Saturday  25/09/2010 Issue 13876

السبت 16 شوال 1431  العدد  13876

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

           

تناولتُ في مقالة الأسبوع الماضي محور «الأمن والتنمية» وأشرتُ إلى العلاقة الوثيقة بينهما، فلا تنمية وازدهار دون تحقيق الأمن الشامل، الذي هو مسؤولية الجميع دون استثناء، خصوصاً المواطنين الذين يشكلون فيما بينهم الحلقة الأمنية الأقوى في مواجهة الأخطار الداخلية. وحق الوطن على أبنائه في يومه المجيد، المشاركة في تحقيق الأمن الشامل، وتأكيد المواطنة الإيجابية، ونبذ الفرقة، والفئوية، والتطرف، وتحقيق الوسطية والانتماء، ووأد الفتنة في مهدها، والتبصر في مآلات الأمور. وحق الوطن على وزرائه، ومن تولى أمرًا من شؤونه، مراقبة الله في عمله، والتيسير على المواطنين، والنصح لهم، والمشاركة الفاعلة في برامج التنمية، وإدارة شؤون المواطنين بإخلاص وأمانة، لضمان تحقيق النتائج التي يتطلع لها ولي الأمر، ويتمناها المواطنون.

اليوم نتناول محور التنمية الزراعية، الخزن الإستراتيجي، والمياه؛ فمنعة الوطن، وقوته، تحتاج إلى ضمان توفر الماء والغذاء وفق خطط إستراتيجية طويلة الأجل. اعتمد سكان المملكة منذ قيامها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، في غذائهم على التمر، الأرز، القمح واللبن، وفي سقياهم على مياه الآبار؛ أما اليوم فالاعتماد الكلي بات مرتبطاً بالأغذية المستوردة من الخارج، والمياه المحلاة من البحر. الأمن الغذائي يحتاج منا إلى العودة إلى ما كان عليه الأجداد، وتأمين أساسيات الغذاء المُنتج محلياً؛ فالمحافظة على ثروة النخيل وحمايتها من الآفات، وتطوير زراعتها، وخلق صناعات أولية وثانوية تعتمد في مدخلاتها على النخيل، والتمور كفيل بتحقيق جزء مهم من أمننا الغذائي. الانتقاء الأمثل لنوعية النخيل المناسبة لكل منطقة من مناطق المملكة، والعمل على زراعة النخيل وفق توزيع جغرافي يُحقق هدف الأمن الغذائي، بأسلوب علمي حديث يضمن الكفاءة العلمية، والتخطيط الإستراتيجي هو ما يحتاجه الوطن. جميل أن يهتم المواطنون، رجال المال والأعمال، بزراعة النخيل والمتاجرة بها، إلا أن العمل الاحترافي المنظم وفق الخطط الإستراتيجية الشاملة التي تتبناها، وتديرها الحكومة لمصلحة الوطن، والمواطنين، هو الهدف الأسمى المُراد تحقيقه. حماية النخيل من الآفات المدمرة يُفترض ألا يكون من مسؤوليات وزارة الزراعة فحسب، بل من مسؤوليات القائمين على الأمن القومي. استخدمت وزارة الزراعة الإسرائيلية، جهاز الاستخبارات، لتهريب فسائل من نوعية محددة من النخيل العراقي الممنوع من التصدير، وما كانت لتفعل لولا أهمية ذلك على المستويين الغذائي والتجاري لها. ومثلما كانت النخيل عرضة لتهديد أسراب الجراد في ثلاثينيات القرن الماضي، فقد أصبحت هدفًا لجحافل جيوش «سوسة النخيل الحمراء» التي باتت تمثل خطرًا محدقًا يهدد أمننا الغذائي في الوقت الحالي. «سوسة النخيل الحمراء» أشبه بالسرطان الذي يضرب أشجار النخيل المثمرة فيحيلها إلى أعجاز نخل خاوية. تلك الآفة المدمرة لا تتوقف عند تدمير النخلة المصابة بل تتجاوزها إلى باقي النخيل في محيط المزرعة الحاضنة، والمزارع المجاورة، ومن يدري فلعل تلك الآفة باتت جُزءًا من خطط التدمير الموجهة لأمننا الغذائي.

زراعة القمح لا تقل أهمية عن زراعة النخيل، وتَحَفُظ وزارة المياه على مزارع القمح التي تستنزف المياه الجوفية هو أمر مبرر ولا شك، إلا أن وقف زراعته يتعارض مع فلسفة الأمن الغذائي، لذا لا بد من إيجاد البدائل المناسبة لاستمرار زراعة القمح بما يضمن توفير الجزء الأكبر من الاحتياج المحلي دون التأثير السلبي على مخزون المياه الجوفية. هناك كميات كبيرة مهدرة من مياه الأمطار يمكن تجميعها والاستفادة منها في الزراعة. تنتج مدن المملكة أنهار ضخمة من مياه الصرف، وهي ثروة حقيقية لمن يستطيع التعامل معها. فمعالجة مياه الصرف والوصول بها إلى مستوى النقاوة غير المتعارض مع استخدامات الري هو ما تحتاجه المملكة في الوقت الحالي. التوسع في إنشاء محطات المعالجة، وفتح الباب للشركات العالمية المتخصصة ودعمها سيؤدي دون أدنى شك إلى توفير كميات مهولة من المياه المعالجة الصالحة للري. هذا من جانب، ومن جانب آخر لا بد من التوسع في الدراسات والبحوث الزراعية التي تُساعد على استغلال مناطق المملكة في الزراعة المُحققة للاكتفاء الذاتي، أو توفير الحجم الأكبر منه؛ وإنشاء بنك للبذور وفسائل النخيل يهتم بتخزين الكم الأكبر من البذور المُحسنة المقاومة للأوبئة، والظروف المناخية القاسية، والتي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى فسائل النخيل المُحسنة تحسبًا للظروف المستقبلية.

الخزن الإستراتيجي للمواد الغذائية بات مطلبًا ملحًا لحماية الوطن من تقلبات الظروف، وهو أمر لا يمكن التساهل به، خصوصاً في مثل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها العالم. زيادة حجم المخزون الإستراتيجي للأغذية، الأدوية، اللقاحات الأساسية، وبما يسد حاجة الوطن لعامين على أقل تقدير، يفترض أن يكون من الأولويات الأساسية في مثل هذه الظروف الحرجة. الخزن الإستراتيجي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، فانقطاع الواردات لأي سبب من الأسباب قد يُعرض الوطن لمُتغيرات وأخطار غير متوقعة. الحكومة مسؤولة عن بناء المخزون الإستراتيجي الكافي لعامين قادمين، وفق الأسس والمعايير المطبقة في دول الغرب. من حق الوطن على التجار أيضًا المساهمة في تكوين المخزون الإستراتيجي العام. المستودعات التجارية ما هي إلا جزء من مجمل الخزن الإستراتيجي الشامل، وأحسب أن المصلحة العامة تفرض على الجميع التعاون من أجل الوصول بحجم المخزون الإستراتيجي من المواد الضرورية إلى مرحلة الكفاية لسنتين قادمتين على أقل تقدير، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ضمان الإمدادات، استقرار الأسعار وعدم تأثرها بالأزمات وتقلبات الظروف.

قد يكون خزن المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية أسهل بكثير من خزن المياه على سبيل المثال، الذي يمكن أن يشكل نقص إمداداته، أزمة حقيقية متشعبة لمعظم المناطق. ولعلنا نستشهد هنا بتداعيات أزمة المياه الحادة في منطقتي الرياض وجدة، وما صاحبها من ارتفاعات قياسية لأسعار صهاريج المياه بسبب ندرتها وسوء تنظيمها. خزن المياه الإستراتيجي يمكن أن يكون مقدمًا على خزن المواد الغذائية خصوصاً وإن غالبية مناطق المملكة تعتمد في توفير حاجتها من المياه على محطات التحلية الواقعة على الخليج العربي.

ماذا لو تعطلت إحدى تلك المحطات، أو تأثرت أنابيب نقل المياه -لا قدر الله؟ النتائج ستكون كارثية ولا شك. إمدادات المياه في معظم مدن المملكة تقوم في الأساس على التدفقات المباشرة، وهذا قد يؤدي إلى انقطاع المياه بمجرد توقف الإمدادات من محطات التحلية.

مدن المملكة، الرئيسة على وجه الخصوص، بحاجة ماسة إلى خزانات ضخمة لتجميع المياه، واستغلالها وقت انقطاع الإمدادات المباشرة. انقطاع المياه قد يحدث خللاً كبيرًا في الجانب الأمني، خصوصاً وإننا نتحدث عن مدن تضم أكثر من 4 ملايين نسمة ليس لها مصدر للمياه، إلا محطات التحلية التي يمكن أن تتوقف في أي لحظة لأسباب فنية، أو أية أسباب أخرى.

حمى الله وطننا من كل سوء، وأدام عليه نعمة الأمن والأمان، والاستقرار والازدهار، ووفق الجميع إلى ما فيه الخير والسداد.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM

 

من أجل الوطن في يومه المجيد (2)
فضل بن سعد البوعينين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة