Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/08/2010 G Issue 13849
الأحد 19 رمضان 1431   العدد  13849
 

وداعاً.. ابن الأحساء!
خالد العياف القحطاني

 

عجز قلمي أن يرثيك وهربت الكلمات مني عندما هممت أن أنعيك، فأي كلمة تلك التي توفيك قدرك وأيها تصف خلقك وطيبة نفسك.. فكم من عين ذرفت الدمع حزنا على رحيلك وكم من نفس اغتمت لفراقك.. فالأحساء كلها تبكيك والمملكة بأسرها تنعيك... بكاك الصغير والكبير وما التقوك فكيف لو عرفوك؟ فما بالي أنا وقد التقيت الدكتور غازي القصيبي وعرفته عن قرب.. عرفته وديع النفس، راجح العقل، بشوش الوجه، جم الأدب، سامي الأخلاق، حاضر البديهة.. عندما تجلس معه تشعر بدفء قلبه.. تناقشه فتشعر بتوقد عقله.. تستمع إليه فيقنعك منطقه ويجذبك أسلوبه.. هذا ما لمسته بنفسي ووعيته بعقلي وأدركته بإحساسي عندما شرفت بلقائه عدة مرات، فمع كل لقاء كان يترسخ في ذهني أني أمام رجل بمعنى الكلمة لا تغيره السنوات مهما مرت عليه، فمعادن الرجال لا تتغير وشيم الكرام لا تتبدل.

كان لقائي به منذ عدة سنوات وبالتحديد عام 2001 حينما كان الدكتور غازي سفيرا للمملكة في بريطانيا، ولحسن حظي أني كنت في دورة تدريبية بلندن في ذلك الوقت مع مجموعة من الشباب، وبينما كنا نصلي الجمعة في المركز الإسلامي بمنطقة Regent Park في لندن الذي كان يبعد عن مقر إقامتنا عرفنا من بعض المصلين السعوديين أن هناك مصلى في السفارة السعودية - القريبة من محل سكننا - تقام فيه صلاة الجمعة فتوجهنا لصلاة الجمعة بالسفارة، وهناك التقينا الدكتور غازي القصيبي، وكان هو من دخل علينا المصلى وبادر بالتعرف علينا في أدب جم وتواضع لا يحده حد.. وما إن عرف أننا من الأحساء حتى حدثنا أنها مسقط رأسه ففيها قضى سنوات عمره الأولى، وما لبث أن دعانا إلى مجلس يقيمه كل أسبوع، وبالفعل لبينا دعوته وما كنا نتصور أن هذا المجلس سيسلب ألبابنا بهذا الشكل حتى أني وزميلي بدر الحليبي لم نفوت جلسة واحدة طوال فترة إقامتنا ببريطانيا.. أهديته في إحداها أحد أعداد «مجلة الأحساء» التي تصدر عن غرفة الأحساء المنشور به إحدى قصائده (ام النخيل..إلى أمي الهفوف) التي مطلعها:

أتذكرين صبياً عاد مكتهلاً

مسربلاً بعذاب الكون.. مشتملاً؟

أشعاره هطلت دمعاً.. وكم رقصت

على العيون، بحيرات الهوى، جذلا

هفوف! لو ذقت شيئاً من مواجعه

وسدته الصدر.. أو أسكنته الخصلا

طال الفراق.. وعذري ما أنوء به

يا أم! طفلك مكبول بما حملا

وكان مجلس الدكتور غازي - رحمه الله - بمثابة دورة إضافية أثرت معارفنا بالكثير والكثير، فهو مجلس يمزج بين الفكر والثقافة، الأدب والشعر، السياسة والاجتماع.. فحقا كان الدكتور غازي مدرسة في الإدارة وبحرا في الشعر والأدب والثقافة.. ولم يكن كرم القصيبي حكرا علينا فما من شخص التقاه إلا وجمعه به موقف تعجز ذاكرته عن نسيانه، ففي أي مكان حل به ترك فيه أثراً وفي كل منصب تقلده ترك فيه بصمة، فطوال 11 عاما قضاها سفيرا في لندن كان أحرص ما يكون على التيسير على الطلاب السعوديين ولاسيما في مرحلة الدكتوراه والماجستير لتقديره قيمة الثروة البشرية.. وما هذا إلا نقطة في بحر إنجازاته فعلى مدار رحلة كفاحه التي تجاوزت نصف قرن، وتقلد فيها 4 وزارات وترأس مجلس إدارة عدد من المؤسسات وأسس عددا من الشركات ترك خلفه تاريخا ناصع البياض وذكرى حسنة وسيرة طيبة، فقد كان الفقيد رجل مواقف وصانع أحداث خدم دينه ومليكه ووطنه بكل إخلاص وتفان.. وتاريخه خير شاهد على ذلك، فكان - رحمه الله - أول وزير عمل يترجل عن منصبه ويتحول إلى نادل في أحد مطاعم جدة، لمحاربة النظرة الاجتماعية السلبية تجاه بعض المهن لتشجيع الشباب لارتياد العمل في قطاع الضيافة، وكثيرا ما قام بجولات تفتيشية مفاجئة على كل المستشفيات حينما كان وزيرا للصحة، وحينما انقطعت الكهرباء عن أحد أحياء الرياض إبان عمله وزيرا للكهرباء والصناعة ذهب بنفسه إلى مقر الشركة وتلقى الشكاوى الهاتفية من المواطنين مع موظفي السنترال، وكما كان - رحمه الله - إداريا مخضرما كان شاعرا مرهف الحس أثرى البشرية بثروة أدبية وثقافية تقدر بعشرات المؤلفات في الشعر والنقد والنثر ستظل مخلدة لذكراه ولبلده الأحساء. وختاما لا نملك سوى أن نرفع أكف الضراعة سائلين الله أن يلهمنا وأهلك الصبر والسلوان وأن يتغمدك الله بواسع رحمته وأن يدخلك فسيح جناته.

رئيس الإعلام والنشر - غرفة الأحساء -

إعلامي سعودي

KNQ606@HOTMAIL.COM

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد