Al Jazirah NewsPaper Monday  06/09/2010 G Issue 13857
الأثنين 27 رمضان 1431   العدد  13857
 

بين الكلمات
أزمة القرار وكتّاب الرأي
عبد العزيز السماري

 

يُعدُّ إصدار القرار النقلة الأهم في قضايا المصالح، إذ عادة ما يستفيد جانب، وقد يخسر آخر، لكنه مع ذلك أصبح صدى إصدار القرار الشاغل الأهم في حراك صفحات الرأي في الصحافة المحلية، إذ من السهل جدًا أن يصدر الإداري المسئول قرارًا أحاديًا، ثم يطلقه في الهواء على طريقة أبو الطيب المتنبي عندما وصف طبيعته من ردود فعل الناس على أفكاره في بيت شعره المشهور:

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم

وقد يبدو الأمر مقبولاً جدًا في الشعر والفكر والعلم، فالأفكار تُعدُّ نسبيًا حرة بعد أن يطلقها مبدعها، ويحق للآخرين تناولها والاختلاف معها..

لكن من الصعب التعامل مع القرار العام كالفكرة أو المعلومة أو الخبر، فالقرار ليس إبداعًا أو إلهامًا فكريًا أو خبرًا عابرًا، وقد يكون نقطة تحول في مصالح الناس، لذلك لا بد أن يخضع للمعايير الحديثة وآليات التطور الإدارية، وإذا تم اختزال إصداره في غرف بيروقراطية مغلقه، فسيؤدي ذلك إلى اختصار مصالحه لصاحب القرار أو من شارك في إعداده في غرف البيروقراطية، وعلى النقيض قد يكون قرارًا مثاليًا يقدم مصالح الناس على النخبة..

لذلك أعتقد أن مركزية القرار وعدم اكتراثه بالرأي العام سبب لكثير من الزوابع الصحفية في صفحات الرأي، التي عادة ما يتم إصداره بدون تحرٍ للرأي العام، ولعل آخر العواصف كان ذلك النقد الموجه ضد هيئة الاستثمار من قبل بعض كُتّاب الرأي، التي يتهم فيها بعضهم الهيئة مباشرة بإصدار قرار مجحف لحقوق المواطنين، والقرار يسمح للأجانب في حق الاستثمار المحلي.

لا أحد فوق النقد.. هكذا يحاول بعض كُتّاب الرأي تبرير هجومهم القاسي على الهيئة، والنقد الحالي قد يكون صحيحًا في ظاهره، لكن الإشكالية في مركزية القرار، فالقرار تم إقراره من قبل رئيس الهيئة من خلال القنوات البيروقراطية التي تعمل من أجل المصلحة العامة، ولم يتم اعتماده من خلال مجلس الشورى أو عبر هيئة تمثل مصالح المواطنين، لذلك أجد أن العواصف والزوابع الصحفية لن تغير من الأمر شيئًا، ولو نجحت لفُتح الباب على مصراعيه من أجل زوابع أخرى، وهكذا..

أحدثت عدد من القرارات السابقة ردود فعل مماثلة من كُتّاب الرأي، وكانت مادة دسمة لأقلام الزوايا الصحفية، وقد استجاب صاحب الأمر في بعضها، لكن في الغالبية يستمر الحال كما هو عليه، لكن يظل السؤال يطرح عن نفسه عن جدوى مثل هذه العلاقة بين القرار والنقد المضاد، والسبب أن بعض كُتّاب الرأي يعتقد أنه يمثل الرأي العام، وذلك ليس صحيحًا بصورة مطلقة..

أعتقد أن المرحلة الحالية تستدعي دراسة كيفية تأهيل إصدار القرارات، فعلى سبيل المثال أن يتم وضع إستراتيجية لإصدار القرارات التي تمثل مصالح العامة، بدلاً من إصدار القرار بصورة مفاجئة، ثم نكتشف بعد سنوات أنه ضد المصلحة الوطنية، ولأنه لا توجد آلية لإلغائه من خلال أنظمة إدارية مقننة، لتحدث مثل تلك العواصف التي تمتزج فيها دوافع الشخصنة والمصلحة الوطنية، وغالبًا ما يأتي الحال الوسط بمنع النقد أو أحكامه بالرقابة المشددة، وبالتالي تذوب القضية بعد خراب مصالح المواطنين..

اعترف أحيانًا أن حروفي قد تتجاوز قليلاً بعض حدود مقص الرقيب، لكني أؤمن أن هذا الوطن يستحق أن يكون شامخًا فوق القمم، ولكي يحدث ذلك لا بد من تفعيل النوايا الطيبة إلى أفعال تخدم حاضره ومستقبله، لذلك لا بد من دراسة كيفية حماية القرار من عبث كُتّاب الرأي وتهجمهم الشخصي أحيانًا، أو حتى من نقدهم البناء في أحيان أخرى، والحل يكمن في كيفية تشريع القرار وتصديقه محليًا من أجل أن يكون مستقلاً.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد