Sunday  10/10/2010 Issue 13891

الأحد 02 ذو القعدة 1431  العدد  13891

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

يعلم فخامة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. بأن القمة العربية الثانية والعشرين التي عُقدت في مدينة «سرت» الليبية في شهر مارس الماضي.. اتخذت قراراً وحيداً هاماً يخص القضية الفلسطينية ومشاريع سلامها المتعثرة، هو..

«أن لا مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل إلا بعد إيقاف الاستيطان في أراضي الضفة الغربية عموماً والقدس خصوصاً»، ومع ذلك.. استطاع «الرئيس» بوعوده للفلسطينيين، وضغوطه عليهم، واستخدامه الذكي لكتلة المعتدلين والعقلاء العرب.. أن يجعل «القمة» تلحس قراراتها، أو - في الأقل - تغض الطرف عنها.. بما يسمح للفلسطينيين بالذهاب إلى تلك المفاوضات «غير المباشرة»، التي أصرت عليها إسرائيل.. بداية، كشرط لعودتها إلى مائدة التفاوض بناء على رغبة الرئيس.. وصولاً إلى حل «الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام»، الذي لمع في ذهن سلفه (بوش.. الابن) في العام الثاني من ولايته الأولى.. ثم لم يتذكره إلا قبيل عام من نهاية ولايته الثانية والأخيرة، وإن ظل يدندن عليه.. طيلة سنواته وإلى أن غادر غير مأسوف عليه.

لقد ذهب مندوبو السلطة الفلسطينية.. إلى تلك المفاوضات «غير المباشرة» المثيرة إلى حد «السخرية»، و»المضحكة» إلى حد البكاء.. لأنها تجري بعد سبعة عشر عاماً من التفاوض المباشر مع إسرائيل بكل درجاته ومستوياته، لتنتهي تلك المفاوضات غير المباشرة.. دون أن يعلم أحد عما جرى فيها من أحداث.. باستثناء حدث «التوافق» بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.. على الانتقال بعدها إلى المرحلة الثانية.. وهي «المفاوضات المباشرة»، التي ما كان يمكن جر العرب والفلسطينيين إليها إلا بقرار إسرائيلي ب «إيقاف الاستيطان»..!

هنا تحرك الرئيس.. ولكن وبدلاً من أن يحمل «إسرائيل» - وهو.. الوحيد القادر - على إيقاف الاستيطان.. طوال مدة المفاوضات التي قُدرت بعام، استطاع رغم (منيو) المشهيات الذي قُدم ل «نتنياهو».. أن يحصل منه على قرار بتجميد (الاستيطان) لأربعة أشهر.. انتهت في السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، ليستأنف «المستوطنون» - كما تزعم الحكومة الإسرائيلية - أعمال التمدد الاستيطاني مع مغيب شمس ذلك اليوم بصورة استفزازية.. وكأنهم كانوا ينتظرون لحظة انقضاء فترة تجميد الاستيطان التي أرغموا عليها.. بصبر فارغ، ليعاودوا الشروع في البناء مع انتهائها. فمشاهد «الخلاطات» الأسمنتية وهي تفرغ محتوياتها في قواعد المباني الجديدة - أو المحتملة - فوق أراضي الضفة الغربية.. التي تناقلتها شاشات التلفزيون مؤخراً هي خير شاهد على أن هؤلاء المستوطنين أو الحكومة الإسرائيلية التي تتوارى خلفهم وتتظاهر في ذات الوقت بأنها عاجزة عن كبحهم.. هم لصوص أراض، يسعون إلى المزيد منها في أراضي الدولة الفلسطينية المحتملة.. بأكثر من سعيهم إلى «السلام» العادل مع الفلسطينيين، وحل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام.. الذي ما زال يسعى إليه الرئيس أوباما، لتعود سبحة «المفاوضات المباشرة» مجدداً إلى النقطة التي وقفت عندها قبل بدئها في شهر يونيو الماضي: «أسلام» أم «استيطان»، ولتتخذ السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، وبقية فصائل المقاومة التي يشكل مجموعها منظمة التحرير الفلسطينية - باستثناء «حماس» و»الجهاد» و»الجبهة الشعبية» الرافضين أصلاً لمبدأ التفاوض مباشراً أو غير مباشر - قراراهم بالانسحاب من المفاوضات.. ما لم يتم إيقاف الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية: تمدداً أو توسعاً أو استحواذاً جديداً على المزيد منها.. خاصة وأن الشروط الإسرائيلية التي وضعتها قبل الانتقال إلى «المفاوضات المباشرة» لم تكن تتضمن شروطاً استيطانية جديدة: توسعاً أو تمدداً.. بل كانت تتضمن رغبة مضمرة يجري عليها التراضي بضم المستوطنات الإسرائيلية الثلاث الكبرى إلى الأراضي الإسرائيلية - إن قبل الفلسطينيون - عند وضع حدود الدولتين وتبادل الأراضي بينهما، أما بقية الشروط فقد كانت تتضمن ما يلي: عدم تهريب صواريخ للضفة الغربية، وعدم استئناف الهجمات الفلسطينية على إسرائيل، وعدم نشر قوات أجنبية في الضفة الغربية.. وكان ذلك رداً على مقترح أمريكي رائع - لم يقدر له النفاذ - قدمه مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي عمل في السابق منسقاً أمنياً أمريكياً للضفة الغربية، كما عمل قائداً لحلف شمال الأطلنطي في أوروبا.. حيث ترسخ لديه يقين عسكري بقدرة القوات المتعددة الجنسية على تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو ما جعل الشروط الفلسطينية في المقابل تدور حول ثلاث نقاط: ألا تستمر المفاوضات أكثر من عام. يتم في ختامها الاتفاق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود عام 67 عاصمتها القدس الشرقية، وإلا تنازل عن السيادة على الحرم الشريف، فلم يكن موضوع الاستيطان الذي تنبهت له القمة العربية الأخيرة.. وارداً لا عند الإسرائيليين طلباً، ولا عند الفلسطينيين رفضاً. إذ كان يكفي الفلسطينيون عند الانتقال إلى المفاوضات المباشرة همُّ تلك المستوطنات الثلاث الكبرى.. وكيفية إخلائها أو معالجة وضعها إجمالاً بتسويات جغرافية أو سياسية عندما يأتي موعدها، فما الذي جرى حتى يستغول المستوطنون هذا الاستغوال الاستيطاني المدعوم حكومياً.. وعلى هذا النحو، الذي نقلته للعالم مشكورة.. شاشات الفضائيات، بعد فترة التجميد.. التي كان في حكم المؤكد تمديدها لأربعة أشهر أخرى أو إلى نهاية العام على الأقل.. لإعطاء الفرصة لمزيد من الوقت حتى تظهر نتائج جولتي المفاوضات الأوليين؟

في غياب الإجابة السياسية عن هذا التحول.. لا يبدو أن أمام المتابعين لما يجري غير استرجاع حادثة البقرة وبني إسرائيل.. التي أفاض القرآن الكريم في توصيفها بشمولية ودقة تكشفان عن طبائع اليهود ومنهجية بني إسرائيل..!!

كان طبيعياً.. بعد هذه الانتكاسة التفاوضية، أن يعلن «أبو مازن».. عن انسحاب «السلطة» من المفاوضات المباشرة هذه ما لم يتم مجدداً الإعلان إسرائيلياً عن إيقاف الاستيطان بكل أشكاله، وهو ما لخصه رئيس المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات عندما قال ب «أن السلام والاستيطان خطان متوازيان لا يلتقيان».

وكان طبيعياً على الجانب الأمريكي في المقابل.. أن يتحرك الرئيس أوباما ثانية، هو وأركان إدارته.. من وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إلى مبعوثه الشخصي لعملية السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل.. لإنقاذ قطار المفاوضات المباشرة من التوقف، بل ومستعيناً بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السيدة «كاترين أشتون» التي التقت الرئيس أوباما في واشنطن، ثم عادت رأساً إلى القدس الشرقية.. لتحث الفلسطينيين على عدم النزول من عربة المفاوضات، في الوقت الذي تم فيه تسريب مسودة رسالة قيل إن «الرئيس» يعتزم توجيهها إلى «نتنياهو»، وهي رسالة مفزعة حقاً بما تضمنته من «مغريات سياسية وأمنية.. مقابل تمديد تجميد الاستيطان لستين يوماً»، مع «التعهد» من قبل الرئيس أوباما ب «استخدام الفيتو الأمريكي أمام أي توجه فلسطيني/ عربي إلى مجلس الأمن للاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية والقبول بشرعية المطالب الأمنية الإسرائيلية»، وب «إبقاء القوات الإسرائيلية في غور الأردن (أي حاجزاً بين تواصل الشعبين الأردني والفلسطيني) لأطول فترة ممكنة في إطار التسوية النهائية مع الفلسطينيين»..!!

إن هذه «المسودة».. إن صدقت، فإنها لابد وأن تحملنا إلى التوجه إلى فخامة الرئيس أوباما.. لنذكره - إن نسي - بأنه رئيس أقوى وأعظم دولة في العالم، وأن «إسرائيل» هذه التي يرجوها كل هذه الرجاءات، ويقدم لها كل هذه المغريات المبالغ فيها، من أجل تجميد البناء الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة ول «ستين يوماً» فقط.. إنما ولدت على يد أسلافه من الرؤساء الأمريكيين السابقين «روزفلت» ف «هاري ترومان»، الذي اشترى لها أصوات ثلاثة عشر دولة حتى يفوز قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في 29/ نوفمبر/ عام 1947م.. بالأغلبية لتقوم في أعقابه «إسرائيل»..!!

وإن في يد الرئيس الأمريكي إذا أراد.. ما هو أهم وأقوى مما جاء في هذه «المسودة» الاستجدائية، ففي يده أن يعلن صراحة بعدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة إجمالاً.. باعتباره أحد ركائز السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي سار عليها كل أسلافه.. ماضياً: من كلينتون إلى بوش (الأب) إلى كارتر.. إلى فورد ونيكسون، أما حاضراً.. فهناك مفاوضات تجري بين الطرفين على أساس حل الدولتين.. وهو ما يحتم تجميد الاستيطان وإلى نهاية هذه المفاوضات حتى لا يستمر الانسحاب الفلسطيني منها بما يفتح الأبواب لأطراف أخرى لا تطيقهم إسرائيل فضلاً عن الولايات المتحدة نفسها.

إن تصريحاً كهذا.. لن يغضب حتى «نتنياهو» فضلاً عن «ليفني» رئيس حزب كاديما أو «إيهود باراك» زعيم حزب العمل المؤيدين لتجميد الاستيطان، وسيُخرس المتهورين ومهاويس «شاس» و»إسرائيل بيتنا»، وسيُكسِب حتماً - على الجانب الآخر - الوساطة الأمريكية المزعزعة في عدالتها.. بعض مصداقيتها وبريقها المفقود.

كما أن في يد الرئيس أوباما - إذا أراد -.. أن يسرب ولو بطريق الخطأ أو السهو.. بأن الولايات المتحدة تفكر في إعادة النظر في استخدامها المفرط لمظلة «الفيتو» لحماية «إسرائيل» في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في مجلس الأمن.. خاصة وأن هذا الاستخدام قد أضر ويضر بمواقفها من أصدقاء إستراتيجيين في المنطقة لا يقلون أهمية لها عن الحليف الإسرائيلي.. ك «تركيا» مثلاً!!

لقد كان يتكرر دائماً.. وطوال مراحل التفاوض التي امتدت في مرحلتها الأخيرة قرابة ثلاثين عاماً.. أن على الفلسطينيين أن يكونوا مستعدين لاتخاذ قرارات «صعبة» حتى تحل «القضية».

ومعذرة يا فخامة الرئيس.. أن قلنا لك اليوم، بأن على الولايات المتحدة أن تتخذ هي نفسها بعضاً من تلك «القرارات الصعبة»، إذا أرادت أن يسير قطار المفاوضات المباشرة بسلام إلى غايته.. حتى يبقى كلٌّ في مكانه وتظل بقية الأمور تحت السيطرة.

 

معذرة يا فخامة الرئيس المفاوضات تحتاج إلى القرارات الأمريكية الصعبة.. قبل الإسرائيلية أو الفلسطينية..؟!
د. عبد الله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة