Friday  24/09/2010 Issue 13875

الجمعة 15 شوال 1431  العدد  13875

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

أفاق اسلامية

 

الشيخ عبدالله اللحيدان في حوار مع (الجزيرة) حول كيفية تطبيق الوسطية في حياتنا
الالتزام بالوسطية مطلب شخصي قبل أن يكون رسالة تبلغ للآخرين

 

الدمام - خاص بـ(الجزيرة)

طالب الشيخ عبدالله بن محمد اللحيدان المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمنطقة الشرقية، بتفعيل الوسطية وتطبيقها في شتى أنحاء الحياة، وأن يكون منطلق هذا التطبيق من رسالة المسجد التي تنطلق من استقامة المنهج، والبعد عن الميل والانحراف.

وقال الشيخ اللحيدان: إن الالتزام بالوسطية مطلب شخصي قبل أن يكون رسالة تبلغ للآخرين، فأول المطالبين بتطبيقها هم المبلغون من الخطباء والأئمة وأهل العلم، والقائمون على بيوت الله.. مضيفاً أن المسجد هو مقر التعليم الأول في الأمة، ومحذراً من خطورة عدم ترتيب الأولويات، والأخذ بفقه المآلات.. جاء ذلك في حوار مع الشيخ عبدالله اللحيدان.

وفيما يلي نصه:

كيف يمكن تفعيل الوسطية وتطبيقها في الحياة المعاصرة عن طريق المسجد؟

- لاشك في أهمية تفعيل الوسطية وتطبيقاتها في شتى نواحي الحياة، ولما للمسجد ورسالته من أهمية في إيصال رسالة الإسلام، فمن المتأكد في حق أئمة المساجد قيامهم بالعمل المطلوب منهم شرعاً لتعزيز الوسطية في المجتمع، ومن تطبيقات الوسطية في وسائل تحقيق رسالة المسجد أن من معاني الوسطية استقامة المنهج، والبعدَ عن الميل والانحراف، ولذلك فالمسلم يسأل ربه الهداية للصراط المستقيم كلَّ يوم في صلاته ?اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ?غير المغضوب عليهم الذين أفرطوا إذ عرفوا فانحرفوا، ولا الضالين الذين فرطوا إذ جهلوا فانحرفوا، فيتضح من هذا أن الالتزامَ بالوسطية مطلبٌ شخصي قبل أن يكون رسالةً تُبلَّغُ للآخرين وعليه فأول المطالبين بتطبيقها هم المُبَلِغون لمتطلباتها لأن فاقد الشيء لا يعطيه قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسرٌ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغَدْوَة والرَّوْحَة وشيء من الدُّلْجَة) فإذاً الوسطيةَ في التطبيقِ مطلبُ هام وإمامُ المسجد تتجه الأنظار إلى تطبيقاته، قبل النظر إلى كلامه.

إمام المسجد كيف يمكن له تطبيق الوسطية وهو يقوم بدوره في مسجده؟

- رسالةُ المسجد تتحقق في أمور، فإن الوسطيةَ ملازمةٌ لهذه الأمور وتطبيقاتِها، ففي إمامةِ الناس في الصلاة وسطية، فلا إطالةٌ تشقُّ على الناس، ولا استعجالٌ يُذهب الخشوعَ والاطمئنان، وفي الخطابة وسطية سواءُ في طول الخطبة وقصرها أو غير ذلك، فالموفق من وفق في تطبيق الوسطية التي أكد عليها نبينا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فقال:(إنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ)، قال الصنعاني في سبل السلام 2-100 - 101: وإنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الرجل لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة، ولذلك كان من تمام هذا الحديث فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا، فتتجلى وسطية الخطيب بهذا التطبيق فلا يوغلُ في التقصير حتى يكاد يبتر الموضوع بترًا، ولا يُفصِّلُ ويُفرِّعُ حتى يملَّ السامعين، بل تكون صلاته وخطبته كما ورد في الحديث الأخر عند مسلم والبيهقي عن جابر بن سمرة قال صليت مع النبي (صلى الله عليه وسلم) فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 2-64: القصد الوسط أي لا قصيرة ولا طويلة، وتكون لدى الإمام والخطيب وسطية في اختيار الموضوعات فلا يجنح لموضوعات فيطرقها فقط ويهمل أخرى ولا يأتي عليها.

دور الخطيب والإمام في تحقيق الوسطية في المجتمع يكون من خلال الدور الذي يقوم به، وربط المصلين بالكتاب والسنة.. فكيف نؤهل الإمام للقيام بهذا الدور؟

- تتضحُ أهميةَ تحقيقِ رسالةِ المسجدِ للوسطيةِ في المجتمع، من خلال الدورِ الذي يجبُ أن يقومَ به الإمامُ والخطيبُ من تعليمِ الناسِ أمورَ دينِهم وربطِهم بالكتابِ والسنةِ والأخذِ عن العلماءِ الربانيين ومجموعِهم، فالمسجدُ مقرَّ التعليمِ الأول، وقصةَ أبي هريرةَ رضي الله عنه عند الطبراني وحسنه الألباني في الترغيب، حين مر أبو هريرة رضي الله عنه بسوق المدينة، فوقف عليها، فقال:» يا أهلَ السوق! ما أعجزكم! قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراثُ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) يُقسَم وأنتم ها هنا! ألا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه! قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة! قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نرَ فيه شيئاً يُقْسَم. فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى! رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة: ويحكم! فذاك ميراثُ محمدٍ « ولا يخفى كذلك ما ورد في فضل حلق الذكر في بيوت الله، فالمسجدُ مقرٌ لتعليمِ الناسِ أمورَ دينِهم، فلا يُهمِلُ الإمامُ تعليمَهم وإقامةَ الدروسِ لهم، وعقدَ البرامجِ والدوراتِ لتأهيلِ جماعةِ المسجدِ لتبَنِّي منهجَ الوسطِ في حياتِهمُ اليومية، في عملهم وكسبهم ونفقاتهم وطرُقِ تربيتِهم لأبنائهم وتعامُلِهم مع الزوجات والعاملين والناس أجمعين وبالالتفافِ حولَ ولاةِ الأمر وإيفاء عهد الله لهم {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} النحل91

الاستعانة بالعلماء وطلبة العلم في إلقاء الدروس والكلمات الوعظية هل ساعد إمام المسجد في غرس منهج الوسطية لدى جماعة المسجد؟

- لتكن لدى الإمامِ وسطيةٌ في جلبِ واستضافةِ كبارِ العلماء وطلبة العلم، لإقامةِ الدورات العلمية في المسجد، وعدم إهمالِ موضوعات العقيدة أمام بعض الموضوعات الأخرى، وعدم الانسياق وراء دعوى التجديد في الطرح المناوئ لطرح مسائل العقيدة وبسطها، وإحياء السنة وإماتة البدعة وطمسها، ولتكن لدى الإمام وسطيةٌ في توزيعِ الوقتِ وتحيُّنِ الفُرصِ الأكثرِ قَبُولاً، فلا يُهملُ ذلك فيجهلوا، ولا يكثر عليهم فيملوا قال ابن مسعود رضي الله عنه كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتخوَّلُنا بالموعظةِ في الأيام كراهة السآمةِ علينا، ولتكن لديه كذلك وسطية في حسن تعامله مع الناس فلا ينبذ الفاسق لشخصه بل يمارسُ معه الدعوةَ والجُهدَ لهدايته، ولا يدنيه منه دون دعوةٍ وكأن ما يظهره من فسق أمرٌ عادي، ولا يُقرِّب فئةً لمحاباةِ عشيرةٍ أو جهةٍ دون أخرى بل يكون وسطا في بناء علاقاتِه مع الناس ليضمن نجاحه في أداء رسالة المسجد بوسطية، وفي العموم إن تطبيقاتِ الوسطيةِ المحققةِ لرسالةِ المسجدِ تتلازمُ مع الأعمالِ المناطةِ بالإمام في مسجده وفي سائر حياته فلينتبه كلُّ إمامٍ لذلك وليحذر من أن يفتقد الناسُ وسطيتَه، فأنى له أن يرشدهم لها حين ذاك.

ماهي أبرز معالم تطبيق الوسطية في أداء الخطيب؟

- إذا عرفنا أن الإسلام هو دين الوسط، فإن منهج الإسلام هو المنهج الوسط، والطريقة الموصلة للإسلام يجب أن تكون هي الطريقة الوسط قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} الأحزاب36، وقال: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}النحل125، وقال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}آل عمران159، آيات تدل على المنهج في التطبيقات وهو منهج الوسط، لا إفراط ولا تفريط، لا نقول للحلال حراماً من باب الاحتياط ولا نقول للحرام حلالاً من باب التيسير بل طريقتنا في التطبيقات هي طريقة الوسط الذي عرفنا معالمه، فتكون التطبيقاتُ شرعيةً مستندةً إلى النقل الصحيح والفهم الصحيح لتنطلقَ من المسجد تطبيقات تُنتجُ لدى المسلم أينما كان، وسطيةَ المعتقد و السلوك، ووسطية الفكر والمنهج.

هل نحتاج إلى تطبيق الوسطية في الأزمات فقط؟ أم هو منهج شامل ؟

- بلاشك أن ما هو متقرر أن الأمةَ أمةُ وسط ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً... ?البقرة143 مما يدل دلالةً واضحةً على أن رسالةَ المسجد تتبنى الوسطيةَ وتُحققُها في كل تطبيقاتِها بشموليةٍ ليُعبد الله كما يحب ويرضى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162 (فالشمولية) معلم من معالم التطبيق لدى الخطيب لتشمل الوسطية سائر ما يصدر منه، نعم إن لرسالة المسجد حاجة تبدو ملحة ويُنظر إليها عند الأزمات، لأنه عند الأزمات تختلط بعض المفاهيم وتكثر الأقاويل ويتصدر للفتوى من هو ليس أهل لها وعندها يتجه الناس نحو المسجد فيكون الدور هنا دور الموجه والموضح والمبين والمحدد، هنا تعظم الرسالة وتشتد الحاجة لإظهار تطبيق الوسطية عندما تختلط المفاهيم ويكثر الكلام في قضايا مثل الولاء والبراء لتجد الاعتداء على كل من هو ليس بمسلم مطلب يطلبه من يتخذ من هذا المبدأ وسيلة لإقناع الناس بصدق قوله، هنا يأتي الدور الموضح بأن الولاء والبراء لا يسقط حقوق الآخرين و لا يمنع من المعاملة الحسنة مع غير المسلمين وإلا لسقط بهذه الدعوى المريضة واجب الدعوة إلى الله بالحسنى (وجادلهم بالتي هي أحسن) وسبيل الدعوة الإسلامية الصحيحة هي سبيل الوسطية التي كان عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته من بعده وكذا سلف هذه الأمة الصالح.

الثبات في توضيح منهج الوسط، كيف يقضي على تضارب الأقوال واحتدام الجدال؟

- من معالم وسطية التطبيق (الثبات) في توضيح منهج الوسط عند تضارب الأقوال واحتدام الأفكار وتشتت الطرق و عدم الانسياق وراء ما يثار حول الثوابت من الدين وما أجمع عليه العلماءُ الربانيون لا ننساق مهما علت دعاوى نبذ التشدد و استضافة التجديد أو بدعوى متطلبات العصر والتنوير، أو بدعوى التيسير في الإصلاح واللين في التبليغ، أو أي دعوى تناوئ أسس الدين وفتاوى كبار العلماء وما أجمع عليه فقهاء الأمة ، بل الخطيب ثابت كالطود في تمسكه بوسطيته مهما ادلهمت الخطوب وتشعبت السبل.

كيف يراعي الخطيب حال المدعوين؟

- من معالم وسطية التطبيق (مراعاة الحال) وقد يسمى فقه الواقع ولكي أوضح ما أريده في هذا الشأن أضرب مثالا فمن المعلوم موقع إلقاء التحية من الشريعة ?وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ?النساء86، ومعلوم مقام السلام من الإسلام ولكن طريقة تنفيذ هذا الأمر لا بد معها من مراعاة الحال أليس كذلك فالإمام عندما يسلم على المأمومين عند دخوله المسجد في الصلوات المفروضة مثلا لا يسلم كما يسلم إذا اعتلى منبرَ الجمعة للخطبة، والقادم على جمع في سوق لا يسلم كمن قدم على أناس بعضهم نائم وبعضهم يقضان، فقارن ذلك مع من اجتهد في فترة من فترات مجتمع ما ليرى رؤية في تطبيقاته الدعوية تناسب حال المجتمع في ذلك الوقت كحال من دخل السوق ليسلم بصوت عال ليسمع فيُرد عليه إذ لن يرد عليه، مالم يرفع صوته عاليا، وهناك من اجتهد في تطبيقاته الدعوية في مجتمع شبهُ نائم فيسلم سلام من يُسمع اليقضان ولا يوقظ النائم فكان تطبيق الأسلوب الأول حسب مقتضى الحال وكان تطبيق الأسلوب الثاني حسب مقتضى الحال ثم توارث تلامذة الطرفين من كل شيخ طريقته دون استصحاب مقتضى الحال فألفوا مؤلفات يستنصرون كل طريقة وجاء بينهما آخر يظن أن الحل الوسط هو بين رفع الصوت بشدة وبين إرخائه بضعف ليوازن بين الأمور في منهج ظن أنه الوسطُ بين الحالين وللأسف الشديد أن من الناس من نقل هذه الاجتهادات التي اقتضتها حال تلك المجتمعات في وقت ما وتوارثها مريدو كل شيخ لينقلها إلينا على أنها منهج يجب اتباعه ونسي هذا أو تناسى أن أصل المسألة مرتبط بتجربة ارتبطت بحال ما في وقت ما في مجتمع ما.

الرجوع إلى العلماء الربانيين والأخذ عنهم ألا يساهم هذا في قطع الطريق أمام أصحاب الأهواء؟

- من تطبيق الوسطية (التزام الرجوع إلى العلماء الربانيين) فلا اعتبار في المسجد لرأي يخالف رأي علماء الأمة وهذه نقطة هامة جدا إذ يجب التفريق بين المختار للفتوى الخاصة وبين المختار للفتوى العامة فلا يختار الإمام للتطبيق على الناس إلا ما اختاره ولي الأمر الذي عينه للإمامة نائبا عنه ولا ينشر عبر المنبر الذي أوكله عليه ولي الأمر ما يخالف اختيار ولي الأمر قال أبو الحسن الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية والولايات الدينية في الباب التاسع وهو باب الولايات على إمامة الصلوات: (وليس لمن ولاّه أن يأخذ برأي نفسه). وضرب أمثلة كثيرة على ذلك في الجمعة والجماعات، كما أن من المقرر في القواعد الأصولية والفقهية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف وممن ذكر ذلك ابن تيمية وغيرُه من المحققين، وحرروا المسألة في ذلك.

ماهي آثار مراعاة فقه المآلات في تطبيق الوسطية؟

- (مراعاة فقه المآلات) ضرورة مهمة في تطبيق الوسطية كما قال تعالى ?وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ...?الأنعام 108، وفي السنة راعى رسول الهدى (صلى الله عليه وسلم) هذا الأمر حينما قال المنافق ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) وعن أنس بن مالك؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال: يا معاذ!، قال لبيك رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ! قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال:يا معاذ! قال: لبيك رسول الله وسعديك. قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، إلا حرمه الله على النار، قال: يا رسول الله! أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتكلوا» فقد خشي النبي (صلى الله عليه وسلم) من مآل البشارة؛ أن يترتب عليها اتكال الناس وقعودُهم عن العمل، وعدمُ اجتهادهم في العبادة. فعلى الخطيب أن يراعي في خطبته هذا الجانب لتكون لديه نظرة مستقبلية لنتائج ما يطرحه تمنعه من الإقدام على ما تفوق مضرتُه مصلحتَه، أو تدفعه لما تترجح مصلحته على مفسدته.

لعل ترتيب الأولويات يعد من معالم تطبيق الوسطية؟

- نعم من معالم وسطية التطبيق (مراعاة الأولويات) فالشر أنواع يدرء الأقرب فالأقرب وفي الخير يقدم الحديث عن الأشد حاجة على الأقل فحرب ضروس تخوضها بلادنا على المعتقد وعلى الأرض لا يقدم عليها ماهو أقل منها شأنا وإن عظم بذاته كحادثة مركب هنا أو هناك قال الله تعالى: ?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ....?البقرة 217، فذاك كبير وهذا أكبر، وكذلك من معالم وسطية التطبيق (الواقعية) وهي غير فقه الواقع والمقصود أن تتعامل مع الأمور بواقعية كي لا تقع بالشطط المخالف لمنهج الوسط ولكن نسلك في التعامل مع الظواهر الحادثة مسلك الوسطية فلا نهمل الورم البسيط حتى يكبر ولا نضخم النتء البسيط وليس بشيء، ندين بشدة ونبين الجريمة ونسعى بتوعية الناس لمواجهة الظواهر والأعمال الفاسدة وفي المقابل لا ننزاح للتساهل والتفريط.

وكيف يمكن لرسالة المسجد أن تكون متنوعة؟

- إشاعة الوسطية عبر رسالة المسجد (التنويع) بأن يعدد الخطيب وينوع في أساليب طرحه لجعل الوسطية هي الخيار المفضل والمفيد، لا يجعلها في مقارنة مع غيرها من الأطروحات، ولا يركن على مزاياها فقط ، بل يجعل المتلقي يؤمن أنها هي الخيار الأكمل والأسلم، ويستخدم لذلك الأسلوب الأمثل والأحكم، لايكفي أحيانا أن تعلم أنك على حق لتقنع الآخرين به، فالزنى معلوم أنه حرام، لكن عند البعض لا بد من معرفة كيف توصل المعلومة بحيث يعرف المتلقي أن اجتناب الزنى هو الأكمل والأسلم، لأن فيه الفوز بالأجر والرضا، و السلامة من العقوبة والأذى.

ماهي أبرز المشكلات التي تتولد نتيجة عدم مراعاة الخطيب تطبيق الوسطية؟

- نماذج مما يخالف تحقيق الخطيب أثر الوسطية في المجتمع، إن الوسطية لا تعني التطرق للمرغبات فقط والتسهيلات فقط وترك المرهبات والتحذيرات، يخالف من يظن أن تطبيقات الوسطية تطلب اختيار الأيسر على كل حال، ولذلك نجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في منهج الوسطية ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما، فاختيار الأيسر ليس على إطلاقه، ولذلك فكلُ الدين يسر وليس كلُ يسرٍ دين وربنا يقول {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}طه2، فالشريعة كلها يسر وليس فيها مشقة بالمعنى الصحيح الشرعي وليس فيها عناء ولا عنت وإنما هي عين اليسر وذات السماحة ?وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً?النساء29، ?يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ?البقرة185، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}الحج78، إن ديننا كله رفق (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه) دين رفق (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) ديننا هو دين ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا?البقرة286، ديننا هو دين ?لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا?الطلاق7، ديننا هو دين ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ?التغابن16، هنا بيان الوسطية الجلية في تطبيقها (صلّ قائماً، فإن لم تستطع فجالساً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، ولكن للأسف هناك موجة من البعض تنتهج منهج أن (التَّزمُّتَ) هو إلزام الناس برأي واحد وإن كان معه الدليل إذا وجد له مخالف ولو لم يكن معه دليل! وليس هذا تطبيق الوسطية بل هو الغلو بعينه كما قال تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ}النساء171، قال السعدي رحمه الله في تفسيره: «هذا الكلام يتضمن ثلاثة أشياء أمرين منهي عنهما وهما القول الكذب على الله والقول بغير علم في أسمائه وصفاته وشرعه ورسله، والثالث مأمور به وهو قول الحق في هذه الأمور ولا يقول الحق من غلا ولا يقوله كذلك من جفا وإنما يقوله من توسط واعتدل»، يخالف من يظن أن تطبيقات الوسطية انتقائية بل الوسطية هي ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ?البقرة208، ومن هنا يأتي دور المسجد دوراً ليس انتقائياً، بل هو دور يرسخ مفهوم كمال الدين والله تعالى يقول:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ)، ومخالفة ذلك تلزم إحداث دين جديد وقد ظهرت قنوات تدعي أنها ستوصل الإسلام بثوب عصري جديد!! ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أدى الأمانة ونصح للأمة وهو القائل: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم « ولا تخفى النتائج عندما نشب الصراع بين الكنيسة والفلاسفة في بداية هذا العصر فابتدعوا ما أسموه حلا وسطا بفصل الدين عن الحياة ونحن على يقين أن ليس في ديننا ما يصادم العقل والفكر بل المسجد هو منبر الدين الوسط المحقق للوسطية في المجتمع، يخطئ من يظن أن الوسطية متعددة، بل ما دام الدين واحد فالوسطية واحدة، وقد ينظر المرء لموضعه فيرى أنه الوسط، وواقع الأمر أن الذي يحدد وسطيته ليس موقعه حسب مفهومه للشرع بل هو موقعه حسب مفهوم الشرع، ولقد مرت بنا تجارب تؤكد متانة ما عليه منهج العلماء الربانيين وضعف من خالفهم وإن ادعى الوسطية لحظة مخالفته إياهم وقلبوا المواقف فذاك الذي دنس الحرم بصحبة من ظنه المهدي وذاك من خالف في حرب الخليج وأحداث الكويت وبغداد وكابل وتفجيرات الرياض والخبر والرس ومحاولة تفجير بقيق والأحداث الجسام؟ رأينا نماذج زجت شبابنا في السجون، رأينا نماذج صرخ الخطيب وصرخ الناس معه، رأينا نماذج تستلهم سم أفكارها من الخارج حتى إذا قيل له في ذلك قال هاه هاه لا أدري سمعت الناس تقول فقلت ما قالوا؟ رأينا نماذج ألهبت حناجرها من أجل مركب وتلثمت بالصمت وحرب العقيدة تدار على حدود بلادها إن هذه النماذج على قلتها وضعفها فخطورتها كبيرة وعدم التزامنا بمعايير الوسطية عندما تعصف العواصف أكبر.

سلوك الفكر المتطرف هل هو ظاهرة طارئة على المجتمع السعودي أم لها جذور؟

- لابد أن نعلم أن سلوك التطرف وفكر الغلو، أمران طارئان على بلادنا، ولم يصدرا من منابع التربية في مجتمعنا بحال من الأحوال. فمناهج العلماء وفتاواهم والمحاضراتُ الدينية والمناهجُ الدراسية كلُها قائمةٌ على الوسطية والاعتدال، والتحذيرِ من الوقوع في مهالك الغلو، كما أنه من المطمئن وإن كان لنا أن نقول بحذر إن معتنقي التطرف والغلو على فئتيه ليسوا إلا قلة قليلة بالنسبة للعامة الذين هم على منهج الوسط وخيارِ الاعتدال ونبذ الغلو في المعتقد والعبادة والسلوك كما أن الوضع ولله الحمد والمنة مراقب بفضل الله من ولاة أمر نحمد الله أن هيأهم لنا ليقيموا شرع الله فينا ويراقبوا تطبيقاته بنا ولنا الإشارة والإشادة والغبطة والسعادة بما صدر مؤخرا من قرار خادم الحرمين الشريفين وفقه الله ورعاه مما يحسن أن يسمى «وثيقة ضبط الفتوى التأريخية» حول قصر الفتوى العامة على هيئة كبار العلماء مما يحفظ على الناس دينهم لأنه كما ورد في القرار السامي من توطئة شرعية جامعة مانعة فيها وصف واقعي للحال وما يخشى عليه من مآل ما يصدق عليه القول مما وجد من فوضى الفتاوى فجاء التنظيم بأمر سام ليحد من انتشار ما يلبس على الناس دينهم ولقد قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه (إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير)، ومعلوم أن الفتوى من الولايات العامة التي لولي الأمر تحديد من يقوم بها ومنع من سواه ليجتمع الناس في أخذ دينهم مما لا فوضى فيه ولا مراء معه واختيار ولي الأمر يرفع الخلاف فلله الحمد والمنة.

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة