Wednesday  13/10/2010 Issue 13894

الاربعاء 05 ذو القعدة 1431  العدد  13894

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

ورحلت والدتي

رجوع

 

ما أصعب أن تتحدث عن عزيز فارق الدنيا وتركك وحيدا خاصة إذا كان هذا العزيز هو الأم.. لم تمر علي لحظات مثل التي مررت بها عند فقد أمي، ولا أعرف من أين أبداً وأنا أرثي أمي حبيبتي ورفيقتي، فلن تسعفني الكلمات ولن يساعدني القلم ولن تكفي كل المحابر للتعبير عما يجيش في صدري من حزن وألم ومشاعر على فقدان أغلى الأحباب، ولا أدري أي الكلمات أنتقي لترقى إلى مقامك العالي.. وما هي العبارات التي تلامس شفافيتك وصفاء قلبك الطاهر، ووالله لو خيروني بينك وبين نور عيوني لاخترتك أنت وأغمضت جفوني.

أحسست يوم وفاتك أنني لازلت صغيرة ولم أكبر بعد ولم أشعر بالسنين من حولي إلا بعد فراقك، ولا أقوى على مواجهة أعباء الحياة دون توجيهاتك وإرشاداتك ودعواتك وأني لازلت في حاجة إليك وإلى عطفك وإلى نصائحك وإلى تشجيعك وإلى دعمك غير المحدود، شعرت بعد وفاتك بثقل الحمل وعبء المسؤولية على كاهلي فقد كنت تحملين عني الكثير. استعرضت شريط ذكرياتي فلم أجد لي أنيسا غيرك يا أمي.. لقد قدمت من أجل كل أفراد الأسرة الكثير وأنت راضية.. كنت الأم والصديقة والحبيبة والطبيبة وكل شيء في هذا العالم.. كم بكيت شفقة علي عندما كنت أواجه الفشل، وكم بكيت فرحا عندما نجحت، وكم بكيت خوفا علي عندما مرضت، وبكيت حمدا لله عندما تعافيت.

كنت شمعة دربي.. ونبضة قلبي.. غمرتني بحنانك وأسقيتني من طيبة قلبك.. آه يا أمي ليتك تدركين كم أحبك فقد كنت أغلى ما في الوجود، أدعو الله سبحانه وتعالى في كل سجود وفي كل وقت وحين أن يغفر لك ويرحمك وأن يجازيك عني وعن إخوتي خير الجزاء عن كل ما قدمته لنا خلال عمرك دون كلل ولا ملل ولا شكوى.

أمي الحبيبة كيف أكتفي ببضع كلمات أعبر بها عن مدى اشتياقي لك بعد أيام من انتقالك إلى جنات الخلد - إن شاء الله تعالى - وأنت من رسم حياتي، وكنت لي ولاخوتي نعم القدوة وخير دليل يأخذ بأيدينا نحو طريق الخير والسداد، وأهديت لنا ضياء عينيك لنبصر الطريق، وسهرت لننام، وعانيت لنستريح، ومرضت لنتعافى، أمي كيف أتناسى دموع عينيك وقسمات وجهك التي كانت تنطق بالجزع والهلع إذا مرضت أو أصابني أو أحد إخوتي سقم أو مكروه؟

أماه كنت ألجأ إليك عندما كانت تضيق بي الدنيا على رحابتها وكانت عيناك تحتوياني وقلبك يحتضنني في لحظات أنسى معها همي وغمي ومصاعب الدنيا.. ولم أجد أطيب من قلبك الذي لم يكن يستطيع الصمود أمام دموعي، فكنت دوما النبع المتدفق الذي لا تنضب مياهه على مر الحقب والأزمات وكان حضنك ملاذي في الشدة والرخاء يحميني إن تربصت بي الأخطار في معترك الحياة، كنت لنا منارة تتألق مع تعاقب الليل والنهار. أعلم أن هذه الكلمات لن توفيك حقك، ولن أستطيع مهما قلت إن أجازيك عما قدمت طوال فترة حياتك ولا أجد سوى أن أدعو الله العلي القدير أن يتغمدك بواسع رحمته وأن يجازيك عنا خير الجزاء وأن يعينني على الحياة بدونك، على الرغم من أنه لا عوض لي سواك يا أعز الناس وأغلى الأحباب.

أمي الحبيبة أسال الله أن تكوني قد فارقت دنيانا الفانية وأنت راضية عني وعن إخوتي، وأعتذر عن كل يوم لم أسع فيه إلى رؤياك وتقبيل يديك الطاهرتين والارتماء في أحضانك لأغسل أحزاني واتخلص من همومي، واعتذر عن كل ساعة مرت دون الاطمئنان عليك هاتفيا لشواغل الحياة، واعتذر عن بعض المتاعب التي سببتها لك منذ الصغر، وعن بعض الهفوات التي كانت تحدث في إطار النقاش حول أي موضوع عائلي فيرتفع صوتي دون قصد، أعتذر لك يا أغلى الأحباب يا أمي عن كل تقصير في حقك. أعتذر لك إن خانتني في يوم من الأيام العبارة.. أقدم اعتذاري وأنت تحت الثرى وأساله تعالى أن يوصل إليك كلماتي وأسفي، ورجائي منه جل وعلا أن تسمعي كلماتي وحرقة قلبي وشوقي إليك، أقدم اعتذاري إلى قلبك الحنون الذي عاش حياته كلها بين انتظار وخوف. وأخيرا أدعو الله أن يبارك في أعمار كل الأمهات، وأتوجه لأبنائهن وبناتهن بضرورة طاعة الوالدين وعدم ترك أي لحظة دون التذلل لهما فمهما قدمنا لن نرد لهما صنيعهما، فبادري أختي وأخي لتقبيل يد الوالدين ولنجثو أمامهما بتواضع وحب واحترام وأدب قال تعالى: ?إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا? (23) سورة الإسراء. صدق الله العظيم. مع فراقك يا أمي ذابت الروح من فرط الأسى وتوقف القلب باكيا، سأعيش أيامي على ذكراك، مقتدية بكريم أخلاقك وسماحتك وطيب سجاياك وسوف اظل مستمرة على نهجك واجعله نبراسا لي في هذه الحياة.

جميلة عمر عبدالله بالبيد

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة