، وينشرها فرصة، لإثراء الساحة بكل ما هو جديد، وحفز أولئك العلماء على الوقوف على ما يحسن الاجتهاد فيه، أو القياس عليه، أو استنباط بعض الحكام منه، لا أن يظل العالم مقلدا، أو متجاهلا ما يدور، أو منزويا عن كل ما يطرأ، ويحل بهذا الكون العظيم.



dr_alawees@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد