Tuesday  28/09/2010 Issue 13879

الثلاثاء 19 شوال 1431  العدد  13879

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

لسنا ملزمين بأن نضج بالشكر أو بالشكوى عندما توقفنا المناسبات السعيدة، ولاسيما أن الاحتفالية يوليها الخاصة والعامة جلَّ اهتمامهم، ومن المحتمل أن تكون طائفة من ناشئة البلاد لا تدري ما اليوم الوطني معتمدين على الحب الجِبليِّ؛ فكل

مولود يحنّ إلى مسقط رأسه، و»ما الحب إلا للحبيب الأول»، والحب الجِبليّ لا يكون ذا قيمة ما لم يُترجم إلى موقف، والموقف لا يكون مُجدياً حتى يستجيب لمتطلبات المرحلة المعاشة، وقيمة الإنسان فيما يحسنه من أداء يجعله عائلاً لا معولاً، ووطن بهذه المكانة والإمكانيات يتطلب إنساناً بمستواه يتناغم مع إمكانياته، ويدرأ عنه عوادي الزمن وكيد الأعداء.

وقدر الأمة السعيد أن اليوم الوطني لم يكن من الشعارات الفارغة، إنه لحظة تاريخية لها ما بعدها، فالمؤسس الذي أنفق من عمره ثلاثة عقود ونيفاً في معركة التكوين توّج تلك الجهود الموفقة بإعلان قيام دولة حضارية تقف جنباً إلى جنب في مصاف دول سبقتها في المؤهلات والإمكانيات، وهي إذ جاءت متأخرة فقد انتهبت الخطى لتدارك ما فات. هذا الإعلان المسدد الذي جاء في وقته وأنهى عقوداً من الفوضى والتشرذم مكّن المؤسس وأبناءه من بعده من تخطي كل العقبات المستعصية، وهل من عقبات تماثل التعصب الإقليمي والقبلي المسكون بالفقر والجهل والمرض، وهو الثالوث البغيض الذي أردى أمماً ونفاها من متن التاريخ.

وإذ يكون الوطن مجموعة قيمة لا حفنة تراب فإنها بادية للعيان، ومن فضول القول تكرار ما هو معلوم بالضرورة، والأهم أن نمتلك الآليات والذهنيات القادرة على استيعاب تلك الإمكانيات والتعامل من خلالها بوعي، فالنعم إنْ شُكِرت قرَّت، وإن كُفِرت فَرَّت، والشكر ليس مجرد قول نُطلقه من أفواهنا ثم لا نُتبعه بعمل مناسب، والله سبحانه وتعالى حين أنعم على آل داود بأن هداهم إلى الدين القويم وأمدهم بالأموال طلب منهم الشكر القولي والعملي: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}، فهو سبحانه حين سخّر الريح وأسال عين القِطْر وسخّر الجن يعملون له محاريب وتماثيل وجفاناً وقدوراً راسيات طلب الشكر لتثبيت تلك النعم، ولو نظرنا نحن في أوضاعنا وما أفاء الله به علينا من نِعَم ظاهرة وباطنة لكنا أحق من غيرنا بالشكر.

لقد فجَّر الله لنا الأرض عن كنوز يسيل لها لعاب العالم المتقدم، وشرَّفنا بخدمة أقدس البقاع، وجعل أفئدة الناس تهوي إلينا، وهيأ لنا حكومة تُحكِّم شرع الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدفع بالتي هي أحسن، وجُبِيَتْ لنا أحدث الصناعات وأدق التقنيات وأطيب المأكولات وأجمل الملبوسات، فكنا قادرين على الشراء متمكنين من الانتفاع، هذه النِّعَم التي نُحسد عليها لا يمكن أن تقرَّ مع المعاصي ولا مع التنكُّر؛ فلله حق، وللوطن حق، وللقادة حق، وليس هناك تعارض بين تلك الحقوق، ومن استخف بها أو بشيء منها عرّض نفسه للعقاب، وعاش تحت طائلة قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ}.

وحاجة الوطن إلى جهود أبنائه قائمة في كل الأحوال، وهي اليوم أشد قياماً، فالبلاد مكتنفة بفتن عمياء، إرهاب مُسْتشرٍ وأفكار منحرفة ومفاسد متنوعة, وقنوات ضرار لم تُؤسَّس على تقوى، ومواقع شريرة تشيع الفاحشة وتفتري الكذب، ولعب سياسية قاتلة، وتصدير ثورات وطائفيات وتكوين أحزاب تُفسد ولا تُصلح، وأخبار لا يتصدرها إلا القتل والتفجير والفيضانات والزلازل والأمراض المستعصية، وحين تدلهم الأمور وتستحكم حلقات الفتن يكون دور المواطن من أوجب الواجبات، وليس الدور في اعتزال الفتن ولزوم الصمت، وإن كان هذا أضعف الأدوار، إلا أن الدور المطلوب أن يمتلك المواطن حساً أمنياً وعيناً واعية تستبق الأحداث وتحول دون استغلال الغفلات، فالأعداء والمناوئون يسرحون ويمرحون، ولو تحمَّل المواطن مسؤوليته الوطنية لحال دون تلك العصابات والنزوان على صهوات الفتن.

إنَّ الوطن اليوم ليس بحاجة إلى ضجيج الهتاف في ساعة من نهار ثم النوم إلى العام القادم، الوطن بحاجة إلى جهد أبنائه وتفانيهم ويقظتهم، فليكن العام كله يوماً وطنياً نُسائل فيه أنفسنا ونستحث فيه جهودنا وندرأ فيه عن أرضنا كل العاديات، وإن لم نفعل أصبحنا مشروع فتنة عمياء تأكل الحرث والنسل.

ولقد يكون لنا فيما يتعرض له العالم الإسلامي من نكبات ونكسات عبرة وموعظة، والعاقل من وعظ بغيره.

وبعد: فهنيئاً لهذه الأمة بوطنها، وهنيئاً للوطن بقادته، وكل مناسبة ونحن من خير إلى خير ومن عزّ وتمكين إلى عزّ وتمكين، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

 

فليكن العام كله يومًا وطنيًّا!
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة