Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/08/2010 G Issue 13841
السبت 11 رمضان 1431   العدد  13841
 
بين الكلمات
هل انتهت ظاهرة الصحوة ؟
عبد العزيز السماري

 

قد نستطيع القول إنّ ظاهرة الصحوة قد هدأت، بعد أن كانت لها صولات وجولات في المجتمع، فقرار ضبط الفتوى أعاد للمؤسسة التقليدية بعضاً من وجاهتها، بعد أن تم تحجيم نجوم الصحوة من خلال نزع حقهم في الإفتاء العام للناس، وظهر توقفهم عن الإفتاء في برامجهم الإعلامية، وبدا للجميع التزامهم بالنهج الثقافي في الموعظة، ويعني ذلك أننا دخلنا في مرحلة أو هدنة جديدة لا يمكن التنبّؤ بفترتها الزمنية. لكن المؤكد أنّ المجتمع سيدخل في مرحلة مختلفة، سيلتقط من خلالها أنفاسه، بعد أن عاش أكثر من عقدين في فوضى الفتاوى والحراك السياسي من خلال نافذة الفتوى..

في مجمل القول سيظل تأثير الصحوة على المجتمع طويلاً، فالعمل الحركي كان له تأثيرات عميقة أدت إلى تجذر التفكير المتطرف بين أفراد المجتمع، لكنها في زاوية أخرى أثرت الحركة الثقافية في الوطن، فقد تم منح الرأي والرأي الآخر مساحات للتعبير من أجل مواجهة الفكر المتطرف بين الناس، مما زاد من تسارع الحراك الثقافي...

يطرح بعض المثقفين أنّ الإسلام اختلفت مراجعه من فترة زمنية إلى أخرى، فقد كان إسلام القرآن الكريم تمثله مرحلة القرنين الأول والثاني، لتبدأ بعد ذلك مرحلة إسلام الحديث، والذي ظهر خلال القرون التالية بعد فترة تدوين الحديث الشريف، والتي أضافت إلى أصول وأحكام الدين الإسلامي أعداد ضخمة من الأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ورد أنّ الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف حديث، وقدر مجموع أحاديث مسنده بأربعين ألف حديث، وفي صحيح البخاري بأكثر من سبعة آلاف حديث، بالإضافة إلى كم هائل من الأحاديث الصحيحة والمرفوعة والموضوعة في مختلف الأسانيد والصحاح، مما يعني أن النصوص المقدسة في الدين الإسلامي ازدادت بعد جمع الحديث الشريف في الصحاح والأسانيد، بينما اختلف الوضع في العصر الحديث، والذي يمتد إلى ثلاثة عقود سبقت، فهو يستحق بجدارة أن يكون عصر إسلام الفتاوى، وأعتقد أنه سيكون من الصعب حصر عدد الفتاوى التي صدرت خلال العقود الأخيرة، فقد دخل المجتمع في موجات من الفتاوى، وصلت إلى تحكيم المفتي في كل شيء، بدءاً من أحكام استعمال كل الأجهزة الجديدة إلى السؤال عن حكم أكل لحم البطريق واستعمال أصباغ الشعر، وغيرها، وقد تم رصد فتاوى علماء الدين في مجاميع ضخمة لبعض المشايخ، وكانت على طريقة لكل سؤال جواب، ولم يتورّع بعض المشايخ من استخدام أحاديث ضعيفة وغير صحيحة لإضفاء الشرعية على بعض فتاويهم في كثير من القضايا والمسائل المطروحة، كان أشهرها حديث «لا تعلموا بناتكم الكتابه»، إذ تم استعماله لمنع تدريس الإناث، ويُعد ذلك مثالاً صارخاً على الاستعمال غير البريء للأحاديث..، ويأتي في مثل هذا السياق عدد كبير من الأحاديث..

لكن السؤال هو عن كيفية التعامل مع المرحلة القادمة، فالمجتمع سيشكو من الفراغ في المرحلة القريبة، فالاختفاء السريع للمفتين في وسائل الإعلام سيحدث نوعاً من القلق عند المشاهد والمستمع، لكنه قلق ربما لن يطول إذ سيخضع الإنسان في نهاية الأمر للوضع الجديد، وسيجد عبر الوسائل الأخرى طرقاً مختلفة للبحث عن أجوبة، لكن على المدى الطويل قد يكون هناك أثار إيجابية على طرق تفكير الإنسان، إذ سيضطر لاستخدام عقله أكثر، وربما إيذاناً بمولد عصر جديد وإنسان أكثر استقلالاً للخروج من عصور الرسائل والجمود إلى مرحلة يكون فيها العقل المؤمن والمستقل أكثر تميزاً وإبداعاً.، فالتاريخ علّمنا أن الإبداع العربي في عصور الإسلام الذهبية قد أحبطته كثر الأسئلة عن العلوم الجديدة، مما أدخل المجتمع العربي إلى عصور الجمود والخوف من كل جديد.، وبدْء عصور الظلام.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد