Monday  27/09/2010 Issue 13878

الأثنين 18 شوال 1431  العدد  13878

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

يعتقد كم كبير من الناس في العالم العربي والسعودية بشكل خاص, أنهم أوصياء الله في الأرض, لهم الحق كل الحق, في التدخل في خصوصيات الناس وشؤونهم وشجونهم الخاصة كيف ومتى أرادوا ذلك.

يتابعون قصص البشر وحكاياتهم, يخططون لهم حياتهم, ويرسمونها بتفاصيلها, وكيف يجب أن يعيشونها بما يتناسب مع عاداتهم هم وقناعاتهم واستعداداتهم الخاصة.

يعتقدون أنهم مكلفون بإصلاح أوضاع المجتمع ومشكلاته المتعددة, وأنهم وحدهم القادرين على إنقاذ العالم من الشر والفساد الاجتماعي والرذيلة, حين يتدخلون ويتطفلون على حياة الآخرين ويفكرون بالنيابة عنهم ويفرضون آراءهم وقناعاتهم الشخصية عليها بضمير مطمئن ومرتاح, ويطالبونك بالانصياع إلى نصائحهم وتوجيهاتهم الحكيمة, حين يباغتونك بأسئلة تقطر»لقافة» عن حياتك الخاصة يتبعها كومة من النصائح المعتادة فهم يعتقدون أحياناً أنك غبي وساذج و(يا حليلك) ولا تعرف ما يعرفون من الأخطار التي تهدد أركان المجتمع وقيمه.

وبالعودة إلى التاريخ يتبين جلياً أن الوصاية الاجتماعية مفهوم قديم وذا إرث تاريخي ممتد, حين رضيت الشخصية العربية على ما فيها من شموخ وأنفة أن ترتمي في حضن القبيلة «الأم والوطن» وأن تذوب من خلالها كل معالم شخصية الفرد إلى الدرجة التي سلم لها أفراد القبيلة زمام عقولهم وأفكارهم.

ولا غرابة في ذلك حيث كانت القبيلة المسؤولة عن كل ما يتعلق بأفرادها ومسؤولة عن تأمين المسكن والغذاء والأمن والحماية المطلقة لرجالها ونسائها وأطفالها وكهولها.

ولكن انتهى زمن الشيخ والخيمة والقبيلة وأصبح لكل عائلة منزل بسور مرتفع وأنيق ولكن ما برحت تلك النزعة موجودة ومتوقدة في داخل نفوس الكثيرين الذين سخروا حياتهم بكل ما فيها من أجل التطفل والتدخل أحياناً ليس بغرض الإصلاح وإن كان الإصلاح ليس مبرراً أبداً ولكن من باب (اللقافة) والفضول لمعرفة ما يدور في حياة الآخرين والحصول على امتياز السبق في آخر الأخبار في الساحة الاجتماعية.

ولو اشتغل هؤلاء في العمل الصحفي لأصبحوا نجوماً في صحفهم ومجتمعاتهم لقدرتهم وطاقتهم المسخرة لالتقاط الأخبار الحصرية من هنا وهناك.

فمن يوقف هؤلاء يا ترى؟؟ وما هو الذي يغذي شرههم المتواصل في طرح الأسئلة والإصرار على الحصول على إجابة كافية ووافية؟؟

باعتقادي أنه المجتمع نفسه, والأفراد أنفسهم هم السبب في تواصل هذه الأزمة حين سمحوا ذات ضعف للآخرين في التدخل في خصوصياتهم وحين جعلوا من بيوتهم وأسوارها جدراناً قصيرة يسهل تسلقها والقفز فوقها وحين فتحوا النور الأخضر و- هم الكبار الراشدين - للآخرين لتقرير مصائرهم وتخطيط حياتهم هم وأبنائهم فألغوا عقولهم واغتالوا شخصياتهم وخصوصياتهم, فكما يقول المثل: (لا أحد يستطيع ركوب ظهرك إلا إذا كنت منحنياً) كما أن الآخرين لن يتغلغلوا في حياتك ويصبحوا جزءاً مقلقاً فيها إلا إذا رحبت بهذا التطفل وساعدتهم عليه.

وللإنصاف هناك وصاية إيجابية راشدة مقبولة يحتاجها المجتمع من أجل تماسك أسسه، ولأهميتها في سموه ورقيه، وأخرى سلبية استغلت نفوذ تمدد جذور الأولى فانتشرت في مجتمعنا القديم بعد أن صنعتها عقول نفعية في غفلة من الزمن لخدمة مصالح وقتية, أو لإرضاء نزعات مرضية ذاتية؛ ثم وجدت قبولا وتسليما حتى هذه اللحظة، فباغتتنا بقسوة وفرضت نفسها تحت وطأة بعض العادات والتقاليد التي لو فتشنا فيها فلن نجد تحتها شيئاً صالحاً وذا قيمة، وهي بالتأكيد ليست من عليا مثلنا ولا تقاليدنا وكثيراً ما روج البعض لهذه الوصاية خلف ستار ديني، والدين منها براء.

من المؤسف المحزن أنك لو نظرت لحياة كثير من الناس الذين يمارسون التطفل والانتقاد بلذة ومتعة منقطعة النظير، ستجدها مليئة بالعيوب، تكتنفها الذنوب والخطايا، وكأن ملاحقتهم لأخبار الناس والتعليق عليها هي الهروب الكبير من واقعهم المؤلم، وإنكار لما يمارسونه من المكاره، ومحاولة مثيرة للعزاء للكذب على أنفسهم وخداعها بإيهامها أنهم يعيشون حياة مرضية وسعيدة طاهرة ونقية.

أخيراً.. لنا في سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم خير قدوة وأسوة حين رفض صراحة كل الوصايات التي تفرض على الفرد ما لم تكن وصاية راشدة وهذا الرفض يأتي حتى مع حسن نية الموصي وسلامة غايته حين قال ببلاغة مذهلة (من حسن إسلام المرء, تركه ما لا يعنه) أو حين قال عمر رضي الله عنه: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).

و من المؤكد أن الاستعباد هنا ليس الرق بمفهومه المادي بل أبعد من ذلك، فالحرية التي كان ينشدها عمر رضي الله عنه فيها هدم لكل وصاية عرقية أو مذهبية أو حتى اجتماعية.

لقاؤنا الأسبوع المقبل, حتى ذلك الحين أتمنى أن تمتعوا أنفسكم بتجربة الشعور بالاستقلالية والخصوصية والحرية! وتودعوا المتطفلين في حياتكم إلى الأبد, تجربة ممتعة وإلى اللقاء.

 

ربيع الكلمة
دعوا الخلق للخالق!!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة