Saturday  16/10/2010 Issue 13897

السبت 08 ذو القعدة 1431  العدد  13897

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

           

منذ نحو عشر سنوات ونيف ظهر على سطح النظام التعليمي الأهلي في المملكة نوعية من المدارس جرى تسميتها بالمدارس الأجنبية العالمية، وتُعنى بتدريس أبناء الجاليات العاملة في المملكة. وتعتمد هذه النوعية من المدارس في الغالب مناهج تعليمية متعددة. من أبرزها: المنهج البريطاني، والمنهج الأمريكي، والمنهج العالمي، وهو مزيج من المنهجين البريطاني والأمريكي، إضافة إلى احتوائه على مقررات بلغات متعددة، منها: العربية والفرنسية والهندية والأُردية.

وهذه المدارس الأجنبية على فئات عِدَّة:

- مدارس تجارية تشرف عليها منظمات عالمية خارجية، مثل مجموعة المدارس العالمية العربية السعودية.

- مدارس تخص جاليات دول معينة، وتشرف عليها سفاراتها في المملكة. ومن نماذجها: المدرسة الأمريكية، والفرنسية، والهندية.

- مدارس تجارية عالمية يملكها مستثمرون سعوديون يدرس في أروقتها بعض أبناء الجاليات المسلمة، وعدد قليل من الطلاب السعوديين.

وقد تمَّ الترخيص لهذه المدارس للعمل في المملكة وفق ضوابط محددة من قبل وزارة التربية والتعليم. من أبرزها:

- تدريس اللغة العربية.

- تدريس التربية والحضارة الإسلامية.

- تدريس تاريخ المملكة العربية السعودية.

- الفصل التَّام بين الذكور والإناث.

- الإشراف التربوي من قبل وزارة التربية والتعليم.

وكانت وزارة التربية والتعليم لا تسمح بقبول الطلاب السعوديين في هذه المدارس إلا في حالات خاصَّة. ولكنها عدلت عن ذلك مؤخراً، فأجازت للطلاب السعوديين الالتحاق بالمدارس الأجنبية التي يمتلكها مستثمرون سعوديون فقط، شريطة حصول المدرسة على 70% كحدٍ أدنى في سجل التقويم الخاص بتصنيف المدارس. وقد تمَّ هذا الإجراء بحجة أنَّ هذه المدارس أخذت تمزج بين المناهج التعليمية الأجنبية، والمنهج السعودي، خاصَّة بما يتعلق بمقررات اللغة العربية والثقافة الإسلامية.

في السياق نفسه، وفي السنوات الأخيرة، ظهر كذلك على سطح النظام التعليمي الأهلي في المملكة ما جرى تسميته «المدارس الأهلية العالمية». وهي على خلاف المدارس الأجنبية تتبنى المنهج التعليمي السعودي في مراحلها الأولية والإعدادية والثانوية. ولكنها تنفرد بسمات وخصائص عن مثيلاتها من المدارس الحكومية والأهلية الأخرى، من أبرزها التركيز على تعليم اللغات الأجنبية عامَّة، واللغة الانجليزية خاصَّة. إضافة إلى تدريس بعض المقررات التعليمية بهذه اللغة، مثل: علوم الحاسوب والرياضيات. وتستأثر اللغة الانجليزية بنسبة 50% إلى 75% من إجمالي الساعات الكلية المقررة.

وتُعد هذه المدارس الأكثر استقطاباً للطلبة السعوديين، مقارنة بمثيلاتها تحت تصنيف العالمية.

ومن أجل ذلك سوف أسهب قليلاً في الحديث عن إيجابياتها وسلبياتها.

في تقديري أنَّ أبرز إيجابياتها تتمحور حول البيئة التعليمية المتاحة، مثل: المباني الحديثة، والمرافق التربوية والرياضية والترفيهية، بسماتها التصميمية الملائمة لأهداف العملية التربوية، فضلاً عن الوسائل التعليمية والتقنية المتطورة نسبياً، وإن كانت معايير الجودة تتفاوت من مدرسة إلى أخرى.

بالمقابل تبدو أبرز سلبيات هذه النوعية من المدارس في الآتي:

- الإهمال النسبي في تعليم قواعد اللغة العربية ومفرداتها وتراكيبها: فالاهتمام والرعاية تنصّب أساساً على تعليم اللغات الأجنبية، وفي مقدمتها اللغة الانجليزية، من خلال الدروس والمحاضرات المكثفة، ومن خلال اعتماد مقررات متعددة لتعليم قواعد هذه اللغات ومفرداتها اللغوية. بلْه مع الأسف الشديد بدأت تترسخ لدى بعض الشرائح المجتمعية، وعند بعض الآباء والأمهات ثقافة تُعظِِّم من مكانة وقيمة اللغة الانجليزية، وأهمية التنشئة عليها في مراحل التعليم المبكرة. وأنَّها عنصر أساس في المنظومة المعرفية والحضارية. وسيادة هذه الثقافة تعكس بطبيعة الحال تأثير غلبة الحضارة والثقافة الغربية، وقد أشار عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته الخالدة إلى حقيقة التأثير المباشر للحضارة الغالبة على ما سواها، بقوله « أنَّ المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزّيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. وهذا لا يعني البتة عدم أهمية تعليم اللغة الانجليزية، بقدر ما يعني ألا يكون ذلك على حساب مكانة اللغة العربية، وقيمتها المعرفية والتاريخية، باعتبارها لغة القرآن والضَّاد، ورمز الهوية الثقافية والحضارية، وقاعدة النهوض العلمي والمعرفي للمجتمعات الإسلامية والعربية.

- بما يخص المرحلة التعليمية الأولية «الابتدائية» فإنَّها وفق المفهوم التربوي تُعد منطقة تعليمية تأسيسية لها خصوصيتها وثوابتها، بما يجعلها لا تقبل البتة وجود لغة أخرى تزاحم اللغة الأُم. فأبناؤنا وبناتنا في هذه المرحلة التعليمية، وفي هذه السِّن المبكرة، بحاجة مُلحِة إلى تغذيتهم بمعارف اللغة العربية ومفرداتها وقواعدها، ومهاراتها الأساسية، من خلال أدوات وأساليب وجرعات محددة، ومبسطة، تساعد على سرعة الفهم والاستيعاب. وعليه، فإنَّ فرض اللغة الأجنبية في هذه المرحلة التأسيسية عامل أساس في تشتيت أذهانهم، والتشويش عليهم، وإشغالهم ذهنياً وفكرياً ودراسياً بمناهج ومقررات لغة أخرى لم يحن أوانها بعد. فالأولى أن يتم ترحيل الاهتمام باللغات الأجنبية إلى المرحلتين: الإعدادية والثانوية، بالموازاة مع الاهتمام والرعاية بقواعد اللغة العربية، ومقرراتها الأساسية.

- ومن سلبيات هذه المدارس كذلك ما يتعلق بالرسوم المالية المفروضة على الراغبين بالالتحاق في فصولها. إنها مرتفعة إلى حدٍ كبير نسبياً. وتتجاوز بالتأكيد النفقات الفعلية لتشغيلها. فهذه المدارس وإن تميزت نسبياً بمبانيها وتجهيزاتها الحديثة، إلا أنَّها دون ذلك بما يخص منهجيتها في تدريس المقررات الدراسية. بلْه في تقديري أنَّ المدارس الحكومية على وجه العموم - ورغم انخفاض مهارات بعض المعلمين- تتفوق عليها في هذا الجانب التعليمي المهم. ومن ثمَّ فإن هذه الرسوم المرتفعة غير مبررة. وتعكس في الغالب فكراً تجارياً يسعى إلى تحويل القطاع التعليمي إلى قطاع تجاري ربحي، وأداة لتجميع الأرباح والمكاسب المادية في المقام الأول.

الكلمة الأخيرة: الدِّين والثقافة الإسلامية واللغة العربية والتاريخ والحضارة الإسلامية، عناصر أساس في بنيتنا الحضارية والتربوية والمعرفية, مثل ما هي أدواتنا للنهوض وبناء مجتمع التنمية المستدامة. وبوابة التعليم العام بمراحله الثلاث مدخل طبيعي لغرس جوانب من هذه القيم الحضارية لدى أطفالنا وناشئتنا وشبابنا. فحذارِ أن تتجاوز اللغة الأجنبية مكانة اللغة العربية الأم، وأن تتحول إلى عنصر رئيس في مناهجنا التعليمية، خاصَّة في المرحلتين الأولية والإعدادية.



 

المدارس الأهلية العالمية.. انقلاب الصورة!!
د. عبد المجيد بن محمد الجلاَّل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة