Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/09/2010 G Issue 13852
الاربعاء 22 رمضان 1431   العدد  13852
 
نبض الخاطر
أبو دحيم وكلانا!
محمد المهنا ابا الخيل

 

كنتُ أهم بدخول مجمع الدوائر الشرعية ببريده، وأمام جهاز الأمن حيث كنت أفرغ جيوبي مما هو معدني، تقدم لي شاب تعلوه ابتسامة وهو يسألني ما إذا كنت من يظن، فقلت نعم، فعَرَّفني بنفسه «أنا سليمان ولد أبو دحيم السواق»، في لمحة ذكرى عادت بي الذاكرة (25) سنة، حيث كان أبو دحيم يعمل معي في الشركة سائقاً لإدارتي، وكان رجلاً من الصعب نسيانه، فقد كان مثالاً للموظف المتميز، فعلى الرغم من كون مقر العمل في المشروع يبعد عن بريدة (45) كم، كان أبو دحيم يباشر العمل قبل الدوام بساعة، وكان لا يترك الدوام إلا بعد أن تنتهي مهامه، لم يكن حريصاً على إضافي خارج الدوام بقدر ما كان حريصاً أن يرضي الجميع، كان لطيف المعشر, كثير الابتسام يحلو له إطلاق النكت التي كثيراً ما يكون هو محورها، وحتى عندما يشتكي من حاله يسردها بطرافة فتبدو كتسلية أكثر منها معاناة، ومع أنه لا يتحدث غير العربية إلا أن له صداقات وشهرة بين الموظفين الأجانب، نعم كان الأجدر بي أن لا أنسى ذكر ذلك الرجل.

جلستُ وسليمان على كراسي الانتظار في إحدى القاعات أسأله عن والده، لم يشأ الابن أن يشتكي لي عن حاله، ولكنه لم يستطع أن يخفي مشاعر الألم والحزن فقال «الوالد تعبان يا بو عبدالله، تعبان! ومتعبنا معه»، قلت كيف ذلك؟ فأردف في عام 1416هـ: أصيب بمرض السكر، وكما تعرف الوالد يكره العجز، فأنكر المرض ولم يعلم بذلك أحد، وأصبح يفقد وزنه بصورة واضحة، وينام أكثر من العادة وعندما يفيق يكون منهكاً، وعندما أصررت أنا وإخوتي على أخذه للطبيب ثار علينا وصاح وهو يقول، (يبي يقول لكم هالتبن عنده سكر)، عندها علمنا أن لديه السكر، وأن معدل السكر في دمه عال جداً مما استدعى تنويمه في المستشفى لأيام، بعد ذلك أصبح يتقبل المرض ويراجع الطبيب وعندما تتحسن حاله، يفرط في إهمال حميته فيعمد لأكل التمر وشرب الشاي المحلى فتنتكس حاله، كان يدخل المستشفى في معدل ثلاث مرات في السنة، هذه الحال جعلته شخصاً عصبياً، قليل الكلام، كثير السخط على نفسه، وقبل (5) سنوات تردت حالته كثيراً، وتغير لونه فتبين أن كلاه لا تعمل وأنها في حالة فشل تام، فبقي في المستشفى أياماً، وبعد أن خرج كانت نفسيته في أسواء حال، وبات يتردد على المستشفى لعمل غسل الدم، وهو على هذه الحال منذ ذلك الحين، وكثيراً ما يحدث بينه وبين موظفي المستشفى شجار، خصوصاً عندما يحدد موعده في ساعة متأخرة من الليل، وإذا حادثه أحد عن أهمية ضبط حميته للسكر وتقليل شرب السوائل، يرد بسخرية (لماذا لا ترمونني بالزباله أحسن لي ولكم!)، أرجو أن لا تفهمني خطأ يا أبا عبدالله، الحمد لله نحن بخير ولسنا مقصرين معه، ولكن مزاجه ونفسيته السيئة أصبحت مصدر كآبة في البيت، حتى أولادنا الصغار، باتوا يتحاشون الاقتراب منه أو الحديث معه، حتى أصبح وحيداً بيننا.

حديث سليمان أدمي قلبي ورغبت في زيارة أبا دحيم، ولكن سليمان، أصر أن لا أزور والده بقوله يا أبا عبدالله، الوالد يتضايق جداً عندما يُرى على حاله، خصوصاً ممن عهدهم أيام شبابه وصحته، فأرجوك أن لا تفعل، ويؤلمني أن أقول ذلك، فما أعز عليَّ من أن تدخل بيتي وفي ضيافتي، ولكن مثلك يعذر. تركتُ سليمان، وحال أبو دحيم تشغل بالي، فكيف تغير الرجل من شخص يجتمع حوله الناس لاكتساب السعادة لرجل يتجنبه أبناؤه من سخطه، ولا شك أنه يعلم أن كثيرين غيره مصابون بداء السكر، وتأقلموا مع ذلك، فما بال هذا الرجل على نحو مختلف!

في مطلع هذا الأسبوع، وبدعوة كريمة من سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، اجتمع حشد من كتاب الصحف في منزله العامر، وكان محور الأحاديث، هو دور جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية الفشل الكلوي (كلانا)، هذه الجمعية التي تهتم بالوقاية وعلاج الفشل الكلوي، وتواجه تحدياً كبيراً يتمثل في تزايد أعبائها بتزايد عدد من ترعى علاجهم من المصابين بالفشل الكلوي، ومحدودية مواردها، فهي تعالج حالياً ما يزيد عن (700) حالة تكلفها ما يزيد عن (80 ) مليون ريال سنوياً، ويجتهد العاملون بالجمعية على خفض تكاليف العلاج ضمن معايير مقبولة طبياً، في سبيل زيادة خدمتها لحالات جديدة، ومع ذلك تعاني «كلانا» من قلة مواردها، فعلى الرغم من التبرعات الكريمة والهبات والصدقات والزكوات التي أفتى بجواز دفعها لها سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، إلا أن ذلك ما زال يقصر عن توفير الدعم اللازم لتقوم بدورها على الوجه الأفضل، لذلك قامت الجمعية بإطلاق حملة (كل رسالة تفرق) حيث يستطيع كل من لديه هاتف جوال وبرسالة قصيرة صيغتها (1) للرقم الموحد لجميع مشغلي الهاتف الجوال 5060 منح كلانا دعماً أضافياً بمبلغ بسيط، لعلها بما يتراكم من هذا الدعم اليسير تواجه الأعباء، وتستعد لتحمل مسؤوليات جديدة تجعلها ذخراً لنا جميعاً، فكلنا بحاجة لتأمين من يرعانا عندما نحتاج. ومبلغ (12) ريالاً ضمن فاتورة الهاتف شهرياً تأمين زهيد لعمل جبار.

وأنا في طريق عودتي من تلك الدعوة الكريمة تذكرت (ابا دحيم)، وكيف تستطيع كلانا مساعدته، خصوصاً بعد أن ذكر لي المهندس طارق القصبي، وهو أحد نشطاء الجمعية، أن الجمعية تقوم بدراسة الحالات التي تقدم لها، وتولي الجانب النفسي أهمية كبرى، فتوفر لذلك متخصصين في علاج الاكتئاب الذي يطرأ على مرضى الفشل الكلوي، وهذا العلاج النفسي لازم للعلاج البدني، فأحد أدوار «كلانا» هو تقوية الإيمان بقبول الإبتلاء لدى المريض ولدى ذويه والاحتساب لدى الله في ذلك، وأن هذا القبول هو من أهم معطيات العلاج السليم والتعايش مع ذلك القصور البدني.

وفق الله «كلانا» ووفق القائمين عليها، الذين يبذلون من مالهم وجهدهم ومشاعرهم وجاههم في سبيل رفع العناء عن من لا يعرفون كأشخاص، ولكن يقدرون كمواطن وكإنسان. لم يقعدهم عن ذلك القول هذا شأن الدولة ووزارة الصحة (فمقالهم بذلك) المواطن سند للدولة في عملها، خيره وخيرها في سبيل توفير حياة كريمة لكل المواطنين.. بارك الله فيهم وبارك فيمن يساندهم.



mindsbeat@mail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد