Tuesday  28/09/2010 Issue 13879

الثلاثاء 19 شوال 1431  العدد  13879

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

بين هذين الاثنين وأضرابهما عامل مشترك يتمثل في الشخصية المريضة (psychopathy) أو غير السوية. مثل هذه الشخصية تتميز بالإصرار على الباطل حتى مع علمها بأن أغلب الناس يدمغونه. والغرض من هذا الإصرار قد يكون ساذجاً تلقائياً لا حيلة لهم فيه، وينحصر في الأمور الحياتية الغريزية مثل الإدمان أو الشذوذ والانحراف الاجتماعي بجميع صوره. ولكنه قد يكون مبيّتاً وواجهة لغرض آخر، أي يسوقه وعي وتخطيط (سبق إصرار كما يقال).

وهذا هو ما أرى أنه العامل المشترك بين الطائفي المتطرف ياسر الحبيب والقس المتعصب تيري جونز. الأول عقد مع ملهمه وأستاذه مجتبى الشيرازي لقاء في لندن بمناسبة ذكرى وفاة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وكان هدفه النيل من طهرها وفضلها وصب اللعنات عليها, خروجاً على إجماع المسلمين ومنهم علماء الشيعة الأفاضل مثل العالم محمد فضل الله - رحمه الله - والشيخ حسن الصفار وغيرهم, ومشاققة لكلام الله المنزل الذي برأ عائشة من الإفك المفترى عليها الذي سماها وغيرها من زوجات الرسول - عليه الصلاة والسلام - أمهات المؤمنين.

ومع أن هؤلاء يدركون أنه لا يمكن تلويث صفحة ناصعة البياض بقذارات سوف ترتد إليهم إلا أنهم يصرون على الحنث العظيم. ما الذي يدفعهم لذلك؟ إنه الشيء ذاته الذي يدفع القس تيري جونز إلى إعلان عزمه على حرق المصحف الشريف أمام كنيسته الصغيرة في فلوريدا. الرغبة في البروز والشهرة أولاً وما ينسحب وراء ذلك من تجميع مناصرين وأتباع، والرغبة ثانياً في تفجير كوامن الحقد والكراهية التي تمتلئ بها نفس كل منهما إزاء عقيدة معينة استقطبت أغلب الناس واجتمعوا حولها. هاتان خاصيتان تتصف بهما كل شخصية غير سوية: النشوز عن الجميع وهذا النشوز يولد الحقد والكراهية على ما يجتمع عليه الناس.

وهناك شيء مشترك آخر بين هذين المتطرفين وهو اختيار ذكرى حادثة معينة حتى تكون مناسبة تصلح لتسويغ أو تسويق أو دس أفكارهما ونواياهما المبيّتة وتصلح للفت الأنظار إليهما. وكما اختار ياسر الحبيب ذكرى يوم وفاة أم المؤمنين عائشة اختار القس تيري جونز ذكرى 11 سبتمبر.

ولكن الغرض الفعلي ليس إثارة الحادثة نفسها بقدر ما هو استغلالها لتحقيق غرض أكبر وأضل. فهذا المتطرف الضارب في الغلو ياسر الحبيب ومعلمه الشيرازي يرمي إلى الهدف الذي كان المنافقون يرمون إليه من وراء إذاعة فرية الإفك آنذاك. وهو إحداث شرخ في جماعة المسلمين وإثارة الشك في أهل بيت الرسول مما يوهن من قوة الدين ويثير النزاع والفتنة بين المسلمين لكي تعود العصبية والزعامات القبلية إلى سابق عزها. وهذه الفئة التي يتزعمها مجتبى الشيرازي وربيبه ياسر الحبيب هي فئة منافقة لأنها تتبع منهجية المنافقين وتحذو حذوهم.. فإنهم أيضاً يرمون إلى إحداث انشقاق بين المسلمين وتعميق هوّة الخلاف بين مذاهبهم حتى يضعف الدين الإسلامي نفسه مما يهيئ المناخ لعودة العصبية القومية والهيمنة الإمبراطورية - التي دفنها التاريخ - إلى الحياة مرة أخرى. وهذا غرض سياسي بحت - ليس فيه من الدين شيء ولكنه يختفي وراء التعصب والغلو المذهبي وهذا هو النفاق بعينه.

وليس بعيداً عن ذلك غلو التكفيريين وبعض المتشددين الذين يعدون أنفسهم من السنة والذين يهدفون - بشكل مباشر أو غير مباشر - باسم الدين والحاكمية إلى إضعاف الدول الإسلامية ويسيسون الإسلام على هواهم ويغرسون في نفوس من يغررون بهم بذور الحقد والكراهية والاستهانة بأرواح جماعة المسلمين أطفالاً ونساء ورجالاً وشيوخاً دون اكتراث بأنهم في هذا يحادون الله - عز وجل - الذي يقول في محكم تنزيله {... وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}. أليس هذا هو النفاق بعينه كذلك؟

أما المتطرف الآخر تيري جونز فيكفيه من صفة النفاق أنه اعترف أنه لم يقرأ القرآن ولا يعرف شيئاً عن محتواه. فما الذي يدفعه إذاً إلى إعلان نيته في حرق المصحف الشريف؟ ألم يكن في إمكانه المشاركة في إحياء ذكرى 11 سبتمبر بطريقة أخرى كما يفعل بقية الأمريكان؟ (وهو ما أرغم عليه في نهاية المطاف بسبب استهجان الجميع لفكرته وما يمكن أن يسببه من ردود فعل ضارة بالجنود الأمريكان في أفغانستان وبالمصالح الأمريكية والكنسية نفسها).

إن القس المهووس كان يريد توجيه إهانة للمسلمين وتعميق هوّة الخلاف الثقافي والعقدي بين المسلمين في أنحاء العالم وبين المسيحيين وتأجيج مشاعر الكره والعداء - كيلا تقوم للإسلام قائمة - خاصة في بلاد الغرب. وهو بهذا يدعم التيار الذي بدأ يهب في العالم الغربي مدفوعاً بالخوف والتوجس من انتشار المظاهر الثقافية الإسلامية (إسلاموفوبيا) - وهي مظاهر شرقية وليست كلها بالضرورة إسلامية - ويغذيه متطرفون على شاكلة زعيم اليمين الهولندي فيلدر والاشتراكي الألماني سارازين. و إذا تذكرنا التاريخ القريب للعالم الغربي ومصير الأقليات فيه - فلا يستبعد أن هذه الإسلاموفوبيا التي يغذيها هؤلاء المتطرفون هي نوع من التعصب الثقافي الذي يخفي وراءه تعصباً عرقياً. وربما لهذا السبب لا يجد هؤلاء المتطرفون أنصاراً كثيرين في المجتمعات الغربية. تماماً كما أن المتطرفين الإسلامويين (مهما اختلفت الخلفية المذهبية) لا يجدون حشوداً تناصرهم. لكن الغلو والشخصية المريضة هي السمة المشتركة بينهم وهي التي تجعل منهم منافقين.

 

التوأمان ياسر الحبيب وتيري جونز
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة