Al Jazirah NewsPaper Monday  13/09/2010 G Issue 13864
الأثنين 04 شوال 1431   العدد  13864
 

الحلم

 

أنا فتاة عمري 21 سنة، وهذه السنوات كلها عذاب قاسية مملة كل شي تقريبا لا وممنوع غير الإهانات، اشعر بالاكتئاب الشديد فأنا كالمحبوسة والمخنوقة في سجن.

المهم أنا أصبحت دائمة التفكير متى أتزوج وممن؟ فعندما أتزوج شابا مناسبا لي فسأرتاح، أتمنى ألا تفلت فرصة الزواج من يدي وطابور العنوسة طويل ودافع الغريزة قوي، وهذه أهم نقطة وأمي لاتستوعب إني أفكر بهذه النقطة المهمة، فدائما تقول لي لشدة ماعانت: الزواج شقاء وعذاب ولا ضير أن تصيري عانسا تخدميني، وتحكي لي قصصا ومشاكل مرعبة, رغم أني بشهادة الجميع جميلة وخلوقة وأدرس وان كانت في نظري دراسة مجبرة عليها لكي لا امكث في المنزل 24ساعة والشخص المناسب قد لا يتقدم أصلا وأدخل في بحور المنسيين ويدفعني للتراجع الخوف من سوء اختيار الرجل الذي أحبه قلبي وقصص المحاكم وغدر الرجال؛ خصوصا من يعمل بالسلك العسكري فهذه الفئة أكرهها جدا ومتعقدة منهم؛ لأن أبي وأزواج خالاتي منهم، وأنا على علم بمشاكلهم وطباع العساكر السيئة لا تخفى علي وأسمعها من زميلاتي بالجامعة، فهذه تبكي من أبيها وتلك تشتكي من زوجها، وأنا أيضا عانيت من أبي الكثير وأشياء لا يصدقها عقل، أحيانا أشعر بالغيرة عندما أرى فتيات أقبح مني شكلا وأخلاقا وبعضهن مشوهات الخلقة ويتزوجن أفضل الناس، لكني أعود وأقول: هذا نصيبهن مهما فيهن من عاهات حاولت أن اشغل نفسي بالدراسة وكثرة القراءة وتعلم مهارات خاصة أتميز فيها عن الآخرين الرسم والطهي الماكياج وغيرها، وهذا التعلم مني (بداخل المنزل) وأهتم بقضايا المجتمع ومشاكله: ما الحل لمثل حالتي؟

ولك سائلتي الفاضلة الرد:

أجريت دراسة لنادٍ يسمّى نادي المائة والعشرين في كوبا وهو ناد لا يدخله إلا من هم فوق120 سنة وقد وجد أن الشيء الأهم الذي يميز الأعضاء هو تعاطيهم مع الأحداث بتفاؤل وهو ما مكنهم من العيش بهدوء وسلام! ومما أكد عليه العقلاء أن الإنسان هو من يعطي لحياته قدرها وهو من يصنع سعادته بنفسه، وللأسف أن رسالتك كانت مليئة بمفردات ( كل- دائما ) وتلك عبارات توحي بلغة (تعميم) وهي لغة تزيد الواقع تأزما وتقلل من فرص الانفراج, امتعاض من الحاضر وتشاؤم من المستقبل وتلك وصفة مضمونة من وصفات التعاسة!

أيتها الفاضلة: إن الحياة أقرب ما تكون كسلسلة من حلقات بيضاء وسوداء متتالية والحكماء وطالبو النجاح والسعادة إذا نالت منهم الأزمات وأرهقتهم المتاعب وضيقت عليهم المآزق لا يفقدون الأمل بل يزداد يقينهم بأن الحرج يتبعه فرج قريب كما تعقب الحلقة البيضاء الحلقة السوداء! ومن التقنيات المستخدمة في قهر القلق أن نزرع شكا في تلك الأفكار التي توحي بديمومة الأزمات وأنها لاحد لها, اكتبي كل ما يقلقك وبقليل من التأمل ستجدين عشرات الأمور التي تجفف منابع القلق و أوجدي سيناريوهات جديدة للأحداث عندها سيطرأ انفراج مريح في أوضاعك بإذن الله.

دعيني أتحدث عن حاضرك متسائلا: هل تظنين أنك الأسوأ حالا بين الناس؟ هل بلغ الوضع ذلك المستوى من السوء بحيث ما عدتِ قادرة معه على العيش؟! هل أحدثك عن المرضى والمساجين والمكلومين والمبتلين والذين نراهم يمنة ويسرة وأنت ولا شك في حال أفضل منهم بكثير ولله الحمد.

حديثك عن أهلك ووضعك يحتاج إلى تفصيل أكثر: فماهي الأشياء التي منعت منها؟ وهل هي مؤثرة على مستقبلك؟ وهل أنت محرومة حرمانا كاملا من الترفيه ومن أساسيات الحياة؟

وإن كان الأمر في مجال الكماليات فلعل لهم وجهة نظر تحترم ولا تركزي على قائمة المفقودات بل استمتعي بقائمة الموجودات الطويلة.

نصيحتي لك تتمثل في الاستمرار في طريق الاستفادة من الوقت واستثمار الفرص المتاحة والاستعداد للحياة القادمة، وعدم الركون للفراغ والوحدة القاتلة ويؤكد هذا المعنى الجميل المفكر الشهير موريس ماترلنك بقوله: لاشيء يزيد من شعور الإنسان بالسعادة أكثر من استبدال العمل بالقلق!

وقل من جدَّ في أمر يحاوله

واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر

ولقد لام حكيم الصين كونفوشيوس أحد تلاميذه لأنه يشغل فكره كثيرا بالموت قائلا له‏:‏ إذا كنت لا تعرف الكثير عن الحياة، فماذا تراك تعرف عن الموت؟

ولتدركي أن الكل سيأخذ نصيبه من هذه الدنيا، فلا تقلقي, فالأمور مقدرة بيد العزيز ولا نملك حيالها شئاً، فاجعلي من قلبك بستانا من الحب والتسامح والحنان ولا تنظري للآخرين وما منحهم الله وتمني الخير للكل كما تتمنينه لنفسك، وأبشري بخير عظيم في الدارين.. يقول المولى (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا) والزواج ما كان ولن يكون هو محور الحياة الوحيد وأنت في الجملة مطالبة بإحسان الظن في الله وتوقع الأمور الجميلة، فما تمارسينه الآن يؤذيك في حاضرك ولا يصنع مستقبلا مشرقا.

وأما حديثك عن العسكريين ونظرتهم لك فهي نظرة مجحفة ضيقة جعلت من تجربة أو تجربتين قاعدة عامة؛ ففيهم من الفضلاء الأخيار الكثير.

وتذكري أيتها الفاضلة أن السعادة لم ولن تكون بنيل جميع ما نرغب فيه بل تتمثل في الرضا الداخلي والقناعة بما وهب الله ومنح مع السعي وبذل الجهد، وما أروع ذلك الأثر الذي ورد عن أحد السلف حيث قال ناصحا ولده : يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإن عدمتها فلن يغنيك مال أو عرض مهما كثر! لاتقصري العمر وهو قصير واستمتعي بكل لحظة تمر عليك ولا تقيدي سعادتك بزواج وغيره. وهذا الروائي الشهير موريس ماترلنك يعطينا درسا عظيما في فن الاستمتاع باللحظة عندما خط رسالة لقرائه بعدما أصيب بالمرض الخبيث قال فيها: آه لو منحني الله قطعة أخرى من الحياة ولو كانت صغيرة لاستمتعت بها، ولنمت أقل، ولاستمتعت بأحلامي أكثر، ولغسلت الأزهار بدموعي ولكتبت أحقادي على قطع الثلج منتظرا شروق الشمس يذيبها، ولما تركت يوما واحدا يمضي دون أن ابلغ من حولي أني أحبهم! وأخيرا.. كم نحن في حاجة ماسّة إلى عون الله - تعالى - وتوفيقه؛ كي نوفق ونسعد و ننتصر على أنفسنا، وخير ما نستنزل به هذا العون هو الدعاء ومجاهدة النفس،

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وفقك الله، ويسر أمرك.

شعاع:

ليس مهما أن تكون أفضل من غيرك المهم أن تكون أفضل من نفسك.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد