Monday  27/09/2010 Issue 13878

الأثنين 18 شوال 1431  العدد  13878

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

هذا عنوان دراسة نشرها مركز أسبار وهي عبارة عن حلقة أولى من دراسات في المجتمع السعودي لقياس تطور النظرة المجتمعية تجاه بعض القضايا، وقورنت نتائجها مع دراسة سابقة بهدف تحديد التغييرات في مستويات

التشدد إزاء قضايا المرأة.

بلغ حجم العينة 2990 فرداً في الدراسة الثانية، موزعة على المتغيرات التالية: مناطق المملكة، الفئات العمرية، الحالة الاجتماعية، المستوى التعليمي، نوعية المهنة، الدخل الشهري، استخدام الإنترنت من عدمه.

أكثر ما أدهشني بالنسبة لإجابات العينة للعبارات المتعلقة بالمرأة هي النسبة العالية للتشدد في الإجابة عن العبارة التالية: «يجب منع النساء من الذهاب إلى الأسواق المختلطة.» ففي الدراسة الثانية بلغت نسبة الموافقين بشدة والموافقين لحد كبير والموافقين لحد ما حوالي 64% مقابل 35% لغير الموافقين بشدة ولحد كبير ولحد ما. الدهشة هنا أن الأسواق بالأساس مختلطة، بينما الأسواق النسائية أو الرجالية هي في مواقع نادرة جداً بل وغير موجودة في أغلب المناطق، ولم تعرف مفردة « مختلطة» إلا مؤخراً مع التشدد، فالأصل في الأسواق هو الاختلاط.. هذا يعني أن حوالي الثلثين يرفضون أصلاً ذهاب المرأة للأسواق، فهل هذا نفاق أم ازدواجية بين الفكر والتطبيق أم خلل في العبارة الذي تظهر فيه كلمة «مختلطة» وكأنها تحريضية!؟

وبالانتقال إلى متوسط النتائج لكلا الدراستين يتضح أن مناطق الرياض ومكة المكرمة والشرقية هي الأقل تشددا مقارنة مع البقية، أي أن التشدد يقل في المدن الكبرى وينخفض مع الحالة المدينية. كذلك قلَّ التشدد بزيادة المستوى التعليمي، حيث يبلغ أقصاه مع الأميين لينخفض تدريجياً ويصل إلى أدناه مع الجامعيين. كما قلَّ التشدد عند مستخدمين الإنترنت مقارنة مع الذين لا يستخدمونه. أما بالنسبة للمهنة فالتشدد انخفض إلى أدناه مع الموظفين الحكوميين المدنيين وموظفي القطاع الخاص وبلغ أعلاه مع العاطلين عن العمل ثم المتقاعدين ثم العسكريين. كذلك فالاتجاه العام للتشدد انخفض مع زيادة الدخل.

الطريف بالنسبة للحالة الاجتماعية أن التشدد بلغ أقصاه مع فئة مطلق وأرمل وهبط إلى أدناه مع فئة متزوج وأعزب، مما يوحي بتأثير التجربة الشخصية والاستقرار الاجتماعي على الموقف تجاه قضايا المرأة.

الخلاصة العامة التي يمكن الوصول إليها من هاتين الدراستين أن التشدد مرتفع تجاه قضايا المرأة في المجتمع السعودي، وأنه ينخفض في المدن الكبرى، كما ينخفض مع زيادة الوعي المعرفي ممثلاً في زيادة المستوى التعليمي واستخدام الإنترنت. كذلك ينخفض التشدد مع الاستقرار الوظيفي وزيادة الدخل ومع الاستقرار الاجتماعي.

ولنا أن نسأل هل التشدد العربي تجاه حقوق المرأة والحساسية المفرطة في هذا الموضوع، هل هي حالة عربية استثنائية تمتد جذورها في الثقافة العربية وطابعها القبلي والبدوي؟ هل هي فهم متشدد لتعاليم الدين؟ هل هي حالة اقتصادية موقع المرأة فيه هامشي وبالتالي يصبح وضعها الحقوقي مهملا؟ هل المسألة مرتبطة بالتمدن ومستوى التعليم والثقافة؟

هل يخشى الرجل العربي من أن تكون حقوق المرأة على حساب حقوقه وسلطته المطلقة؟ لماذا يرتضي مجتمع أن يقوم نصفه بقمع نصفه الآخر؟ لماذا يكون حق تعليم وعمل المرأة بيد الرجل وكأن المرأة إنسان غير عاقل لا نثق بقراراتها رغم أنها أصبحت تتبوأ أعلى المناصب؟ كيف يمكن السماح العلني بالعنف الأسري من الرجل تجاه المرأة دون أن تتم حمايتها إلا في حدود ضيقة؟ كيف يمكن السماح العلني لأب يحجر على ابنته طوال عمره، أو زوج يهجر زوجته ويغلق عليها منافذ الحياة دون أن يعطيها حق الطلاق؟ كيف يمكن السماح العلني أن يستولي أب على راتب ابنته أو لزوج على راتب زوجته!

لماذا يرضى كثير من القضاة بالتمييز ضد المرأة رغم أن كثير من القوانين المحلية والتعاليم الدينية تساوي بين الجنسين، ورغم توقيع جميع الدول العربية على المواثيق الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة؟ فكما ذكر تقرير التنمية البشرية العربية عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان «نحو نهوض المرأة في الوطن العربي»: إن مما يزيد وطأة عدم المساواة بين الجنسين في البلاد العربية أن كثيراً من القضاة يمارس سلطته بإضافة معايير تمييزية أخرى ضد المرأة وفقا للعادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة.

لعل العادات والتقاليد القديمة هي العامل المحدد في هذا التشدد، كما استنتجنا من نتائج دراسة مركز أسبار بأن التشدد يقل في المدن الكبرى.. فالمعروف أن الضبط الاجتماعي في المدينة يكون للأنظمة والقوانين بينما في البلدات والريف يكون للعادات والتقاليد والأعراف. إلا أن مدننا حديثة جداً وهي في حاجة ماسة لمزيد من التوعية والتشريعات ومؤسسات المجتمع المدني.

فعلى سبيل المثال، تشكلت حديثاً لجان لكل منطقة في المملكة تحت مسمى «لجنة الحماية الاجتماعية» التابعة للإدارة العامة للحماية الاجتماعية، إضافة لبعض الجهات الأخرى التي نشأت مؤخراً مثل برنامج الأمان الأسري الوطني (الذي تم إنشاؤه لحماية المرأة والطفل من العنف) والمركز الخيري للإرشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية، وهيئة حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الأهلية والحقوقية..

وكثير من هذه الجهات تتطور بشكل مستمر سواء عبر أدائها أو عبر أنظمتها ولكنها لا تزال في مراحلها المبكرة وقاصرة عن أداء وظائفها بفعالية بسبب أن نسبة كبيرة من الناس تنكر وجود عنف أسري، معتقدة أن في الإنكار ستر.. وكثير منهم بالأساس لا يعرف أن ما يحدث من حالات تصنف تحت مصطلح «عنف أسري»، هي فعلاً عنف ضد المرأة تعاقب عليه الأنظمة، فالمصطلح حسب التعريف الرسمي لا ينحصر بالاعتداء الجسدي بل أيضاً المعنوي كالترهيب والتحقير أو مصادرة الحقوق كالاستيلاء على الراتب والممتلكات أو العضل أو الحرمان من الحقوق كالتعليم والعمل.. الخ.

الادعاء بعدم وجود سلبياتنا الاجتماعية وممارساتنا القمعية ضد المرأة لا يؤدي إلى اختفائها بل سيفاقمها.. فلا بد من إلقاء الضوء على تلك الممارسات ومناقشتها دون حساسيات مسبقة، وتحليلها والحوار حولها بشفافية.. فتنوير العقول ليست مسألة فكرية بعيدة عن الممارسة، والتغير في السلوك يبدأ من العقل أولا.. لذا فالتنوير هو قاعدة انطلاق للإصلاح والتحرر ناقلاً سلوكياتنا من طبيعتها التقليدية التلقائية إلى سلوك واع وعقلاني..

alhebib@yahoo.com
 

التشدد تجاه قضايا المرأة في المجتمع السعودي
د. عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة