المكرَّم رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد المالك
نشرت جريدة الجزيرة يوم الثلاثاء 15-8-1431هـ عدد 13816 مقالاً للأستاذ محمد آل الشيخ بعنوان (كسب الحجامة خبيث أيتها الطبيبة)، وذكر فيه: يقولون: كانت طبيبة مخ وأعصاب وتحمل درجة عالية في تخصصها ومع ذلك وجدت أنه لا يطعم عيشاً حسب طموحها مثل أن تتحول إلى مهنة (الحجامة) وتتاجر بما يسمى لدى البعض (بالطب النبوي).
وقال: كان يجب أن تسمى مثل هذه الممارسات الموروثة (طب العصر النبوي) وليس بالطب النبوي. وقال: هناك خلاف فقهي في أجرة الحجامة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول (كسب الحجامة خبيث). وقال: وهي كما يقولون امرأة ملتزمة، هذا إضافة إلى أن الفريق الذي رأى فيها الإباحة أقر بأنها مهن (دنيئة). وقال: وأنا هنا لا أعترض على صحة الأحاديث التي تحدثت عن العلاج بالحجامة، لكنها تعبر عن الطب في عصره صلى الله عليه وسلم، وهو لم يُبعث (طبيباً). وأخيراً قال: كل ما أريده لسيدتنا الطبيبة التي هجرت مهنتها وعادت إلى الطب الشعبي أن تعود إلى مهنتها وإلى طب التجربة والبرهان والعلم الثابت.
وأقول:
أولاً: يحتمل أن الطبيبة المذكورة تخلت عن مهنتها وتخصصها بطب المخ والأعصاب، خاصة كما ذكر أنها امرأة ملتزمة، وعرف الالتزام عند البعض بأنه تمسك بما جاء بالكتابة والسنة، مع العلم أنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه التزام، حيث لا يوجد إنسان بالحياة لم يخطئ أو لم يقصر، وأول من أخطأ من البشر هو أبونا آدم وزوجته أمنا حواء عليهما السلام، عندما نهاهما الله تعالى عن الشجرة وأغواهما الشيطان، وما زال الشيطان يغوي بعض الناس ويوسوس في صدورهم إلى يوم القيامة، ويمكن أن الطبيبة مصابة بمرض نفسي مفاجئ من قِبل نفس عائن أو عائنة، أو أنها اقتنعت بأن الاختلاط مع الرجال في المستشفيات والمستوصفات يؤدي إلى الخلوة المحرمة وتغلبت أفكارها العاطفية على أفكارها العقلية، وبدأت تجادل نفسها أو بدأ الجدال بين عواطفها وعقلها، وحدث لها تصادم الخيال المتغير مع الحقيقة الثابتة، وانتهى دور عقلها وتفكيره أمام الأمر الواقع، والله أعلم، وقد سبقها غيرها من الشباب والشابات وهم في كليات الطب وغيرها خارج المملكة وداخلها، وبعضهم ندموا على ذلك وضيعوا مستقبلهم؛ لأنهم لم يتبعوا الوسطية في دينهم وحياتهم الاجتماعية، والمبالغة بالغلو أو التفريط في الأشياء نقص ووباء والجهل ابتلاء، والشيطان حريص على الوسوسة والإغواء.
ثانياً: القول في اختلاف الفقهاء في أجرة الحجامة، وقول الرسول الكريم «كسب الحجامة خبيث»، وقول من رأى فيها الإباحة أقرّ بأنها مهنة دنيئة، من حديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وأعطى الحجام أجره، وفي الصحيحين عن حميد الطويل عن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام.
ثالثاً: الحجامة معروفة أنها من الطب الشعبي القديم الطبيعي، وليست موروثة من الرسول عليه الصلاة والسلام، بل عُرفت قبل ميلاد المسيح عليه السلام بنحو ستة آلاف سنة، ولا يجوز تسميتها ب(طب العصر النبوي). والله تعالى أعطى الرسول عليه الصلاة والسلام الحكمة وعلوم الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهو آخرهم وسيدهم وسيد البشر الذي لا ينطق عن الهوى، ومن تلك العلوم «العلوم الطبية» التي اختص بها عليه الصلاة والسلام، وهي علاج (القلوب والأنفس والأبدان) بالعلاجات الروحانية الإلهية وبالأدوية الطبيعية وبالحمية الغذائية وبالتربية الجسدية والعقلية، ومنها ما ذُكر بالقرآن الكريم بالأدعية المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام، وسمي ذلك ب(الطب النبوي).
رابعاً: الحجامة مهنة شريفة، ولها فوائد كثيرة وعظيمة في العلاج والوقاية من بعض الأمراض، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعالج بالحجامة، وأمر بذلك وقال «نعم العبد الحجام يذهب الدم ويجفف الصلب ويجلو عن البصر»، وأثبت الطب الحديث علمياً صحة ما قاله الرسول الكريم عن فوائد الحجامة، وعرفت الحجامة في عهده وبعد عهده أكثر وإلى يومنا هذا، وقد أقر بذلك الدكتور اللبناني ناقولا قيماز، صاحب عيادات (لايف لونج) في بيروت، وهو أخصائي في الطب الطبيعي بالغذاء والأعشاب والطب الصيني وأوديته طبيعية من الأشجار ولحاها وثمارها ومن النباتات العشبية، ومن علاجاته الطبيعية الحجامة والإبر الصينية، ودرس الطب الحديث والطب القديم، ومتخرج من أمريكا، وقال: الحجامة تدعى ب(الطب النبوي) والحجامة العلاج العجيب، وهي فن جراحي طبي بسيط بعلاجه وجليل بشفائه ونفعه، والحجامة تقوم بإعادة الدم إلى نصابه الطبيعي؛ وبالتالي تنشيط الدورة الدموية وإزالة ما زاد من الدم الفاسد الذي عجز الجسم عن التخلص منه من توالف دموية وشوائب وسواها، ويعقب هذه النعمة نعم عميقة على الجسم وعلى صاحبه علاجاً ووقاية. ثم قال: من أهم فوائد الحجامة أنها تمنع تضخم الطحال، ولها أهمية في وظائف الكبد والجملة العصبية وفي الصداع النصفي والكليتين وارتفاع الضغط الوعائي وأمراض القلب ومرض السكري والأنسجة المريضة، كما أن لها أهمية كبيرة في الآلام العضلية والمفصلية، ولها أثر كبير في أمراض الدم وجهاز المناعة والوظيفة الجنسية وبعض حالات العقم. انتهى. ومع ذلك يقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال «كسب الحجامة خبيث»، ويرى البعض إباحة الحجامة، وفي الوقت نفسه يقولون «مهنة دنيئة!! فأين الخطأ والصواب مما ذكره الأخ ابن الشيخ مع احترامنا له ولآرائه؟ وأخيراً نقول كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: «قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب». والله أعلم بما تخفيه الصدور. والسلام.
محمد الصالح العبدالعزيز المبيريك - القصيم – بريدة