Al Jazirah NewsPaper Monday  23/08/2010 G Issue 13843
الأثنين 13 رمضان 1431   العدد  13843
 

ورحل غازي القلوب
بندر بن عثمان الصالح

 

من منغصات الحياة سماع الأخبار غير السارة وهذا أمر حتمي الوقوع، لا فرار منه ولا فكاك، وفي ظرف تطلّب وجودي خارج المملكة بصحبة العائلة، هزّ كياني وكدّر خاطري خبر رحيل الرجل البحر معالي الوزير السفير الأديب الشاعر الروائي الأمين المفكر الإنسان الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله)، للوهلة الأولى لم أصدق ما سمعت، ورفعت الصوت: لم يرحل أبو يارا، وكيف أصدق أنه رحل وأنا أراه في كل زاوية من زوايا الوطن، لكن الحقيقة تقول إنه رحل، نعم رحل غازي القلوب عن دنيانا الفانية كما رحل عنها الأولون، ومهما امتدت أيامها فهي زائلة لا محالة، وأيامنا فيها معدودة، وزمننا فيها قصير مهما طال، وكل من فيها سيفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، مات رسول الله عليه السلام خير البشر ومات الأنبياء قبله، صفوة الخلق، ولنا فيهم عزاء يخفِّف مُصابنا في فقيد الوطن، ومما يهوّن مُصابنا في أبي سهيل أننا فقدناه جسداً وبقيت ذكراه الجميلة خالدة في نفوس الأوفياء من الناس لأفعاله الكريمة وسجاياه الطيبة وأقواله الحسنة، وسيظل غازي القصيبي شخصية مبهرة، رائد في كل أمر يخوض غماره، رائد في الأدب ورائد في الشعر ورائد في السياسة ورائد في الاقتصاد ورائد في التنمية ورائد في الإدارة، ورائد في العلاقات الاجتماعية، ورائد في التربية، فكان محل ثقة ولاة الأمر حفظهم الله، وكان عند حسن الظن، فكان نزيهاً نظيف اليد والقلب بشهادة خصومه قبل محبيه، ومهما اختلفت معه في وجهات النظر إلا أنك تحترم وجهة نظره وتقدرها، وكان الدكتور ممن يضرب بهم المثل في الوفاء للأصدقاء.

من المواقف التي لا يمكن أن أنساها للدكتور غازي اتصاله الدائم علي ليسأل عن صحة والدي المربي عثمان الصالح إبان مرضه، حيث إن علاقته بوالدي امتدت أكثر من خمسين عاماً منذ أن كان الدكتور غازي في ريعان شبابه مع والده الشيخ عبد الرحمن القصيبي، وهو أحد وجهاء الأحساء وأعيانها، وكانت بين الدكتور غازي ووالدي مكاتبات ومراسلات وإخوانيات كثيرة، تحمل عشرات الرسائل المتنوعة في الفكر والأدب والشعر وقضايا اقتصادية واجتماعية وتربوية ووطنية ستنشر في حينها بإذن الله تعالى، وبعد وفاة والدي رحمه الله.. هاتفني حيث كان خارج المملكة وقتها ووجَّه كلمات خصَّني بها، أشعرتني أن المُصاب مُصابه أيضاً، فكان لكلماته الأبوية الحانية بالغ الأثر في تخفيف الألم والحرقة والحزن، والتي سيطرت علي بعد رحيل والدي، رحمهما الله جميعاً.

ومما هيج الفؤاد بيت للدكتور غازي، فطالما رثى أبو سهيل أصحابه وأصدقاءه ثم أطلق هذا البيت لمن بقي بعده من الأوفياء حيث يقول:

أيها القوم نحن متنا فهيا

نستمع ما يقول فينا الرثاء

نعم أبا سهيل سيرثيك وطن عشت فيه وعاش فيك، نعم أبا سهيل سيبكيك وطن سكنت قلبه وسكن قلبك، سترثيك جموع الأوفياء المحبين وما أكثرهم في وطن العز والوفاء، ولعلي أختم بثلاثة أبيات من شعر أبي سهيل لأرثي بها أبا سهيل:

يا عالم الغيب! ذنبي أنتَ تعرفه

وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري

وأنت أدرى بإيمان مننتَ به

علي.. ما خدشته كل أوزاري

أحببت لقياك.. حسن الظن يشفع لي

أيُرتجى العفو إلا عند غفاَّر؟

أسأل الله بمنِّه وكرمه وجوده ومغفرته أن يتغمد الفقيد برحمته. كما أقدم العزاء لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني ولأسرة الفقيد وللوطن الغالي في رحيل أحد هامات هذا الوطن الكبير، طبت حياً وميتاً يا أبا سهيل.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد