Al Jazirah NewsPaper Monday  23/08/2010 G Issue 13843
الأثنين 13 رمضان 1431   العدد  13843
 
الصين الشيوعية تقود الاقتصاد الرأسمالي العالمي!!
د. عبد الرحمن الحبيب

 

كزلزال متوقّع ولكن غير منتظر، تناقلت وكالات الأنباء العالمية يوم الاثنين الماضي تخطِّي الصين لليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة، رغم أنّ الناتج المحلي الإجمالي للصين حالياً يشكِّل ثلث حجمه في أميركا.

في ذلك اليوم علّقت النيويورك تايمز بمقالة لديفيد باربوزا بأنه تحت توجيه الحزب الشيوعي، بدأت الصين إعادة تشكيل طريقة عمل الاقتصاد العالمي بفضل هيمنتها المتزايدة على التجارة، ومدخراتها الضخمة من احتياطيات النقد الأجنبي، وشهيّتها النهمة للموارد الطبيعية، وديون حكومة الولايات المتحدة .. الصين هي الآن المحرك الرئيسي للنمو العالمي! وختمت المقالة بما ذكره اردي من معهد بيترسون: «إنّ الصين هي بالفعل المحدد الرئيسي لسعر كل السلع الرئيسية.»

الصخب بدأ الأسبوع الماضي حين أوضحت اليابان أنّ ناتجها المحلي الإجمالي للربع الثاني من هذا العام بلغ 1.29 ترليون دولار، أقل من الصين التي بلغت 1.34 ترليون دولار. ورغم أنّ اليابان ذكرت أنها لا تزال أعلى من الصين للنصف الأول من عام 2010، فإنّ التقارير تتفق بأنّ الاقتصاد الصيني سيكون ثاني أكبر اقتصاد بنهاية هذا العام. أما بالنسبة لترتيب الاقتصاد دولياً في عام 2009، فتأتي أميركا بلا منازع كأكبر الاقتصاديات بحوالي 14 تريليون دولار، تليها اليابان (5.07 ترليون دولار) ثم الصين (4.9 تريليون دولار) فألمانيا ثم فرنسا فبريطانيا. وكانت اليابان تربّعت في المركز الثاني متخطّية ألمانيا منذ عام 1968.

عالمياً، الصين أكبر مصدر بضائع، وأكبر منتج للسيارات، وأكبر مستخدم للطاقة، لذا فهي أكبر ملوّث وباعث للكربون وفقاً لمعلومات قمة كوبنهاغن، لكنها تنفق المليارات أيضاً على مصادر الطاقة النظيفة المتجددة، فهي أكبر مستخدم لتوليد الكهرباء باستخدام الرياح (الجاردين). وبينما عانت معظم دول العالم من ركود حاد العام الماضي، فإنّ الاقتصاد الصيني نما بنسبة 9.1 % مخرجاً العالم من الركود الاقتصادي. وتشير التقارير إلى أنّ الصين في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة لتكون أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2020 تقريباً، ويرى جيم أونيل كبير الاقتصاديين في مجموعة جولدمان ساكس أنّ الصين ستتجاوز الولايات المتحدة بحلول عام 2027.

هذه القوة الاقتصادية وضعت نهاية لعزلة الصين حين بدّلت السياسات الشيوعية المتشدّدة لصالح مبادئ السوق الحرة منذ أصبح دنغ شياو بينغ زعيماً للصين قبل ثلاثة عقود، وبدأ في إدخال إصلاحات اقتصادية وصار الاقتصاد الصيني ينمو بمعدل 10 % تقريباً - ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي - ، وقفز إجمالي الناتج المحلي من 147 بليون دولار عام 1978 إلى 4.9 ترليون عام 2009. وكان الاقتصاد الصيني في العقود الثلاثة الأولى (منذ 1949) من حكم الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ، متعثراً بفوضى ما أطلق عليه «القفزة الكبرى إلى الأمام»، كمحاولة فاشلة ومؤلمة لتحديث الصين وتحويلها من بلد زراعي إلى صناعي عبر إيديلوجيا ماركسية ماوية.

الرأسمالية الأمريكية لن تدع هذا المارد الصيني .. فمنذ عام 2000 ، عملت جنرال الكتريك مع الحزب الشيوعي الصيني في برامج تدريب وتعاون خالقة حلفاء صينين لها، جنباً إلى جنب مع جهود حثيثة ومتواصلة من شركات أمريكية أخرى، لإقناع المسؤولين الصينيين بتعديل أنظمتهم تحت مبدأ «ما هو جيد للأعمال التجارية بالصين هو جيد لكل الصين». وثمة شركات استشارات أمريكية تتوسع في الصين لبناء مؤسسات جديدة وللمساعدة في التحول من البيروقراطية الشيوعية. وعقدت لقاءات عدة رفعت فيها شكوى الأمريكان من الأنظمة البيروقراطية التي تسير عليها الصين، وذكر الصينيون أنهم على استعداد لإعادة النظر في تلك الأنظمة (مايكل فورسيذي) .. وقد ذكر تيموثي ستراتفورد مساعد الممثل التجاري الأمريكي للصين: «في كثير من الحالات، هم على استعداد للقبول، إذا كنا نستطيع توفير أسباب مقنعة على تعديل سياسات محددة.»

إلاّ أنّ الشركات الأمريكية التي لا تسير على خط الحزب الشيوعي، ستجد نفسها في صدام مع الحكومة الصينية. فجوجل مثلاً، ذكرت أنها لم تعد قادرة على الالتزام بقواعد الرقابة وخرجت خاسرة من الصين (أو أنّ الصين خسرتها!). وعلى نقيضها جنرال موتورز وضعت برنامج تدريب للمديرين التنفيذيين الصينيين بالتعاون مع منظمة للحزب الشيوعي، تحدد أسماء رؤساء أكبر الشركات الصينية المملوكة للدولة. وفي الوقت ذاته ارتفعت مبيعات جنرال موتورز في الصين 16% العام الماضي مقارنة مع انخفاضها عالمياً بنحو 14 في المئة (وكالة أنباء بلومبرج).

لا يمكن لهذا النجاح الصيني أن يمضي بلا تحديات، فقد عانت سوق الأسهم الصينية اضطرابات عام 2008 بعد طفرة المضاربة، وثمة احتمال من وشوك انهيار سوق العقارات التي من شأنها أن تضر قطاعها المصرفي وتضرب نموها الاقتصادي، حسبما حذّر جيم شانوز مدير صندوق الاحتياط (الجاردين). تقول تانغ رئيسة مكتب إحصاءات الصين: «الصين لديها عدد كبير من السكان، ومؤسسة اقتصادية ضعيفة وموارد قليلة نسبياً ونسبة فقر كبيرة، ولا يزال هذا وضعنا الأساسي .. لذا، ففي حين أننا نأخذ الاعتبار لتوسيع حجم الاقتصاد .. ينبغي علينا أيضاً الفهم الواعي بأنّ الصين لا تزال دولة نامية.»

على المستوى الإنساني، سمحت نهضة الصين الحالية لمئات الملايين من الناس بالخروج من الفقر، ولكنها في نفس الوقت أنتجت تناقضات صارخة. فثمة فجوة هائلة بين النخبة وأغلبية من الفقراء بحيث أن الصين لديها العشرات من أصحاب المليارات، بينما متوسط الدخل لبقية الشعب هي من أدنى المستويات في العالم، حيث ترتيبها يتأخر إلى المرتبة 127 في العالم، بمعدل نصيب الفرد السنوي حوالي 3600 دولار مقارنة مع 38 و42 ألفاً لليابان وأمريكا على التوالي (جو ماكدونالد). كما أنّ سجل الصين في حقوق الإنسان متواضع جداً بالمقارنة مع الدول المنافسة الأخرى، وتلك سيكون لها تأثير على المدى البعيد، فالمسألة ليست اقتصادية فقط، فبلوغ الصين لهذه القوة يعني تغيير التوازن العالمي للقوة السياسية والعسكرية، فضلاً عن تغيير المجتمع الصيني من الداخل.

مهما يكن فالصين الآن «دينمو» الاقتصاد العالمي، وهي أكبر حامل للتراث الماركسي، والماركسية أكبر خصم للنظام الرأسمالي، فلو تخيلنا أن ماركس نفسه يعاين هذه المفارقة، فماذا سيقول؟ لعله لن يزيد على ما قاله إبان حياته: «أياً كنتُ، أنا قطعاً لست ماركسياً!!»



alhebib@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد