Al Jazirah NewsPaper Saturday  18/09/2010 G Issue 13869
السبت 09 شوال 1431   العدد  13869
 
دفق قلم
التمسُّك بالشرع
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

ما تمسّك حاكم مسلم بشرع الله سبحانه وتعالى قولاً وعملاً إلا نال من المكانة والعزّة والهيبة في قلوب الناس ما زاد دولته عزّاً ومجداً وتمكيناً، ووجد من البركة في نفسه وأهله وبطانته ودولته ما لا يتحقق لمن هو في مثل مقامه ممن هو مفرط في أمور دينه متهاون بها.

إن التمسّك بشرع الله بركة وعزّ وتمكين، وأمنٌ واستقرار، وشواهد ذلك في حياة البشر قديماً وحديثاً كثيرة مشهورة. وللحاكم المسلم المتمسّك بالشرع من المهابة في قلوب أهل دولته ما يتحقّق به أمنٌ تهدأ به القلوب، وتسكن به النفوس، وتنطفئ به القلاقل والفتن. وله من المهابة الكبيرة في قلوب أعدائه وخصومه ما يجعله منصوراً بالرعب عندهم، محفوظاً من عداوتهم الظاهرة بصورة عجيبة لمن يتأمّلها، ويتابع تفاصيلها، وكأن حجاباً قوياً فاصلاً يحول بينهم وبينه.

ولعل من الأمثلة الظاهرة في الماضي ما حكاه القاضي أحمد بن خلِّكان في تاريخه عن يقعوب بن يوسف بن عبدالمؤمن صاحب بلاد المغرب من أخبار تؤكد أهميّة صلاح الحاكم المسلم في تحقيق الأمن والاستقرار والنصر والتأييد، والتقدّم في جوانب الحياة كلِّها.

فقد وصف ابن خلِّكان الأمير المغربي يعقوب بن يوسف بأنه كان متمسّكاً بالشرع، ملتزماً بضوابطه في نفسه وأهله ورجال دولته، وكان شديد الحرص على تطبيق حدود الشرع حتى في أهل بيته، وله في ذلك قصص مشهورة، وكان مؤيداً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حاثّاً عليه، قائماً به، وكان نابذاً للخلاف بين العلماء في الفتاوى والآراء، وللتناقض بين القضاة في الأحكام حتى إنه - منعاً لانتشار البلبلة بين الناس بسبب الخلافات الفرعية- أمر بأن يلتزم الفقهاء بالكتاب والسنة في فتاواهم وبالإجماع والقياس بضوابهما الشرعية، والبعد عن الدخول في الفروع الفقهية التي تتضارب فيها الآراء، ونهى عن التقليد والتعصب الأعمى للرأي أو المذهب، فكان ذلك سبباً في استقرار أركان دولته، وانتشار هيبته وتحقيق نصر الله له في مواقع كثيرة، ومن ذلك أن أخبار تمسكه وحزمه بلغت الأذفونش صاحب طُليطلة في الأندلس، وكان من ملوك الإفرنج المتغطرسين، فبعث برسالة تهديد ووعيد كتبها له وزيره العربي «العَميل» ابن النجَّار تفنن في صياغتها وتدبيجها واستخدم فيها أقوى الأساليب العربية في هذا المجال، فلما سلَّمها رسول الاذفونش إلى الأمير يعقوب، وقُرئت عليه مزَّقها بيده وكتب على قطعة منها: ارجع إليهم فلنأتينهم بجنودٍ لا قبل لهم بها، ولنخرجنَِّهم منها أذلة وهم صاغرون، والجواب ما ترى لا ما تسمع.. ثم أمر بتجهيز جيشه وسار به إلى البحر المعروف بزقاق سبته، فعبر منه إلى الأندلس ودخل بلاد الإفرنج، فكسرهم كسرة شنيعة وعاد بغنائهم إلى المغرب.

إنَّ الحاكم المسلم ليملك من القوة العظيمة ما لا يملكه غيره، وهل هنالك أقولى من القوي العزيز الذي وعد المؤمنين المطبقين المتمسكين بشرعه بالنصر المؤزر على أعدائهم مهما كانت قوتهم ومهما كان كيدهم، وإذا فرط الحاكم المسلم في هذه القوة، واتبع هواه، ولم يطبق ما شرع الله، ذهبت مهابته من القلوب، وتجرأ عليه أقرب رجال دولته الذين يهتمون بمصالحهم الخاصة ومجدهم الخاص قبل مصالح الناس والدولة والأمّة.

ولو أن حكام الدول الإسلامية في هذا الزمن تكاتفوا على تطبيق شرع الله وتضافروا عليه، وتمسكوا به لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التراجع والضعف أمام العالم، ومن التدابر والتناحر فيما بينهم.

إن هنالك جانباً مشرقاً غير منظور للتمسّك بشرع الله، ألا وهو جانب البركة في كلّ شيء في الدولة التي يقوم حكامها على تطبيق شرع الله؛ البركة في الجهد المبذول وإن قل، والبركة في الوقت، والإنجاز، والميزانيات المالية والبركة في الطعام والشراب، وفي المواقف السياسية والعسكرية، وفي التربية والتعليم، والبركة في الشعور بالأمان والاستقرار، وهذا الجانب لا تراه العيون ماثلاً أمامها، وإنما تدركه العقول، وتشعر به القلوب، يقابل ذلك القلق والاضطراب، وتزعزع الثقة بين الناس، وانعدام البركة في الجهد والوقت، وتسلط شياطين الإنس والجن على كثير من الناس في أعمالهم وأخلاقهم وأفكارهم، وذلك حينما يبتعد الحاكم المسلم عن شرع الله، ويتهاون بتطبيقه. ولعل المملكة العربية السعودية هي الأنموذج الأمثل الذي يصلح أن نستشهد به في هذا العصر لأنها منذ أن رفعت راية التوحيد حاملة شعار تطبيق منهج الله، أصبحت مثالاً للأمن والاستقرار والتكاتف والتلاحم، وهو أنموذج يستحق أن يقف عنده الدارسون، وأن يحرص ولاة أمره وعلماؤه ومفكروه المخلصون -وفقهم الله- على حمايته ورعايته، والمحافظة على تماسكه وقواته بالمحافظة على التمسك القوي بشرع الله عزَّ وجلَّ قولاً وعملاً، وإخضاع وسائل التطوير جميعها لشريعة الله الكاملة الشاملة التي هي سرُّ قوة دولة التوحيد واستقرارها وتماسكها.

إشارة:

هذا هو الوطن العزيز حباله موصولة بالله فًلْنَحْمِ الوَطَنْ



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد