Al Jazirah NewsPaper Monday  30/08/2010 G Issue 13850
الأثنين 20 رمضان 1431   العدد  13850
 
إلى الأمام
أسراب الجراد في كل مكان
د. جاسر عبد الله الحربش

 

حكاية من يوميات عيادة طبية.. حضر إلى عيادة طبية عامل أجنبي وطلب من الاستشاري أن يجري له كل الفحوصات اللازمة لتشخيص مرضه هكذا:

«شوف دكتور أنتا فيه صديق سعودي قول أنتا دكتور كويس. أنا فلوس مافيه مشكلة، سوي كل شي، منزار (منظار)، تلفزيون (أشعة)، تصوير، ليزر.. كله يقدر أنتا يسوي علشان أشوف أنا إيش فيه مرز (مرض)».

أصبح هذا العامل الوافد لا يهمه ولا يعسره أن يدفع آلاف الريالات للفحص الطبي وهو الذي هبط على هذه البلاد يوماً ما هارباً من الفقر والبطالة والجوع. تحدث الطبيب معه فإذا به يعمل في بقالة كبيرة أصبح يملكها بعد أن اتفق مع كفيله السعودي على التنازل له عنها مقابل مبلغ مالي يدفعه له شهرياً. السؤال هو يا تُرَى هل يبيع هذا الوافد المليان مجرد بقاليات وحلويات ومصاصات أم أشياء أخرى؟. بالمقابل يحضر يومياً إلى كل عيادة خاصة مئات من المرضى السعوديين يطلب أغلبهم من الطبيب أن يترفق ويتلطف في المصاريف لأن الأمور على قد الحال، ولكن ما يضطرهم إلى طلب العلاج في القطاع الخاص هو طول المواعيد وتعذر الوصول إلى الاستشاري قبل فوات الأوان.

بعد هذا الاستهلال أقول، لقد حطت أسراب الجراد على زروعنا فغطت آفاق المستقبل في وجوه الشباب. ملايين البشر من الأميين والجهلة وعديمي التأهيل وذوي السوابق هبطت من جميع أصقاع الأرض علينا وأعملت أظافرها وقواطعها في أرزاق الناس. لم تدع العمالة الوافدة والمتسللة بقالةً أو حانوتا ً أو مشغلا ً أو مركز تسوق أو محطة وقود أو مستوصفا ً أو صيدلية أو مبسط خضار أو ورشةً أو مصنعاً إلا واحتلته وأعملت خراطيمها فيه مضغاً وشفطاً لكي ترسل بمحاصيلها من الأموال عاجلاً ومن الخبرات العملية المكتسبة هنا إلى بلدانها الأصلية لاحقاً. حتى الدوائر الحكومية مثل البلديات والجوازات والوزارات تسللوا إليها كمراسلين وفراشين ينقلون المعاملات والمعلومات الشخصية عن المواطنين من دائرة إلى دائرة ومن غرفة إلى غرفة، ويحضرون التميس والفول والشاي لحضرات الموظفين ويبتاعون لهم أحياناً لوازم البيت (المقاضي) من البقالات المجاورة قبل نهاية الدوام والانصراف.

لا أدري بعد هذا كله كيف يتعجب المسؤولون في إدارات مكافحة الغش والتزوير عن كيفية حصول المزورين والغشاشين على النسخ الأصلية من الأختام والوثائق الرسمية وصور المواطنين وأوراق المراسلات الحكومية. وصلت الأمور أحياناً إلى أن بعض الإداريين والموظفين أصبح لا يعلم أن الأختام الرسمية التي في أدراجهم ليست هي الأصلية لأن العمالة الأجنبية في دائرته سرقت الأصول وتركت له المزيفات. لاحقاً يتم تعبئة الأوراق المسروقة وختمها بالأختام المزورة أو الأصلية وبيعها في السوق السوداء حسب الطلب. وخير شاهد على ذلك هو الأعداد الكبيرة من الإقامات والأختام المزورة التي يضبطها المرور مع العمالة الوافدة بالصدفة المحضة أو رجال التحريات الجنائية في حملاتهم اليومية على أوكار التزوير. هؤلاء الهابطون علينا من السماء مثل الجراد والمتسللون عبر الحدود مثل النمل يقبلون عقود عمل براتب زهيد يضمن لهم كفالة مواطن سعودي كسيح العقل والضمير، بل وربما يدفعون هم له الرواتب مقابل العيش في ظل كفالته اللعينة. مقابل ذلك ينتشرون في الأسواق العامة فيستولون على فرص العمل وتدخل النقود إلى جيوبهم أولاً ثم ينتقل الباقي منها إلى جيب المواطن الكفيل. الأسوأ من ذلك هو أن المصدر الأساسي لأموال العمالة الوافدة يأتي من المتاجرة في أسواق الظل بالقوادة وتهريب الخادمات وبيع المخدرات والأفلام الإباحية والمنشطات الجنسية والتزوير واحتكار الأسواق وتكوين المافيات والعصابات التي تهدد وتضرب وربما تقتل من يتجرأ على الدخول في مناطق السيطرة والتحكم التابعة لها. بهذه الطرق والوسائل يسهل التنازل عن راتب شهري تافه لكفيل سعودي تافه مثل راتبه (وهو عادة ما بين 300 إلى 500 ريال) للحصول على الألوف وعشرات الألوف في أسواق العالم السفلي الإجرامي.

يقولون بعد ذلك كله أن الشاب السعودي كسول ومدلل ولا يستطيع المنافسة والصمود في سوق العمل. أعتقد أن هذه كذبة كبرى اتفق عليها أرباب العمل في القطاع الخاص والموظفون المسؤولون عن توفير فرص العمل للشباب في الدولة. يا للعجب ترى كيف اتفق الطرفان رغم تناقض أهدافهما تجاه تشغيل ابن الوطن ومكافحة البطالة من الناحية الوطنية والحصول على عمالة وافدة رخيصة من الناحية التجارية الربحية؟. هذا موضوع يحتاج إلى نقاش آخر في زاوية قادمة مع نداء ورجاء عاجلين إلى حكومتنا العزيزة أن تبحث في أعماق هذه المشكلة غير المعقولة وتعالجها قبل أن تدفع بالشباب إلى الجريمة بسبب البطالة والفراغ.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد