Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/08/2010 G Issue 13844
الثلاثاء 14 رمضان 1431   العدد  13844
 
غازي القصيبي رجل المواهب المتعددة
عبدالمحسن فهد المارك

 

إنها إرادة الله عز وجل أن يرحل عن هذه الدنيا الدكتور غازي القصيبي رحمه الله بعد معاناة وصراع طويل مع مرض مفاجئ بعد أن كان في قمة عطائه وسارعت القيادة السعودية أعزها الله منذ بداية علته كشأنها مع سائر مواطنيها المخلصين

فقدمت له كل أسباب العلاج والرعاية كما أن معنويات معاليه كانت عالية جداً بسبب إيمانه العميق بالله وتسليمه نفسه

لقضاء الله تعالى وقدره الأمر الذي ساعد على مقاومة الداء إضافة إلى دعاء وابتهال الكثير من محبيه في العالم العربي والإسلامي إلا إنه لا راد لقضاء الله وقدره، ويأتي رحيله في شهر رمضان المبارك دليل أن الله عز وجل يحبه واختاره ليكون إلى جواره في هذا الشهر الفضيل.

ولم يتوقف الراحل عن عطاءاته الدينية والوطنية والإنسانية حتى في أصعب مراحل مرضه فقد كان طاقة متحركة تفيض إنتاجا وفيراً ومحبة. وتعود معرفتي مع معاليه عندما قدم إلى أمريكا بعد تعيينه وزيراً للصناعة والكهرباء فالتقيت معه مع مجموعة من الطلبة السعوديين في جامعة جنوب كاليفورنيا التي درس فيها حيث اقترح على الجامعة آنذاك تأسيس كرسي الملك فيصل للدراسات الإسلامية فكان متواضعاً مع الجميع بكل لطافة وظرف. ثم التقيته ثانية في مكتبه في وزارة الصحة فلم أجد على مكتبه أي معاملات أو ملفات مكدسة ولاحظ بفطنته استغرابي وقال: إنه حريص على اللامركزية الإدارية وأن قمة نجاح أي مسئول تكمن في سرعة إنجاز المعاملات الإدارية وتوزيع العمل للقضاء على البيروقراطية والروتين فكان هذا شأنه في كل عمل أوكل إليه وزيراً أو سفيراً فأعطى رحمه الله كل صحته ووقته بإخلاص ونزاهة فبدع في كل منصب حتى ولو كان جديداً عليه فتجده بعد فترة وجيزة خبيراً فيه مبتكراً أفكار جديدة خلاقة متطورة تحلق بهذا المركز بآفاق عالية وقد اكتشفت القيادة الرشيدة هذه الموهبة الوطنية المخلصة فأعطته الثقة الغالية مسندة إليه مناصب كبيرة في مرحلة مبكرة من عمره.

ومن جانب آخر بالإضافة إلى عمله كان يواكب الأحداث السياسية التي تقع في وطنه وعالمه العربي يعبر عنها بكل شفافية وإخلاص وتحليل منطقي عميق متصدياً لكل من يحاول أن يتطاول على وطنه وأمته فبرزت هذه الموهبة الإعلامية على الساحة العربية إضافة إلى مواهبه الشعرية والروائية الراقية المعاصرة.

وكان رحمه الله من خير من ساعدني قبل وبعد مباشرتي عملي في مملكة البحرين الشقيقة سخياً بمعلوماته الزخمة الثرية عن البحرين التي أحبها كما أحب وطنه وعن العلاقات التاريخية بين العائلتين الملكيتين الكريمتين آل سعود وآل خليفة والبلدين والشعبين الشقيقين حيث إنهما من أكثر الدول العربية التصاقاً وتقارباً مسدياً اقتراحات ونصائح قيمة مفيدة لي وكنت أذكر له بأنك أنت السفير الدائم للمملكة في البحرين وكان ذلك أمراً صحيحاً حيث استمرت صلاته على مستوى القيادتين بعد أن ترك منصبه سفيراً في البحرين حريصاً على توثيق وتعزيز العلاقات بين البلدين.

وكم كان فرحه شديداً في الزيارة الرسمية التاريخية الناجحة لخادم الحرمين الشريفين مؤخراً إلى البحرين حيث ذكر لي رحمه الله في لقائي معه في منزله بالمنامة بعد عودته من العلاج بأن هذه الزيارة مهمة جدا في العلاقات بين البلدين على المستوى الإقليمي والعربي ومع إني كنت حريصاً في ذلك اللقاء أن يكون قصيراً وسريعاً إلا أنه رحمه الله كان يطلب مني الجلوس يسألني عن الزيارة وآثارها وعن وضع السفارة والمواطنين السعوديين مستمراً بتواضعه وأدبه رافضاَ مناداته بلقبه الرسمي وأن أخاطبه بأبي سهيل.

كما أهداني كتاب (المؤمن الصادق) لمؤلف أمريكي قام بترجمته إلى اللغة العربية واعداً بإهدائي كتبه التي في فترة علاجه فازداد إعجابي وإكباري لهذا الرجل وتذكرت بعد مغادرتي منزله قول الشاعر:

إذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

وتبين أهمية مكانه هذا الرجل الكبير التعازي نوعاً وكماً التي تلقاها ذوو الفقيد من كبار القيادة السعودية والبحرينية هاتفياً أو شخصياً ومن كبار الشخصيات السعودية والبحرينية في القطاع الحكومي والخاص والإعلامي وكذلك من العالم العربي لتعطي الدليل على مكانة الراحل في العالم العربي.

ما حياة الإنسان في هذه الدنيا إلا سنوات محدودة فمن قضاها في العمل الصالح كفقيدنا كسب خير الدارين لذلك لن تكون هذه العبارات مني ومن الإخوة الكرام الراثين كفاية في حق الراحل الكبير إنما العزاء في معاليه يكون أنه استطاع خلال مراحل حياته أن يؤدي عمله بكل إخلاص وتفان ونزاهة في سبيل خدمة دينه وملكه ووطنه مقدماً أعمالا وطنية وإنسانية رائعة لوطنه وأمته يفتخر بها أهله وذووه ومواطنوه من بعده.

أسأل الله عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة البحرين


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد