Sunday  10/10/2010 Issue 13891

الأحد 02 ذو القعدة 1431  العدد  13891

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

د. السدحان يُؤرِّخ لمقاومة التغيير في المجتمع السعودي ويضع افتتاح مدارس تعليم البنات أنموذجاً

رجوع

 

كتب - محرر الوراق :

يتناول هذا الكتاب الذي ألَّفه الدكتور عبد الله بن ناصر السدحان، وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية المساعد، حركة التغيير في المجتمع السعودي متخذاً من إحدى الحوادث التاريخية شاهداً على طبيعة تعامل أفراد المجتمع مع مشاريع التغيير التي قامت بها الدولة. وقد بدأ المؤلف كتابه بالحديث عن منهج الدولة آنذاك التي اتخذت سياسة التنمية الشاملة عبر بوابة التعليم الواسعة فكانت هذه المرحلة تتصف بكثرة إنشاء المؤسسات التعليمية مثل وزارة المعارف، وجامعة الملك سعود بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكلية البترول والمعادن بالظهران وكليتي الشريعة واللغة بالرياض، وإنشاء كلية التربية بمكة المكرمة، وإنشاء معاهد المعلمين ومعاهد المعلمات، وتعميم نظام محو الأمية، والبدء بتأسيس رياض الأطفال، وافتتاح مدارس للبنات.. وهذه المرحلة هي المرحلة التي كانت فيها أحداث هذه الدراسة، وهي إنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات، وظهور اتجاهات معارضة لهذا القرار. وقد أوضح المؤلف أنه مما يُلحظ على هذه الفترة الزمنية وما قبلها ندرة الدراسات والأبحاث التي تُعنى بالقضايا المجتمعية في ذلك الوقت؛ فالدراسات الاجتماعية المعمقة والتحليلية عن المجتمع السعودي قليلة جداً إبان تلك المدة وما قبلها؛ ما يجعل المتخصص في حال حرج علمي لرسم صورة اجتماعية للمجتمع آنذاك سوى ما يجده من خلال بعض الدراسات التي حاولت رسم الحياة الاجتماعية في كل منطقة بشكل منفرد - وهي محدودة جداً - أو ما كان في كتب بعض الرحّالة الأجانب الذين زاروا المملكة، وإن كان تركيزهم في العادة يكون على الجانب السياسي أو الجغرافي للمناطق التي زاروها وشيء من إلماحات عن الواقع الاجتماعي خلال زياراتهم في تلك الفترة، وحتى هذه الدراسات لا تشفي غليل الباحث؛ ذلك أن فترة بقائهم قليلة جداً، ولا تكفيهم لرسم صورة كاملة أو شبه متكاملة عن الوضع الاجتماعي للمنطقة التي زاروها.

ومن هنا تأتي هذه الدراسة التي كتبها د. السدحان محاولة لاستطلاع الجانب الاجتماعي في تلك المرحلة من مراحل المجتمع السعودي، كما تحاول رصد كيفية تعامل المجتمع السعودي آنذاك مع صدور الأمر الملكي إيذاناً بالبداية للانطلاق الرسمي للتعليم النظامي للفتاة. هذا الحدث الذي كان يتوقع أن يكون مجرد واقعة تعليمية أو ثقافية، ولكنه بالفعل تحوَّل إلى موقف اجتماعي وحدث مجتمعي أكثر منه تعليمياً، كما استطاع المؤلف تبيان واقع ردود الأفعال الاعتراضية على افتتاح المدارس النظامية للبنات، وتحديد مصدر تلك الاعتراضات، ومدى قوتها، وتأثيرها في مجرى الحدث، وتفاعل الموقف الرسمي والشعبي معها، ثم التعرُّف على نوعية التعامل الرسمي من قِبل الدولة تجاه الموجة الاعتراضية للأمر الملكي القاضي بإنشاء المدارس النظامية للبنات.

وقد بدأ السدحان كتابه بمقدمات أساسية وضح فيها الفرق بين مصطلح (التغيّر الاجتماعي) و(التغيير الاجتماعي)، وكيف تتم عملية (التغيّر) وكذلك عملية (التغيير) في المجتمعات، وما هي مراحله والعوائق التي قد تعترض هذا (التغيّر)، أو (التغيير). وفي ذلك محاولة لمعرفة حقيقة ما تم في المجتمع السعودي بعد صدور الأمر الملكي القاضي بإنشاء المدارس النظامية للبنات، وهل ما حدث آنذاك يُعدُّ عملية (تغيّر اجتماعي)، أم (تغيير اجتماعي) ثم الإشارة بشكل موجز إلى موضوع تعليم المرأة في الإسلام باعتبار الاحتكام إلى الشرع في جميع قضايا المجتمع السعودي حكومة وشعباً، واستناد دستورها إليه، فضلاً عن كون هذا المرتكز الشرعي هو المستند الأساس لكل من تناول موضوع تعليم المرأة في تلك الفترة سواء المطالبون به أم المعترضون عليه، إضافة إلى أن ذلك المرتكز كان هو المظلة العامة التي استطاعت الدولة من خلاله احتواء الموضوع بشكل عملي تنفيذي، وليس تنظيرياً مجرداً من قِبل صانع القرار السعودي. وأورد في تلك المقدمات الإشارة إلى واقع تعليم المرأة في الدولة السعودية الثانية.

هذا التعرف العلمي التاريخي على واقع تعليم المرأة في الفترة السابقة يسهِّل تصور التطور الاجتماعي للعملية التعليمية بشكل عام وتعليم المرأة بشكل خاص في الدولة السعودية الثالثة، كما يُفسِّر العديد من المواقف التي حدثت خلال مناقشة تعليم المرأة في المجتمع، وقد يبرر كذلك بعضاً من المواقف التي اتخذها البعض من المعترضين على تعليم الفتاة.

ثم تناول المؤلف في الفصل الثاني خصائص المجتمع السعودي، والواقع الاجتماعي والثقافي وكيف أثرت تلك الخصائص للمجتمع ولأفراده في الكثير من التصرفات والمواقف في التعامل مع هذا الحدث (الاجتماعي الثقافي) آنذاك.

وفي الفصل الثالث استعراض لواقع تعليم المرأة في بداية الدولة السعودية الثالثة، وهي المدة التي تمثل فترة ما قبل تبني الدولة بشكل رسمي لتعليم المرأة بصورة منظمة، التي استقرت فيما بعد بإنشاء كيان إداري مستقل يُعرف ب(الرئاسة العامة لتعليم البنات) في عهد الملك سعود بن عبد العزيز عام (1379ه - 1959م)، وفي هذا الفصل كان الحديث عن واقع التعليم الأهلي الذي تصاحب جنباً إلى جنب مع (الكتاتيب)؛ حيث كان سائداً قبل بدء مرحلة التعليم شبه النظامي، ثم الحديث تفصيلاً عن التعليم شبه النظامي، وهي المدارس التي تبناها أفراد الأسرة المالكة سواء في مدينة الرياض أم في مدينة جدة أم في غيرها من مدن المملكة. وهذه المرحلة (التعليم شبه النظامي) يمكن اعتبارها فترة انتقالية بين مرحلة الكتاتيب، والتعليم النظامي، بل كانت ممهداً أساساً لقبول المجتمع لفكرة التعليم النظامي للبنات وافتتاح مدارس خاصة بهن.

وفي الفصل الرابع قام المؤلف برصد مظاهر المعارضة للمشروع، وتحديد من كان المعارض لافتتاح مدارس تعليم البنات والمواقف العملية التي اتخذها المعارضون في المجتمع سواء تجاه ولي الأمر أم تجاه الكيان الإداري ذاته (الرئاسة العامة لتعليم البنات) والقائمين عليها والمكلفين بافتتاح المدارس في مناطق المملكة المختلفة، إضافة إلى تحديد من هم المعترضون الحقيقيون، وما درجة تأثيرهم في المجتمع، وعلى ماذا كانوا معترضين، وما خطواتهم العملية التي اتخذوها لإبداء مواقفهم الرافضة للمشروع، بخاصة مع ولاة الأمر آنذاك، وهم الملك سعود بن عبد العزيز وولي عهده الأمير فيصل بن عبد العزيز وسماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ محمّد بن إبراهيم.

وأخيراً اختتم الكتاب بتبيين كيفية تعامل الدولة مع المعارضين لافتتاح مدارس تعليم البنات، والخطوات التي اتخذتها بهذا الشأن تجاههم، وتجاه مواقفهم العلمية من المشروع، وكيف استطاعت المضي قُدما بالمشروع على الرغم مما واجهه من عقبات اجتماعية، مستندة في ذلك إلى عوامل عدة ساندت بشكل أو بآخر نجاح ذلك المشروع (التعليمي الاجتماعي). وكيف استطاعت الدولة تجاوز الأصوات المعارضة المجتمعية التي ارتفعت في حينه، وكيف تأتى للدولة احتواء هذه المعارضة بمنهج حضاري وأسلوب في التعامل السياسي من خلال مواقف الملك سعود وولي عهده الملك فيصل وسماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ محمّد بن إبراهيم، عليهم جميعا من الله رحمة واسعة، مع محاولة التحليل الاجتماعي لما حدث من مواقف اجتماعية مصاحبة لافتتاح مدارس البنات في المملكة قبل أكثر من خمسين عاماً، مع إيراد مقارنة لمواقف المجتمع ذاته مع حدث مشابه في الشكل وهو افتتاح المدارس النظامية للبنين في المملكة.

ولعل مما يميز هذه الدراسة جِدّة موضوعها وكونها من أولى الدراسات التي تناولت هذا الموضوع الذي يظهر أن هناك تحاشياً عن الحديث تفصيلاً وتحليلاً عما حدث في تلك الفترة، لدرجة أن بعض من كتب عن تاريخ التعليم في المملكة نجد أنهم يشيرون إلى وجود اعتراضات في بداية تعليم الفتاة فحسب، دونما دخول في تفاصيل تلك الاعتراضات وطبيعتها ومن أهلها.

ولعل هذا ما يميز هذه الدراسة، وبخاصة أن الحياة العلمية في معظم مناطق المملكة في القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجري ما زالت مجهولة المعالم غير واضحة السمات؛ فتاريخ المملكة ما زال في حاجة إلى دراسات كثيرة ذات حدود زمانية ومكانية محدودة، وأن يركز فيها على الجوانب الاقتصادية، والعلمية، والاجتماعية وصفا وتحليلا لتلك المرحلة وطبيعة المتغيرات التي تمت وكيف تمت، وكيف تعايش معها أفراد المجتمع السعودي بعمومه، وإن كان ذلك في الشأن الاجتماعي والاقتصادي والعلمي بشكل عام فإن الحاجة تتزايد حينما يكون البحث متجها نحو المرأة وجوانب حياتها، ودورها الأسري والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع؛ ذلك أن الكثير من الدراسات التي كُتبت عن تاريخ المملكة العربية السعودية خلت من الإشارة إلى الحديث عن المرأة ودورها وجوانب حياتها، وأثرها في مجتمعها الصغير (الأسرة) أو مجتمعها الكبير؛ ما أوجد قصوراً في المعلومات المتداولة عن المرأة في الجزيرة العربية بشكل عام، على الرغم من أن مجموعة كبيرة منهن كن ذوات تأثير كبير في الحياة الاجتماعية. ولعل هذه الدراسة تحاول أن تحقق شيئاً من تلك المطالبات من المهتمين بالتاريخ الاجتماعي للمجتمع السعودي.

ولعل من المناسب الإشارة إلى ما انتهى إليه المؤلف من توضيح حقيقة مهمة - من وجهة نظره - هي أن المعارضة لتعليم الفتاة إنما خرجت من بعض طلبة العلم أو من بعض العوام المتحمسين، ولم تتبنها المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة، وعلى رأسها سماحة المفتي العام بدليل قبوله شخصياً لرئاستها والإشراف عليها، ولو كان يعارضها لرفض تولي الإشراف عليها ابتداء، وقد كان يستطيع الاعتذار عن عدم الإشراف عليها، كما كان بإمكانه تعطيل مسيرتها، أو تأخير عملها؛ فموافقة سماحته على تولي الإشراف على الرئاسة إشارة كافية إلى نوع المعارضة التي كان يبديها سماحته، وأنها لم تكن في يوم من الأيام منطلقة من مبدأ رفض تعليم البنات لذاته بقدر ما كانت على الطريقة والآلية، من حيث الإشراف، وضمان عدم تداخل تعليم البنات مع البنين في بوتقة واحدة مع مرور الزمن. ثم يُقرر المؤلف أنه من الإنصاف التاريخي القول: إن سماحة المفتي العام ومعه عدد من العلماء لم يكونوا من المتحفظين على المبدأ بقدر ما كان على الآليات والوسائل وجهة الإشراف، إضافة إلى أن الاعتراضات التي سادت عشية إنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات لم تكن تشكل إلا اجتهادات فردية؛ إذ لم تلق الدعم والتأييد من كبار العلماء الذين قاموا في أغلب الأحيان بتفنيد تلك التفسيرات والتصورات، بل بشجبها وعدها مظهراً أو نمطاً من نمط الخروج عن طاعة ولاة الأمر.

يقع هذا الكتاب في 210 صفحات.

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة