Wednesday  13/10/2010 Issue 13894

الاربعاء 05 ذو القعدة 1431  العدد  13894

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

           

كثرت عندنا، ولم تكن تخطر على البال من قبل، أخبار الجرائم الأخلاقية المروعة. لم يكن أخبث الخبثاء ولا أفسق الفاسقين يتصور قبل ثلاثة عقود فقط أن مثل هذه الجرائم سوف تحدث في مجتمعنا الذي طالما زكيناه ولا نزال نزكيه بافتراض الطيبة والترابط والبساطة الفطرية.

أصبحنا نقرأ ونسمع بشكل متكرر عن غشيان المحارم واستغلال الأبناء والبنات والزوجات في تجارة الجنس والمخدرات. صرنا نقرأ ونسمع أيضا أخبار قتل الأبناء لآبائهم والفتيات لشقيقاتهن الصغريات لإخفاء عمل آثم وتعذيب آباء لأبنائهم بالحديد والنار وإزهاق أرواحهم. روَّعتنا وأصابتنا بالذعر أخبار تعذيب الزوجة الثانية لأطفال الزوجة الأولى المطلقة، وبمشاركة الأب أحياناً، ليس في قرية أو مدينة أو منطقة واحدة، بل في قرى ومدن وأماكن عدة وأزمنة متقاربة. بنيات وأولاد كزغب القطا لم يشموا رائحة الحياة بعد يعذبون في بيوت أهلهم ويكوون على جلودهم بالنار حتى تتسلخ ويلفظون أنفاسهم أو يبادرون إلى شنق أنفسهم على النوافذ تخلصاً من عذاب لا تتحمله أبالسة الإنس والجن والشياطين.

من أين أتتنا هذه المصائب؟.. ومن أين لنا بتحمل هذه الفظاعات والاستمرار في العيش؟..

يقولون البُعد عن الله وضعف الوازع الديني والغزو الفكري والثقافي والتفكك العائلي داخل البيوت وتفشي الجنسية الإباحية في وسائل الإعلام وأسواق الفواحش السوداء.. كل هذه الأمور يتم تداولها بوصفها أسباباً، ثم وفي الآخر الأخير فقط وعلى استحياء يرد اسم المخدرات بوصفها أحد الأسباب.

يقولون الابتعاد عن الله وضعف الوازع الديني. هذا السبب الذي يرد دائماً في المقدمة حقيقي وجوهري لتبرير الجرائم المروعة، لكنه لن يكون مفهوماً على علاته بدون سبب آخر سبقه وأدى إليه. إذا كان هناك ضعف في الوازع الديني فلن يكون السبب نقصاً في كمية ونوعية الدعوة إلى الله. هذا المجتمع الصحراوي لم يشهد طيلة تاريخه نشاطاً دعوياً مكثفاً ومنوعاً ومتعدد الوسائط مثلما هو حاصل في تاريخه الحديث. لا بد أن هناك سبباً آخر أو أسباباً تجعل الدعوة إلى الله لا تخترق الصدور فلا تصل إلى القلوب.

يقولون الغزو الفكري والثقافي. عليهم أن يعترفوا بأن أكبر كميات من المخدرات وأخطرها وأفحش الأفلام الجنسية وأقذر وسائل الترويج للممارسات الساقطة وأكثر محاولات تدمير عقول الشباب، علينا أن نعترف بأن كل هذه الأمور لا تأتينا من ألمانيا ولا أمريكا ولا الدول الاسكندنافية؛ إنها تأتينا كالطوفان المدمر من الدول المجاورة والشقيقة والصديقة المشابهة لنا في المعتقدات والعادات والتقاليد إلى حد كبير. وأنتم تعرفون مَنْ أقصد.

يقولون التفكك الأسري داخل البيوت. مثل هذا التفكك لا يحصل هكذا بفعل الطقس والمناخ؛ فلا بد له من خلفيات تربوية وثقافية تكون من الضعف والهشاشة بحيث توجد شخصيات مهزوزة في مسلَّماتها وروابطها الاجتماعية. لكن حتى هذا التفكك الأسري لن يبرر ارتكاب أبشع الجرائم إلا ووراءه أسباب أخرى.

هل إذن هي المخدرات من يقف وراء كل هذه الأسباب السابق ذكرها فتجعل المدمنين عليها قادرين على ارتكاب كل الموبقات الممكنة والمتخيلة، مزيحة من طريقها الوازع الديني والترابط الأسري والعفة الأخلاقية وكل الصفات الإيجابية في النفس البشرية السوية؟.

إن المخدرات وحشيشية الكيف وعقاقير الهلوسة من أول وأهم الأسباب المؤدية إلى ارتكاب الجرائم الأخلاقية المرعبة التي طرأت على هذا المجتمع. المخدرات تفعل في العقول والقلوب والبيوت ما يفعله مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في الأبدان، ينقله زوج عديم المسؤولية إلى زوجته الغافلة ثم تتلوث به كل الأجنة التالية في الأرحام وتولد مصابة به.

نحن ما زلنا اجتماعياً في المرحلة الاعتذارية التي لا تريد أو لا تستطيع النظر في عين الحقيقة القبيحة وتسديد اللكمة القاضية إلى وجهها. الكلام في العموميات مثل ما هو دائر في المقابلات التلفزيونية والجرائد وخطب الجمعة وأحاديث المجالس وكل تلك الاجتهادات الكلامية تدور في فحواها حول مساوئ الحياة الحديثة، وكأننا انتقلنا فعلاً إلى مستوى حديث من أنواع الحياة ولذلك كثرت الجرائم وتنوعت عندنا. الحقيقة أننا غادرنا الحياة الفطرية البسيطة ولم نصل بعد إلى الحياة الحديثة بمفاهيمها الأخلاقية والقضائية وعدالة الفرص الاجتماعية. ابحثوا عن أسباب ضعف الوازع الديني والتفكك العائلي وانتشار الثقافة الإباحية وطغيان الجانب المادي في عوالم المخدرات والهلوسة والكيف وتجارتها الهائلة.

مصائب المخدرات تكمن في أنها بدائية التصنيع خفيفة الوزن سهلة التوزيع، تُدرّ أموالاً طائلة في فترات زمنية قصيرة وتفتح للمتربصين بالمجتمعات الساذجة آفاقاً واسعة لسحب أموالها وبرمجة شبابها لتدمير مجتمعاتهم ذاتياً.

فقط حين تُنصب المشانق على الحدود لمهربي المخدرات فيشنقون عليها ليراهم المهربون الآخرون، وفي الميادين العامة الداخلية لتجار المخدرات ومروجيها المحليين ليراهم الناس يتأرجحون في كف عزرائيل، فقط حينئذ سوف يشعر الناس بأن آلات الرصد والمتابعة تدور بفعالية، وبأن العدالة بدأت تأخذ مجراها في الاقتصاص من المتسببين الحقيقيين في أنواع من الجرائم البشعة الغريبة علينا ولم نكن نتوقع حدوثها في أسوأ الكوابيس.

 

إلى الأمام
ما لم تُنصب المشانق لمجرمي المخدرات..
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة