Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/08/2010 G Issue 13842
الأحد 12 رمضان 1431   العدد  13842
 
الصيام والعدل الإلهي!

 

أولاً أبارك للأمة الإسلامية ولكل شعوب العالم ولكل المخلوقات في الأرض دخولنا شهر الرحمة والمغفرة، شهر الصحة والعقل، شهر التوازن الإلهي والعدل السماوي، شهر الصفاء والبهاء، شهر الصيام عن بعض الملذات لحفظ الذات.

قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) (7) سورة الرحمن. كل شيء في هذا الكون وضع وخلق بحكمة وميزان من لدن الخالق سبحانه وتعالى، أي كل مخلوق وقع (قبل) و(بين) و(بعد) خلقه بين كفتي الميزان، وهما كفتا (العدل والحكمة) دون خطأ أو عبثية أو عشوائية، بأعداده وصوره وأحجامه وأشكاله وألوانه، محكمة ومرتبة بتقدير ودقة متناهية وعظيمة، وهذا كله دون أن تدرك ماهيّته عقولنا الصغيرة، لكن ربما تدرك بعض آثاره (إذا فكرنا!) فالله سبحانه وتعالى لم يربط العدد اثني عشر (12) بمخلوقاته عبثاً ! كعدد المجرات، ومجموعتنا الشمسية وعدد أسباط وحواري الأنبياء والأئمة وحواري عيسى، وأبناء يعقوب، وعيون موسى وأعمدة هيكل سليمان وبيت المقدس) سورة البقرة: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) وفي سورة الأعراف: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) (160) سورة الأعراف، وكذلك عدد الشهور قال تعالى في سورة التوبة: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات (36) سورة التوبة، وسيد الشهور (رمضان) وهو شهر الله، حيث جاء الأمر فيه بالصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) فالصيام تشريع من السماء لأهل الأرض، (الأديان السماوية)، وحتى مع شعوب (اللا دين) (No Religion)، فهم يحنون للصوم الطبي ويؤدونه كتطبيب وراحة للروح والجسد، فاليهود والمسيحيون والمسلمون يؤمنون بالصوم كتشريع أساسي من السماء، لكن هناك اختلاف في التطبيق.

بالنسبة للدين الإسلامي فهو ركن أساسي من أركان وأصول الدين، وللصوم فائدتان جوهريتان، (روحية وجسدية)، فالأولى لعلاقات الإنسان الروحية، وأهمها علاقته بخالقه (الله) ومن ثم مع من حوله، والثانية (تحفيز الجسد نحو الكمال)، ففلسفة الصوم ليست موضوع طعام وشراب، أو امتناع عن الغريزة الحيوانية، وإنما هي مدرسة تربوية لتهذيب الإنسان من الداخل والخارج (الروح والجسد)، فهي إعطاء فرصة لبني آدم كي يطوع روحه لكي يمتطيها ويوجهها نحو الجادة، وليس العكس! (بين زخم وزحمة باقي الشهور)، فعند خلو المعدة من الطعام يقل تشتيت قدرة العقل، وما يتم صرفه من طاقة عقلية وذهنية على الجهاز الهضمي والمعوي، يتم تحويله نحو العقل، ويبقى التركيز موجهاً إلي المنطقة العلوية (الرأس)، منطقة المخ واللب (التفكير)، وهنا يحدث الترويض للروح، (البطنة تذهب الفطنة)، فالإنسان يأخذ استراحة ربانية (شهر) سنوية لجسمه وروحه، فهي مدروسة بدقة متناهية مقسمة على عدد زمن الأشهر القمرية، لذا قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، أي ربما ثلاثون يوماً أو أقل، إذاً هي استراحة (شهر قمري) لوضعه كرقم في (معادلة الجسد والروح السنوية) والأهم، هي (وقفة لنقف فيها مع أنفسنا ونحدد طريقنا ومصيرنا)، فالإنسان مخيّر وليس مسيّراً على جسر الحياة (المعبر)، ومع ذلك ومن كرم الخالق جل شأنه، اهتمامه بهذا الإنسان يبقى متصلاً دون توقف، (حتى مع دوام عصيانه) فكما هو منغمس مع ما أعطي من نعم الحياة وغرائزها، كالفم والعينين واليدين والتزاوج وحب الحياة، وضياعه في متاهات تلك الزحمة بين جمع الملايين من البشر... أعطاه فرصة للرجوع عن الخطيئة نحو الحق والطهارة، والدخول من باب شهر الرحمة (رمضان) فجعل فيه أبواب السموات مفتوحة للتقرب إلى الله بالقرآن والدعاء وليلة القدر، وجعل فيه النفس (لينة ومطيعة)، والروح عرفانية وخفيفة وفي (أقوى أوجها)، والشهوة لغرائز الحرام (ضعيفة)، فالنصر لنزعة الخير في هذا الشهر محتوم، والاندحار لنزعة الشر محسوم... إذاً هي فرصة قبل الفوت وذهاب الصوت، كي نروض نفوسنا ونأخذها إلي طريق الله.

فوزي صادق


alholool@msn.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد