Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/09/2010 G Issue 13863
الأحد 03 شوال 1431   العدد  13863
 
فداوني بقتل الدواء!
إيريك تشيفيان؛ آرون بيرنستاين؛ اتشيم ستاينر

 

بوسطن - إن التنوع البيولوجي يشكل عنصراً أساسياً لازماً لأداء الأنظمة البيئية - من الغابات والمياه العذبة إلى الشعاب المرجانية، والتربة، بل وحتى الغلاف الجوي - التي تدعم كل أشكال الحياة على كوكب الأرض. ولا شك أن الاختفاء المتواصل والمتصاعد لهذا التنوع البيئي سوف يلحق الضرر بالمجتمع البشري على أكثر من نحو. ومن بين أشكال الضرر المترتبة على اختفاء التنوع البيئي، والتي كثيراً ما نتجاهلها، ذلك التأثير المدمر الذي لحق بالعلوم الطبية.

لآلاف السنين كان الممارسون لمهنة الطب يسخرون مواد من الطبيعة لتجهيز علاجاتهم وأدويتهم: الأسبرين من الصفصاف، وفي وقت أقرب إلى الحاضر التاكسول تي إم (Taxol) - العقار المضاد للسرطان الذي كان اكتشافه بمثابة فتح جديد في عالم الطب والتداوي - من لحاء أشجار الطقسوس الذي يستوطن منطقة الباسيفيكي. ولعلنا نشهد في المستقبل بعضاً من أعظم الاكتشافات في هذا السياق. ولكن هذا لن يتسنى لنا إلا بالحفاظ على وفرة الطبيعة، حتى يتمكن الجيل الحاضر وأجيال المستقبل من الباحثين من التوصل إلى اكتشافات جديدة تفيد المرضى في كل مكان.

ولنتأمل هنا حالة الدب القطبي المهدد بالانقراض في البرية بسبب تغير المناخ. إن هذه الثدييات تقضي ما قد يصل إلى سبعة أشهر من السنة في السبات الشتوي، وأثناء هذه الفترة تكون غير قادرة على الحركة في الأساس. ومن المعروف أن الإنسان قد يخسر ثلث كتلة عظامه أو أكثر إذا ظل مقيد الحركة لمثل هذه الفترة من الزمن.

ومن المدهش أن الدببة التي تدخل في حالة السبات تكون خلايا عظام جديدة، وذلك بإفراز مادة تمنع تكون الخلايا التي تحلل العظام وتعزز الخلايا التي تنتج العظام والغضاريف. وقد تقودنا دراسة الدببة في حالة السبات في البرية إلى طرق جديدة لمنع الملايين من كسور عظام الورك التي تنتج من هشاشة العظام - وهي الإصابة التي تكلف نحو 18 مليار دولار وتقتل ما يقرب من سبعين ألف شخص سنوياً في الولايات المتحدة وحدها.

وفي حين تستطيع الدببة في حالة السبات أيضاً أن تعيش لمدة سبعة أشهر أو أكثر من دون إخراج فضلاتها البولية، فإن الإنسان يموت إذا تراكمت هذه المواد السامة داخل جسمه لبضعة أيام فقط. والواقع أن الكشف عن الكيفية التي تستطيع بها الدببة أن تنجز هذا العمل الفذ الخارق قد يهب الأمل لما يقدر بنحو مليون ونصف المليون من البشر الذين يتلقون علاج الفشل الكلوي في مختلف أنحاء العالم. والدببة القطبية التي تكدس الدهون حتى تتمكن من البقاء حية طيلة فترة السبات الشتوي وعلى الرغم من ذلك لا تصاب بمرض السكري، من الممكن أن تقدم لنا أيضاً الخيوط التي قد تقودنا إلى علاج النوع الثاني من مرض السكري، وهو المرض المرتبط بالسمنة التي تصيب أكثر من 190 مليون شخص حول العالم، وتصل إلى حد الوباء في العديد من بلدان العالم.

ولكن الدببة في حالة السبات ليست أكثر من بداية لقصتنا هذه. فضفدع الخشب (النوع الوحيد من الضفادع الموجود في منطقة القطب الشمالي) قادر على البقاء على قيد الحياة لفترات طويلة تحت درجات حرارة تقل عن درجة التجمد من دون معاناة أي تلف للخلايا. تُرى هل يحمل هذا الضفدع المفتاح إلى التوصل إلى طريقة أفضل للحفاظ على الأعضاء النادرة المطلوبة لعمليات زرع الأعضاء؟

وقد تقودنا المادة السامة، كتلك التي ينتجها ضفدع بنما السام، إلى إنتاج أدوية تعمل على تعزيز انقباضات القلب - وهو أمر بالغ الأهمية في علاج أمراض القلب. وتنتج الأنواع السبعمئة من الحلزون المخروطي، والتي تعيش عند الحيود المرجانية، ما يصل إلى 140 ألف نوع مختلف من المواد السامة، وقد يكون عدد ضخم من هذه المواد السامة مفيداً كمركبات دوائية. وعلى الرغم من ذلك فلم يتم التحقق إلا من مئة نوع فقط من هذه المواد.

ولقد تبين أن إحدى هذه المواد السامة، المتاحة الآن في هيئة عقار البريالت (Prialt) أكثر قوة بألف مرة من المورفين، ولا تتسبب في الإدمان مثل المستحضرات المستخلصة من الأفيون. وتشير التجارب السريرية في استخدام هذا العقار إلى تخفيف الآلام بشكل ملحوظ عن مرضى السرطان والايدز الذين بلغوا مراحل متقدمة من المرض.

لقد تسبب فقدان التنوع البيولوجي بالفعل في إهدار فرص جديدة واعدة لتقدم الأبحاث الطبية. فهناك نوع من الضفادع الأسترالية يبدأ حياته في معدة الأنثى، حيث قد تهضمه أحماض وأنزيمات المعدة في كل الأنواع الفقارية الأخرى. وكان هذا الضفدع ليقودنا إلى رؤية جديدة فيما يتصل بمنع وعلاج قرح الجهاز الهضمي، ولكن الدراسات توقفت بسبب انقراض سلالتي ذلك النوع من الضفادع.

في عام 2010، وهو عام الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، كان من المفترض أن تعمل الحكومات على تقليص معدل خسارة المنظومة السخية المتنوعة من الحيوانات والنباتات وغيرها من الكائنات الحية في العالم. ولكن هذا لم يحدث، بل لقد تصاعدت سرعة خسارة التنوع البيولوجي، وأصبحنا الآن على مسار سريع يقودنا إلى ما يطلق عليه العلماء «الموجة السادسة من الانقراض».

إن الفرصة التالية لكي تثبت الحكومات التزامها بعكس مسار هذه الخسائر قد تسنح لها في إطار الجمعية العامة الخامسة والستين للأمم المتحدة والتي من المقرر أن تنعقد في نيويورك في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، والتي سيعقبها اجتماع معاهدة التنوع البيولوجي في ناجويا باليابان.

إيريك تشيفيان وآرون بيرنستاين طبيبان وباحثان لدى مركز الصحة والبيئة العالمية التابع لكلية الطب بجامعة هارفارد.




 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد