Wednesday  13/10/2010 Issue 13894

الاربعاء 05 ذو القعدة 1431  العدد  13894

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

«شباب يدلي نفسه من نوافذ السيارات ليرقص على إيقاع «نحمد الله جت على ما تمنى». و»أنت ما مثلك بلد»، شباب يعتلي ظهور سيارات الجموس ويطوح الأعلام، دوريات تسد الشوارع،

أما معظم الشابات فيقبعن في مثل هذا اليوم داخل البيوت محرومات من مشاهدة مظاهر الاحتفاء الميدانية التي عممت على شوارع المدن والألعاب النارية والمهرجانات المصاحبة وذلك خشية حسب تحذير الأهالي الازدحام الخانق في الشوارع وحدوث اصطدامات لا سمح الله. إلى جانب من تزيا بالأعلام وبعض الشعارات المعبرة، كان هناك من علقوا على صدورهم بعض العبارات كمشكلة البطالة، إلا أن من الواضح أنه كان هناك انخراط بمختلف السلوكيات للمشاركة في هذه الاحتفائية.

يشجعني ما شهده هذا العام في الاحتفاء باليوم الوطني من تعبير علني غير معهود عن بعض مظاهر الاعتداد بهذا اليوم ليس على مستوى الإعداد الرسمي إعلامياً وميدانياً وحسب, بل وأيضا على مستوى مشاركة المواطن العادي مثلي ومثل الكثيرين منا في هذه الاحتفائية بأن هناك قاعدة من الشعور بالانتماء والحب بهذا الوطن يتسع مداها أو صدرها لطرح بعض الأسئلة التي لابد أن تخطر على البال وتشغل معظمنا مواطنات ومواطنين على مختلف مواقعنا.

ومن تلك الأسئلة الملحة الهامة التي تمد رأسها في المناسبات الرمزية كمناسبة اليوم الوطني وإن جاءت بصيغة «مبسطة» بعض من الأسئلة التالية؟

ما الذي يريده المواطنون من الوطن؟

ما الذي يريده الوطن من المواطنين؟

ما الذي يريده الشعراء والعشاق والأطفال والكتاب والمطالبون بالإصلاح وسواهم من الحالمين، غير الماء في الينابيع والهواء الطلق في الفضاء والأجنحة للعصافير؟

لا أظن أن المواطن يريد من الوطن أكثر من الأمن في النفس والعقل والمال والأرض والسلم الأهلي على أساس المساواة والعدل.

ولا أخال أن مواطنا يتمنى على وطنه في يومه الوطني أكثر من العمل على تحقيق الأمن الاقتصادي بما يحقق للبلاد اقتصادا وطنيا مستقلا قادرا على تشغيل المواطن وتوفير مصدر رزق شريف يحصنه من أي شكل من أشكال الانحراف في القول والسلوك كالاضطرار للنفاق أو الارتماء في أحضان الفساد السافر أو المستتر -لا سمح الله.

يريد المواطن لو تعطل -لا سمح الله- أن يجد ضمانا اجتماعيا لا يكون في أسلوبه مشتقاً بيروقراطياً.

يريد المواطن إن مرض أن يجد بالتساوي ودون الركض في ردهات المعارف ومعارف المعارف وأبعد الأقرباء سبيلا إلى الحصول على العلاج وعلى سرير بالمستشفى لو استدعى الأمر لا سمح الله. يريد وسائل متاحة غير باهظة للحصول على بيت يستر أسرته خصوصا في وطن شاسع الأراضي، مترامي الأطراف، يريد طرقا معبدة وآمنة من وإلى القرى, يريد ماء نظيفا وحياة نظيفة في أطراف البلاد لا تقل عما تجهد المؤسسات في توفيره للمدن.

يريد المواطن مجتمعاً شفيفا يتقبل تعدد واختلاف الآراء دون تشكيك أو تسفيه أو تعسف أو مزايدة.

يريد المواطن مدرسة وجامعة تحترم عقل البنات والأبناء أطفالا وشبابا. فتؤهل كلا منهم ليكون إنسانا راشدا عاقلا آهلا منتجا متسامحا, محاورا, منصفا، عنده كرامة شخصية ووطنية وعنده ضمير يقظ، يعرف ما يريد غير منسحب ولا متعصب وليس فريسة سهلة للقنوط والخضوع أو ولشتات الأمر والاختطاف وضعف الثقة بالنفس وبالآخرين.

لا يحلم أي مواطن على وجه الأرض بأكثر من وطن شامخ بين الأوطان يمتلك أمره بيده, سيدا في أرضه ويضرب به المثل في النزاهة والمحافظة على الحريات وعزة مواطنيه داخل الوطن وخارجه.

أما إذا أدرنا كأس السؤال كما يقترح شاعر البيداء والحضر محمد الثبيتي أقام الله عن قلبه الشدة وسألنا ما الذي يريده الوطن من المواطن, فيمكن أن نفكر بصوت عال وهذه ليست إلا بعض الهواجس العجلى:

يريد الوطن أن لا يوجد في أبنائه من يتعيش على «الهبر» و»النهش» بغير وجه يريد الوطن مواطناً يستخدم عقله فلا يعيش على اجترار الأوهام والخرافات والترهات والفتاوى القاصرة المضيعة للدنيا والدين. يريد الوطن مواطنا قويا أمينا مستعدا للعمل لا يقبل بالفساد ولا يتستر على أصحابه.

يريد الوطن مواطنا عفيفا قادرا على العمل والبذل والعطاء يريد الوطن مواطنا منتجا لإعالة يكتفي من المواطنة بالتعصب والاستعلاء على الآخرين. يريد الوطن مواطنا يصون الممتلكات العامة مثل صيانته لممتلكاته الخاصة، مواطنا يعرف قيمة المال العام والمشاريع الحكومية وأنها شراكة وطنية وليست مجالا للنهب أو للهدر والاستهتار. وفي هذا فقد حدثتني شابة صغيرة عن أحد المشاهد التي جرت في اليوم الوطني بدافع الحب للوطن على ما يبدو إلا أنه لم يكن تعبيرا موفقا بالمعيار الحضاري للوطنية، فقد شهدت أحد الشباب يعتلي سقف سيارته ويخلع الراية من فوق أحد السواري التزينية التي وضعتها بلدية مدينته ليزين بها مقدمة سيارته. وهذا يكشف كم نحن بحاجة للحب الواعي للوطن وليس للحب الأعمى أو الجاهل أو الطائش (فالشاب المتحمس لم ير ما ينطوي عليه هذا السلوك من تناقض مع معنى الوطنية حين يكون الدافع الشخصي أهم من الصالح العام). و(الواقع إن ما جرى من مظاهر احتفائية قام بها الشباب في اليوم الوطني أقفلت الشوارع وتنوعت السلوكيات في التعبير عن هذا الاحتفاء بطرق ليست كلها تعبيرا عن وعي اجتماعي ناضج, وبعضها كان تعبيرا عن قلة الخبرة في التعبير عن حب الوطن, يستحق بحثا أكاديميا قد يساعد على رصد إيقاع الشارع في مفهوم التعبير عن الوطنية وسقفها والوعي الجماهيري أو الشعبي بها).

يريد الوطن مواطنا متعلما وشريكا واعيا نزيها واضحا يحرص على التعلم والإنتاج والمشاركة.

ولا أعتقد أن الوطن يريد من المواطنين والمسؤولين كل في موقعه من العمل يدا بيد في سبيل إعمار الأرض. وما دمنا شركاء في حب تراب هذه الأرض فإن علينا أن نكون شركاء في الجد والاجتهاد للنهوض بكل ذرة في ذلك التراب.

علينا اليوم جميعا مواطنات ومواطنين ومسؤولين أن نكون في مستوى تحمل مسؤولية حب الوطن من خلال تفعيل العمل المشترك في إطار من دعم منظومة الحقوق والواجبات ذات الآليات التي تدعم حب الوطن إلى حالة يومية يكون فيها كل يوم في السنة يوما وطنيا. وهذا يتحقق من خلال برنامج عمل واضح مشترك بما يجعل البناء الوطني تعبيرا عن جمال الوحدة الممثلة لجميع أطياف الوطن وتموجاته الإنسانية والحضارية التي يجمعها حب الوطن بإذن الله.

Fowziyah@maktoob.com
 

المجتمع السعودي والحب الحضاري للوطن
د. فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة