Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/09/2010 G Issue 13863
الأحد 03 شوال 1431   العدد  13863
 
لكي تبقى أوبك خمسين سنة أخرى
د. سامي بن عبدالعزيز النعيم *

 

بالرغم مما حققته منظمة أوبك ودولها الرئيسة من إنجازات خلال الخمسين سنة الماضية المتمثلة في تأمين استقرار إمدادات النفط واستمرار قيادة البترول لخريطة الطاقة العالمية، أعتقد أن المنظمة سوف تواجه في الخمسين سنة القادمة تحديات كبرى بعيدة المدى سواءً كانت جيوسياسية أو تنافسية أو تقنية قد تعصف بالمنظمة وتفقدها مكانتها الحالية إن لم يتم التعامل معها بجدية وكفاءة عالية من قبل المنظمة ودولها الرئيسة.

ويُعدُّ التحدي الجيوسياسي من أهم هذه التحديات على المدى البعيد وذلك بسبب حقيقة أن العالم بأكمله سوف يعتمد على نفط دول المنظمة بنسبة قد تتعدى 90%، بل ربما 100%.

المعروف أن دول المنظمة تمتلك حاليًا أكثر من 75% من احتياطيات العالم حسب تقديرات 2010م وتكتشف دولها الرئيسة حقول بترول جديدة وتنتج أقل من 40% من الإنتاج العالمي الحالي. ذلك عكس الدول البترولية خارج المنظمة التي تمتلك 25% من احتياطيات العالم وتنتج 60% من الإنتاج العالمي للبترول مما سوف يرفع حصة دول المنظمة إلى أكثر من 90%، بل ربما 100% من الاحتياطيات العالمية في نهاية الخمسين سنة القادمة - إذا ما استمرت كما هو متوقع معدلات الإنتاج الحالية-. ماذا يعني امتلاك دول المنظمة لـ100% من احتياطيات البترول العالمية عام 2060م؟ بل ربما قبل هذا التاريخ بكثير. أترك الجواب على هذا السؤال للخبراء السياسيين.

أما التحدي الآخر التنافسي فيمثله مصادر الطاقة البديلة. تعتمد أهمية هذا التحدي على احتمالية نجاح الجهود البحثية الغربية المستمرة منذ أكثر من 40 سنة لإنتاج مصادر طاقة بديلة للبترول. ما صرفه الغرب في الـ40 سنة الماضية لإيجاد بدائل للبترول يتعدى آلاف بلايين الدولارات أدت إلى ارتفاع حصة مصادر الطاقة البديلة بما فيها الطاقة النووية والشمسية والحيوية والمائية إلى 13% من خريطة الطاقة العالمية مما يمثل نجاحًا متحفظًا جدًا لهذه الجهود واستمرار صدارة مصادر الطاقة الأحفورية (البترول والغاز والفحم الحجري) لخريطة العالم للطاقة. هناك ثلاثة احتمالات تتعلق بهذا التحدي التنافسي: الأول نجاح جهود الغرب لإنتاج مصادر بديلة للبترول منافسة له قد تطيح به. الثاني فشل هذه الجهود في تطوير الطاقة البديلة واستمرار صدارة البترول لمصادر الطاقة العالمية. والثالث نجاح محدود وتدريجي لهذه الجهود (الوضع الحالي).

أما الاحتمال الأول: وإن كان ضعيفًا جدًا يحتم على دول المنظمة وضع وتفعيل إستراتيجيات تضمن امتلاكها لتقنيات مصادر الطاقة البديلة الجديدة. بالرغم من أن هذا الاحتمال ضعيف جدًا، يجب على دول المنظمة التعامل معه فورًا لأنه يتوافق مع السؤال الأزلي الذي لم يستطع الإجابة عليه أحد من الدول الرئيسة المصدرة للبترول وهو ماذا بعد البترول؟ فيجب على دول المنظمة تطوير وامتلاك تقنية الطاقة البديلة خاصةً الطاقة الشمسية والطاقة النووية للاستخدامات المدنية لتصبح مصدرة للطاقة مهما كان مصدرها.

الاحتمال الثاني يحتم على دول المنظمة تفعيل إستراتيجيات بحثية وتطوير تقنيات جديدة لاكتشاف كميات جديدة من البترول واستخلاص نسبة أكبر من كميات البترول المكتشفة وذلك لزيادة اعتماد اقتصاد العالم في المستقبل على بترول دول المنظمة لتلبية زيادة الطلب على الطاقة المتوقعة.

حسب معلوماتي فإن بعض دول المنظمة الرئيسة - بدون ذكر أسماء- بدأت فعلاً بتفعيل بعض الإستراتيجيات المتعلقة بهذا التحدي.

الاحتمال الثالث: وهو الأقرب للواقع بحيث تكون النجاحات المتعلقة بتطوير تقنيات مصادر الطاقة البديلة كافية فقط لتلبية ارتفاع الطلب على الطاقة في 50 سنة قادمة بحيث تكون متممة ومكملة للبترول وليس منافسة له. بالرغم من أن الاحتمال الثالث هو الأقرب للواقع، يجب على دول المنظمة وضع الخطط والإستراتيجيات لكل الاحتمالات وإن كانت ضعيفة. فهل سنرى منظمة أوبك عام 2060م؟

لتكملة هذا الموضوع الإستراتيجي، أود أن أنهي هذا المقال بذكر بعض التحديات قصيرة المدى التي سوف تواجهها المنظمة خلال السنوات الخمس القادمة، التي لا أعتقد أن هناك صعوبة قصوى في التعامل معها من قبل دول المنظمة ومنها ما يلي:

- تأثير البترول على البيئة.

- التزام دول المنظمة بالحصص المقررة أو ما يُسميه البعض صراع الصقور والحمائم.

- وجود تنسيق فعال بين دول المنظمة والدول المنتجة من خارج المنظمة.

- استمرار الضغط على المضاربين في أسواق البترول العالمية لمنع الارتفاعات غير المنطقية للأسعار.

- التعامل الإيجابي للخطط المستقبلية المعلنة من قبل دولة العراق لرفع إنتاجها البترولي إلى 12 مليون برميل في اليوم.

- أخيرًا إمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين الغرب وإيران.

أعتقد أن المنظمة وما وصلت إليه من نضج وخبرة وكفاءة سوف تتعامل مع هذه التحديات بجدية وكفاءة عالية مما سوف يؤدي إلى استمرار استقرار السوق النفطية على المدى القصير والبعيد على حد سواء.

* عضو جمعية مهندسي البترول العالمية وجمعية اقتصاديات الطاقة
www.saudienergy.net


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد