Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/08/2010 G Issue 13839
الخميس 09 رمضان 1431   العدد  13839
 
نُحب غازي بـ (وفاء) ونبكي رحيل (الاستثناء)..!
محمد بن عيسى الكنعان *

 

عظماء الأمة يصنعون أمجادها فيخلدهم التاريخ بمداد الحقيقة رموزاً في ذاكرة شعوبها، وعظماء الوطن يصنعون إنجازاته فتنتصب قاماتهم على واقعه كحالات استثنائية ونماذج حضارية في مسيرته التنموية الشاملة، وأحسب أن معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله رحمة واسعة من أولئك الذين جمعوا همّ الأمة بحب الوطن، فكانت مواقفه مشرفة وبصماته خالدة على جبين الوطن الذي هو قلب الأمة، لذا بقي علامة فارقة في تاريخ المملكة ونجماً لامعاً في سماء الأمة خلال حياته وحتى يوم وفاته، ذلك اليوم الذي ُنقش بسواد الحزن على حائط البيانات المؤلمة والأخبار المفجعة، فكان يوم الأحد الخامس من شهر رمضان المبارك للعام 1431هـ الموافق للخامس عشر من شهر أغسطس للعام 2010م، كان يوماً مختلفاً كحال القصيبي المختلف إنساناً وفكراً وعطاءً.

لقد كانت للقصيبي أيام مجيدة في عمر الوطن، واليوم صار للوطن يوم خاص في تاريخ القصيبي، فلماذا هذا التلازم الذي أمسى تميزاً، فكان غازي بحجم الوطن وحل الوطن الكبير في قلب غازي؟ إنه (الاستثناء) في هذه الشخصية الفذة على امتداد تاريخنا الوطني وواقعنا المعاصر، استثناء في (التعامل الإنساني) الذي يأتي عفوياً تعكسه ابتسامته الحاضرة ولباقة حديثه وتواضعه مع أقل الناس وزناً في الميزان المجتمعي حتى تعتقد أنه يعرفه دون غيره وهو أول مرة يقابله، وهو استثناء في (الفكر الإداري) سواءً بنظرته الثاقبة التي تختصرها قصة شركة (سابك) كونه أحد روادها الأوائل، وأول رئيس لمجلس إدارتها، أو في القيم الإدارية التي ُعرف بها فصارت ضمن أساليب الإدارة الحديثة، فهو من أدخل (الزيارات المفاجئة) في قاموس الوزراء والمسؤولين، ونزل إلى ميادين العمل دون بخور المنصب ومشلح السلطة وخالط العمال والمهنيين، وحطم (ثقافة العيب) في أحد مطاعم جدة أمام عدسات المصورين، وفاجأ الحضور في حفل تكريمه ضمن رواد (سابك) أن مستحق التكريم هو الذي يدير الآلة في المصنع من المشغلين.

كما أنه استثناء في (العطاء الاجتماعي) بتجديده للوعي العام بشأن فهم وجوه الأعمال الخيرية من خلال مبادراته الوطنية في تأسيس جمعيات تمس شرائح منسية في مجتمعنا فكانت جمعية المعاقين وأصدقاء المرضى، وكان استثناءً في (الإبداع الثقافي) بين الشعر الهادف العذب والرواية المعبرة بتجارب الحياة الصادقة، والكتب الفكرية في السياسة والإدارة، كما أنه استثناء في (العمل الدبلوماسي) بمواقفه الوطنية دفاعاً عن المملكة ودعماً لسمعتها عالمياً أو مواقفه العربية المشرفة خاصةً القضية الفلسطينية في بحر الإعلام الغربي المحترف، ما جعله أيضاً استثناءً في (الحضور الإعلامي) سواءً على مستوى المقابلات التلفزيونية التي تنجح مع أسوأ المذيعين وأضعف المثقفين، أو على مستوى تصريحاته الصحافية في شأن عام أو قضية طارئة، فتأتي خلاف الجميع فكراً وأسلوباً ولغة.. حقاً إنه استثناء كما وصفته صحيفة (الجزيرة) فلا يمكن أن ينتهي حديث الوفاء.. فرحمك الله رحمةً واسعة يا أبا سهيل أو يارا كما هي شهرتك.



* Kanaan999@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد