Al Jazirah NewsPaper Sunday  19/09/2010 G Issue 13870
الأحد 10 شوال 1431   العدد  13870
 
هذرلوجيا
النفط والجربوع
سليمان الفليح

 

كان ذلك في النصف الأول من القرن الماضي حينما استتب الأمر للمؤسس العظيم عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - إذ كان المستكشفون والباحثون عن النفط يحومون حول أطراف الجزيرة العربية، وها هو أحدهم يزور المستر دكسن حينما كان في العراق ليأخذ منه رسالة إلى (ابن سعود) للتجول في منطقة القطيف، وآنذاك سألته مدام ديكسن: ماذا تريد من القطيف؟ فقال لها المستكشف الجيولوجي الذي كان يرتدي (برنيطة) الرحالة: أنا متيم بجمع الفراشات!! وقد قيل لي إن في القطيف فراشات سوداء غريبة المنظر، وهنا ضحكت مدام ديكسون وقالت لأول مرة في حياتي أسمع أن النفط يسمى فراشاً(!!) وهنا أُسقط في يد المستكشف الرحالة ووارى خجله وصمت وقال لديكسون: سألقاك لاحقاً!!

ويذكر أمين الريحاني أنه حينما صحب الملك عبد العزيز إلى مؤتمر العقير الذي تمخض عن ترسيم الحدود بين المملكة والعراق والكويت، أنه شاهد (خويمات بيضاء) قرب مخيم عبد العزيز وكان يقطنها رجال أوروبيون جاءوا ليتشمموا رائحة النفط على أمل أن يحصلوا على حق التنقيب من جلالة الملك.

ويذكر الدكتور (فان درمولين) الوزير المفوض الهولندي في السعودية (حسب ترجمة وعرض الزميل بدر الخريف والذي قابل الملك عبد العزيز عدة مرات أن بلاده هولندا حصلت على حق التنقيب على المعادن ولكنها فشلت نتيجة لضخامة التكاليف من أن تواصل العمل، ويذكر مولين أيضاً (أن الأمريكي تشارلز كرين المليونير الكبير آنذاك ومعه مساعده لشؤون الشرق الأوسط كارل توتيشل لم يبحثا عن الامتيازات ولم يكن كرين يرغب في أي فوائد مالية، بل كل ما كان يريده هو أن يستعمل جزءاً من ثروته لصالح شعوب الشرق الأوسط، وقد قام بعمل مشاريع في اليمن ولكنه نظراً لفساد الادارة والنقص في الخبرة فقد سحب مشاريعه بعد أن نصحه البروفيسور سنوك هرخرونيه المستشرق العالمي الشهير أن يحولها إلى المملكة العربية السعودية، ولما رأى المؤسس الراحل اهتمام الأمريكان بالتنقيب فقد سمح لهم بذلك وكانت شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) أولى الشركات التي حصلت على امتياز التنقيب عن النفط ومن ثم استخراجه.

ويروى في تلك الفترة الذهبية المشرقة في تاريخ مملكتنا الغالية أن أول مهندس من تلك الشركة استعان ببدوي كدليل في الصحراء أثناء المسح الجيولوجي، وكان المهندس وفريق العمل ينصبون مجساتهم وبوصلاتهم وأدوات القياس وما إليها ثم يأمرون بالحفر وكان الدليل البدوي لا يعرف بالضبط عما يبحث هؤلاء الخواجات في باطن الأرض الأمر الذي جعله يتحداهم حينما شاهد آثار جربوع يكمن في جحره فقال لهم: أنا أقول لكم أن ههنا (روح كائن) وحينما تساءلوا: كيف عرفت وضع مشعابه في جحر الجربوع فخرج يقفز من (المنطاقة) وولى هارباً في الصحراء. وبالطبع وحسب الرواية الشعبية تعجب الخواجات من معرفة هذا البدوي الذي يعرف مثلهم ما تحت الأرض، ولذلك بناء على النظرية العربية (حس المؤامرة) فقد طردوا ذلك البدوي من فريقهم لئلا يتقن شغلهم (!!).

أما تكملة الرواية - وحسب ما قاله لي مهندس أمريكي عجوز عرفته في الكويت - أن (الخواجات الأمريكان) قالوا للبدوي: حسناً ، لقد أخرجت الجربوع، فهل لديك وسيلة للحاق به وإلقاء القبض عليه لتستفيد منه؟!

وأضاف الخواجة: أما نحن فقد جئنا لاستخراج الذهب الأسود والقبض عليه لتستفيد أنت منه وتصبح ثرياً فيما بعد(!!).

تذكرت كل هذه التداعيات، وأنا أقرأ: أن أرامكو قد قررت بناء أعظم صرح ثقافي بالمنطقة، وأرامكو كما أعلم وتعلمون إذا قالت فعلت، وذلك لأن شواهد أعمالها قائمة لم تزل، وأنها عكس الشركات التي تقدم لها كل التسهيلات ولا تقدم للبلد شيئاً من الخدمات، وكذلك هو حال البنوك؛ ترهق المواطن بالقروض ودون أن تدفع ريالاً واحداً لمصلحة المواطن ولم تقدم أية خدمة للوطن: فمتى تستحي تلك الشركات وتلك البنوك؟ وتقتدي ب(أرامكو).



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد