Al Jazirah NewsPaper Monday  20/09/2010 G Issue 13871
الأثنين 11 شوال 1431   العدد  13871
 

النداء الأخير من القدس والأقصى
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

عنوان هذه المقالة ليس من عمل كاتبها ابتداء؛ بل هو عنوان لمقالة جيدة نشرها الكاتب العربي عرفان نظام الدين في صحيفة الحياة بتاريخ 31-8-2010م. والعنوان واضح الدلالة.

وما ذكره الأستاذ عرفان في مقالته المتضمنة نداء أخيراً من المكانين العزيزين على كل عربي ومسلم جدير بالتأمل والتقدير.

والواقع أن الخوف من ضياع المسجد الأقصى - وضياعه بضياع القدس - قد سيطر على نفوس المخلصين من أمتنا؛ عرباً ومسلمين، منذ أكثر من نصف قرن. وكان ممن عبّر عن ذلك الخوف؛ منذراً بما قد يحدث، أحد شعراء فلسطين الكبار، وذلك عندما ألقى قصيدة أمام الملك سعود - قبل تولَّيه الحكم - وخاطبه قائلاً:

المسجد الأقصى أَجئت تزوره

أَم جئت من قبل الضياع تودِّعه؟

وكان أن ضاعت السيادة العربية الإسلامية على ذلك المسجد، الذي هو ثالث مساجد إسلامية مقدَّسة، منذ أن احتل الصهاينة القدس الشرقية عام 1967م وبضياع تلك السيادة بدأت الخطوات الصهيونية متقنة شرِّيرة لتهويد القدس والقضاء على المسجد الأقصى. وكان من الخطوات الصهيونية الأولى تمهيداً لذلك التهويد حريق 1969م المشهور.وقد أوضح الأستاذ عرفان في مقالته أن رئيسة الوزراء الصهيونية، غولدا مائير، أعربت عن سعادتها بحدوث تلك الجريمة، لكنها أصبحت أكثر سعادة بعد أن رأت أنه لم يحدث ما توقعته من رد فعل عربي وإسلامي غاضب مزلزل. وكان ما قاله تعليقاً على مجمل المواقف المتخذة تجاه القضية الفلسطينية بكاملها:

«اجتماعات وقمم طارئة وعاجلة وعادية تصدر قرارات لا تنفذ وتبقى حبراً على ورق، وترمى في سلة مهملات الجامعة العربية التي لا تجمع أحداً إلا في التظاهر، وبيانات شجب وتنديد واستنكار وتحذير من مخاطر المرحلة ووحشية العدو الصهيوني وخطورة المؤامرات الدولية وانحياز القوى العظمى للعدو من دون اتخاذ ولو خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح».

وكنت قد عبرت عن مثل ذلك بأبيات من قصيدة نشرت في صحيفة الجزيرة - قبل أربع سنوات - بعنوان «صدى العيد»، قائلاً:

غدت فلسطين أشلاء ممزقة

وحل في أهلها فتك وتشريد

والقدس غيَّر محتلٌ هويتها

وانتابها من يد الأوباش تهويد

والسادرون من الحكام ديدنهم

في كل نازلة شجب وتنديد

هاموا وراء سراب السلم زادهم

من عمهم سام توجيه وتعميد

وطاعة السيد الجبار واجبة

لها بشرع سكارى الذل تأكيد

ومقتضى الطاعة العمياء مظهرها

من الأذلاء تسبيح وتحميد

باعوا الموطن كي تبقى مناصبهم

يحيطها من رضا الأسياد تأييد

ومما ورد في مقالة الأستاذ عرفان تأكيده أن الخطر القائم على القدس والمسجد الأقصى ليس بجديد؛ بل هو يتم وفق خطة صهيونية موضوعة منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948م، وأن بدء وضع تلك الخطة موضع التنفيذ حدث بعد إكمال احتلال القدس عام 1967م، وبيّن أن ذلك التنفيذ مستمر متواصل باستخدام أساليب الترغيب والترهيب لتهجير أهل القدس الأصيلين.

ومن هذه الأساليب:

- إغراءات كبيرة لشراء الأراضي والممتلكات من أصحابها.

- مصادرة أراضي المسافرين والغائبين وممتلكاتهم.

- هدم منازل وشوارع كاملة بحجة عدم الحصول على رخص قانونية.

- التضييق على السكان فحملهم على الهجرة.

- اعتقالات المقدسيين وتقييد حرياتهم، أو إبعادهم عن القدس، وإغلاق مراكزهم ونواديهم.

- إحاطة الأحياء العربية بمستعمرات استيطانية.

- الاعتداءات المتكررة على الأقصى، ومصادرة حائط البراق وتحويله إلى ما سماه الصهاينة حائط المبكى.

- تهديد أسس بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة بالحفريات تحتها.

ومما أشار إليه الأستاذ عرفان في مقالته أن حريق 1969م أدى إلى تزعُّم الملك فيصل بن عبد العزيز للأمة المسلمة لعقد أول قمة إسلامية في الرباط أسفرت عن قيام منظمة المؤتمر الإسلامي وتشكيل لجنة القدس. على أنه استدرك ليقول: إن الآمال خابت مع مرور الأيام. فقد استشهد الملك فيصل عام 1975م، وتحولت منظمة المؤتمر الإسلامي إلى مؤسسة خاملة لا لون ولا طعم ولا رائحة ولا موقفاً حاسماً وموحداً لها؛ أسوة بالجامعة العربية المشمولة، ووضع المسمار الأخير في نعش لجنة القدس بعد وفاة الملك الحسن الثاني».

وما أشار إليه الأستاذ عرفان، هنا، صحيح. لكن يمكن أن يضاف إليه أن الجامعة العربية بالذات أصبحت في الفترة الأخيرة بالذات أشبه ما تكون أداة تُمرَّر من خلالها رغبات أمريكا وإملاءاتها. ومن الأدلة على ذلك أن قرارات التنازلات العربية، التي لا يستهان بخطرها، أصبحت سمة من سمات مؤتمراتها القيادية والوزارية.

ولقد اختتم الأستاذ عرفان مقالته بقوله: «مع كل هذا (أي مع كل مع يرتكب تهويداً للقدس وتهديداً للمسجد الأقصى) لا نجد تحركاً عربياً جدياً، ولا نهضة إسلامية حقيقية لمواجهة هذه المؤامرة. فالعدو يتحرك بكل وقاحة، ولم يعد يخفي مطامعه فيما العرب والمسلمون يتفرَّجون على الحدث بلا مبالاة، مع أن كل الدلائل تشير إلى أن هدم المسجد الأقصى سيحدث زلزالاً في العالمين العربي والإسلامي لن ينجو أحد من حممه وبراكينه؛ لأن مثل تلك الجريمة لن تمر من دون عقاب؛ بل ستكون بداية لأحداث جسام لا يمكن لأي عربي أو مسلم أن يتخطاها أو يعالج انعكاساتها ونتائجها.

إنه النداء الأخير من القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك لكل من يملك مقومات الشرف والإيمان، ولكل من تسري في عروقه دماء عربية وإسلامية. لا بل هو الإنذار الأخير لمن يسمع ويتعظ».

أما أنا - المحدود معرفة واطلاعاً - فاختتم مقالتي بما يأتي: هل بقي من أمتنا من له شأن وثقل وما زال يملك مقومات شرف وإيمان؟ وهل بقي من أمتنا من تسري في عروقه دماء عربية وإسلامية؟ وأعني بذلك دماء عربية حقاً ودماء إسلامية صدقاً. لقد ترحمت على الكرامة في مقالة عنوانها: «رحم الله الكرامة»، ونشرت في صحيفة الجزيرة بتاريخ 8-4-2002م. وترحمت على الحياء، أيضاً، في مقالة عنوانها: «ورحم الله الحياء»، ونشرت في صحيفة الجزيرة بتاريخ 29-4-2004م. وأجزم أن هاتين الخصلتين الكريمتين لم تبعثا من قبريهما منذ نشر المقالتين المشار إليهما.

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد