Friday  01/10/2010 Issue 13882

الجمعة 22 شوال 1431  العدد  13882

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أول من أسلم من الفرس، صحابي جليل، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا أهل البيت، كان يسمي نفسه سلمان الإسلام، كان من بيت الملك، وأولاد الملوك في بلاد فارس،

وأصله من مجوس أصبهان، لكنه رفض هذه الديانة، وشعر بفطرته أنها فاسدة، وأن في عقله منادياً يدعوه إلى الطريق الصحيح، فرحل في سبيل ذلك، بقصة طريفة متعبة، ولكنها خير، يرصد في حياته ومسيرتها، وفي فضله ومكانته رضي الله عنه، فأنقذه الله من الضلالة إلى الهدى، ووفقه الله بالخروج من الظلمات إلى النور.

وقال سلمان لأبي عثمان النهدي: أتعلم مكان رام هرمز؟ قال: نعم، قال: فإني من أهلها، ولعل أوفى ما يرصد في سيرة سلمان الفارسي، رضي الله عنه، تلك الحكاية الطويلة، في الرحلة إلى طلب الاسترشاد، لدين الله الحق، حيث انتهى مشواره الطويل الغريب، باللقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتصديق بما جاء به ومصاحبته، وأكرم بها من نتيجة، وقد أوردها ابن سعد بروايته سنداً إلى ابن عباس رضي الله عنهما، نجترئ منها ما يتلاءم مع الحيز.

يقول ابن عباس: حدثني سلمان الفارسي، حديثه من فيه، قال: كنت رجلاً من أهل أصبهان من قرية يقال لها: جي، وكان أبي دهقان أرضه، وكنت من أحب عباد الله إليه، فمازال في حبه إياي حتى حبسني في البيت، كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجسوية، حتى كنت قاطن النار، التي نوقدها لا نتركها تخبو، وكانت لأبي ضيعة في بعض عمله، وكان يعالج بنياناً له في داره، فدعاني وقال: أي بني، إنه قد شغلني بنياني كما ترى، فانطلق إلى ضيعتي، فلا تحبس علي، فإنك إن فعلت شغلتني عن كل ضيعة، وكنت أهم عندي مما أنا فيه.

فخرجت فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعت صلاتهم فيها، فدخلت إليهم أنظر ما يصنعون، فلم أزل عندهم وأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت في نفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم حتى غابت الشمس، وما ذهبت إلى ضيعة أبي، ولا رجعت إليه، حتى بعث الطلب في أثري، وقد قلت للنصارى حين أعجبني، ما رأيت من أمرهم وصلاتهم، أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام ثم خرجت فرجعت إلى أبي فقال: أين كنت أي بني؟ قد كنت عهدت إليك، وتقدمت ألا تحتبس؟ قلت: إني مررت على ناس يصلون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا، فقال لي: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم، قلت كلا والله، فخافني أبي وجعل الحديد في رجلي وحبسني.

وأرسلت إلى النصارى، أني قد رضيت دينكم وأخبرتهم، وقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام فآذنوني، فقدم عليهم وفد من التجار فأرسلوا إلي، فأرسلت إليهم: إن أرادوا الرجوع فأذنوني؟ فلما أرادوا الرجوع، أرسلوا إليّ فرميت بالحديد عن رجلي ثم خرجت، فانطلقت معهم إلى الشام، فلما قدمت سألت عن عالمهم، فقيل لي صاحب الكنسة أسقفهم، فأتيته فأخبرته خبري، وقلت: إني أحب أن أكون معك أخدمك، وأصلي معك، وأتعلم منك، فإني قد رغبت في دينك، قال: أقم.. فكنت معه وكان رجل سوء في دينه، وكان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا له الأموال، اكتنزها لنفسه، حتى جمع سبع قلال: دنانير ودراهم، ثم مات فاجتمعوا ليدفنوه.

فقلت لهم: تعلمون أن صاحبكم هذا رجل سوء، فأخبرتهم ما كان يصنع في صدقاتهم، فقالوا: فما علامة ذلك؟ قلت أنا أريكم على ذلك، فأخرجته فإذا سبع قلال مملوءة ذهباً وفضة، فلما رأوها قالوا: والله لا نغيبه أبداً، ثم صلبوه على خشبة، ورجموه بالحجارة، وجاؤوا بآخر، فجعلوه مكانه، قال سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس، كان خيراً منه، أعظم رغبة في الآخرة، ولا أزهد في الدنيا، ولا أدأب ليلاً ولا نهاراً منه، فأحببته حباً ماعلمت أني أحببت شيئاً كان قبله، فلما حضره قدره، قلت له: إنه قد حضر من الله ما ترى، فماذا تأمرني، وإلى من توصي بي؟ قال: أي بني ما أرى أحداً من الناس على مثل ما أنا عليه، إلا رجلاً بالموصل، فأما الناس فقد بدلوا وهلكوا.

فلما توفي أتيت صاحب الموصل، فأخبرته بعهده إليّ أن ألحق به، وأكون معه، قال: أقم. فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، على مثل ما كان عليه صاحبه، ثم حضرته الوفاة فقلت: إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني به؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحداً على أمرنا، إلا رجلاً بنصيبين، وهو فلان فألحق به، فأتيت على رجل مثل ما كان عليه صاحباه، فأخبرته خبري، فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، فلما حضرته الوفاة قلت له: إن فلاناً أوصى بي فلانا، وفلانا إلى فلان، وفلانا إليك، فإلى من توصي بي؟ قال: أي بني ما أعلم أحداً من الناس، على ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية، من أرض الروم، فإن استطعت أن تلحق به فالحق.

فلما توفي لحقت بصاحب عمورية، فأخبرته خبري، وخبر من أوصى بي، حتى انتهيت إليه، فقال: أقم. فأقمت عنده فوجدته على مثل ما كان أصحابه، فمكثت عنده ما شاء الله أن أمكث، وشاب لي شيء اتخذت بقرات وغنيمة، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: أي بني والله لا أعلم أنه أصبح في الأرض أحد، على ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، يخرج في أرض مهاجرة، وقراره ذات نخل بين حرتين فإن استطعت أن تخلص إليه فاخلص، وإن به آيات لا تخفى:

إنه لا يأكل الصدقة، وهو يأكل الهدية، وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته، قال سلمان: ومات فمر بي ركب من كلب، فسألتهم عن بلادهم، فأخبروني عنها، فقلت: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي، على أن تحملوني حتى تقدموا بي أرضكم؟ قال: نعم فاحتملوني حتى قدموا بي وادي القرى، فظلموني فباعوني عبداً، من رجل من يهود، فرأيت بها النخل فطمعت أن تكون البلدة التي وضعت لي، وما حقت لي، ولكني قد طمعت حين رأيت النخل، فأقمت عنده، حتى قدم رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه ثم خرج لي، حتى قدمت المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفتها بصفة صاحبي، وأيقنت أنها هي البلدة التي وصفت لي، فأقمت عنده أعمل له في نخله في بني قريظة، حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وخفي علي أمره، حتى قدم المدينة، ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.

فوالله إني لفي رأس النخلة، وصاحبي جالس تحتي، إذ أقبل رجل من يهود بني عمه، حتى وقف عليه، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قبلة إنهم آنفاً ليتقاصفون على رجل بقباء، قدم من مكة يزعمون أنه نبي، قال سلمان فوالله إن هي إلا مالها، فأخذني العرواء، فرجفت النخلة حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ثم نزلت سريعاً، أقول: ماذا تقول، ما هذا الخبر؟

ثم قال سلمان فرفع سيدي يد فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك. قلت: لا شيء إنما أردت أن استثبته هذا الخبر، الذي سمعته يذكر، فقال: أقبل على شغلك، فأقبلت على عملي ولهيت به، فلما أمسيت جمعت ما كان عندي، ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت: إنه بلغني أنك ليس بيديك شيء، وأن معك أصحاباً لك، وأنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به، فجئتكم به، ثم وضعته له، فقال رسول الله كلوا وأمسك هو، قلت في نفسي هذه والله واحدة، ثم رجعت وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجمعت شيئاً ثم جئته، فسلمت عليه، وقلت له، إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به، من هدية أهديتها كرامة لك ليست بصدقة، فأكل وأكل أصحابه.

قال سلمان: قلت في نفسي هذه أخرى، ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته فوجدته في بقيع الفرقد، قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان، مؤتزراً بواحدة مرتدياً الأخرى، فسلت عليه ثم عدلت لأنظر في ظهره، فعرف أني أريد ذلك واشتبه، فقال بردائه فألقاه عن ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة، كما قال صاحبي، فأقبلت عليه أقبّل الخاتم، من ظهره وأبكي، فقال لي: تحول عنك فتحولت فجلست بين يديه، فحدثته حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك وأحب أن يسمعه أصحابه ثم أسلمت وشغلني الرق، وما كنت فيه حتى فاتني بدر وأحد، ثم قال لي رسول الله كاتب، فسألت صاحبي ذلك، فلم أزل حتى كاتبني، على أن أحيي له بثلثمائة نخلة، وأربعين أوقية من فضة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينوا أخاكم بالنخل، فأعانني كل رجل بقدره، بالثلاثين والعشرين والخمس عشر والعشر، ثم قال: يا سلمان أذهب، ففقر لها فإذا أنت أردت أن تضعها، فلا تضعها حتى تأتيني، فتؤذنني فأكون أنا الذي أضعها بيدي، فقمت في تفقيري، فأعانني أصحابي حتى فقرنا شرباً ثلثمائة شربة، وجاء كل رجل بما أعانني به من النخل.

ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضعها بيده، وجعل يسوي عليها شربها ويبرك حتى فرغ منها، رسول الله، جميعاً، فلا والذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية، وبقيت الدراهم، فبينما رسول الله في أصحابه ذات يوم، إذ أتاه رجل من أصحابه، بمثل البيضة من ذهب، أصابها من بعض المعادن فتصدق بها إليه، فقال صلى الله عليه وسلم ما فعل الفارسي؟ المسكين المكاتب، أدعوه لي فدعيت له، فجئت إليه، فقال: أذهب بهذه فأدها عنك مما عليك من المال، فقلت: وأين يقع هذا مما لدي يا رسول الله؟

قال صلى الله عليه وسلم: إن الله سيؤدي عنك، قال سلمان: فوالذي نفسي بيده، لوزنت منها له أربعين أوقية حتى وفيته الذي له، وعتق سلمان وشهد الخندق، وبقية المشاهد مع رسول الله حراً مسلماً حتى قبضه الله، وقد قيل أنه طال عمره حتى أنه بلغ قرابة 300 سنة وقيل أقل من ذلك بكثير والله أعلم، وقد روى البخاري ومسلم عنه 60 حديثاً، وقد ألف في سيرته أكثر من كتاب رضي الله عنه، ولمكانته قال عنه رسول الله: سلمان منا آل البيت.

 

رجال صدقوا..
سلمان الفارسي
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة