Sunday  17/10/2010 Issue 13898

الأحد 09 ذو القعدة 1431  العدد  13898

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

عديدة هي آداب الأخلاق في الإسلام، ومن أكثرها روعةً وسمواً، أكثرها عدالةً وإنصافاً. آداب الخلاف، هذه الآداب رسمت خارطة واضحة المعالم، من التزم بها هدي للحق، وجرى على لسانه صواب في القول، وعلى يده توفيق وسداد في الفعل، ومن زاغ عنها وقع في مهاوي التحيز والانحياز، وسلك طرقاً شائكة صعبة، كثيرة الخطل والخلل.

وعلى الرغم من وضوح هذه الآداب، وتوافقها مع الفطرة، ومع النفس البشرية السوية، والطبائع الكريمة النبيلة، إلا أن العمل بها والتزامها في مواضع الخلاف، غدا أمراً ثانوياً عند البعض، بل مغيب. وهنا تبدو الحيرة والاستغراب، لماذا يتم تجاهل هذه الآداب عند مناقشة الآراء المخالفة؟، لاسيما أولئك الذين هم أعلم بهذه الآداب وأعرف؟ الذين هم أولى الناس تطبيقاً لها وعملاً بها، لماذا يطغى عليهم الانفعال والغضب؟ لماذا تقلب صفحات الماضي عند التصدي للمخالف؟ ويبحث في خفايا ماضيه عن سقطة وهنة، للبدء منها باعتبارها مدخلاً يستهل به الهجوم والتشنيع والتشهير، تمهيداً للانقضاض على المخالف ودحض آرائه، سلوكات غريبة منافية لآداب الإسلام الظاهرة، وقيمه النبيلة، تأنف منها النفوس الكريمة، والعقول الرشيدة، ما القيمة من تناول موقف أو سلوك سابق مضى ونسي، بل تخلى عنه صاحبه وغدا من تاريخ طويت صفحاته، ولم يعد له حضور سلوكي أو فكري.

وحده الذباب يبحث عن القاذورات ويجهد نفسه ليقع عليها، هناك مكانه وبيئته، وهناك يجد المتعة واللذة، هناك يجد نفسه، فهذا مكان راحته وأنسه، يشبهه في هذا الفعل المستقذر، ذووا النفوس المريضة، النفوس السادية التي تتلذ بإيذاء الآخرين، وتقليب صفحات ماضيهم، كي تصفهم من خلال ما تقع عليه من هنات وسقطات، بأقذع الأوصاف وأشنعها، والكلام الجارح المهين الخارج عن أبسط القيم والأعراف.

تمعنوا في الردود على المخالفين، تجدونها في مجملها منفعلة غاضبة، تتجه ابتداء إلى الشخص ذاته لا إلى رأيه الشاذ أو المخالف، مع استحضار لجملة من الكلمات والعبارات النابية كي يستعان بها ويستشهد بها في ثنايا الرد والإجهاز على المخالف، وسوف يستنتج المتمعن والمحلل دون عناء أن طابع جل الردود غير منطقي، وغير عقلاني، وغير أخلاقي، مجانب الصواب والتوفيق، وأنها بعيدة كل البعد عن الالتزام بآداب الخلاف وقيمه، وأخص تلك الردود التي تصدت للآراء التي خرجت عن الإطار، أو الآراء المخالفة لما هو مألوف بالوراثة، أو معروف بسلطة حجب الآراء الأخرى.

معلوم حتماً أن غايات المتصدين للآراء المخالفة، نبيلة في مقصدها، ألا وهو المحافظة على الراجح من الدين، والمحافظة على البنية المجتمعية من الفرقة والتشاحن، لذا يغلب على ردود المتصدين، أنها مشحونة عاطفياً، وأن دافعها الغيرة و الخشية من الانزلاق في متاهات الفرقة، وتمييع الأصول، ومشاحنات الغضب التي غالباً ما يتمخض عنها ما لا تحمد عقباه على البنية المجتمعية ووحدتها.

دخل في معمعة الردود على الآراء المخالفة أشخاص لهم مكانة مرموقة، ولهم احترامهم وتقديرهم الذي يستحقونه، صدرت عنهم ردود من على منابر مسموعة ومقروءة، لكن هذه الردود وبسبب الانفعال انزلقت في مواطن ما كان ينبغي أن تنزلق فيها، حيث يفترض أنها أرفع من أن تنفعل وتخرج عن الآداب المعتبرة في أدبيات الخلاف وقواعده وآدابه، لكونها تعرف هذه الآداب، لكن يشفع لهؤلاء حماستهم وغيرتهم على الدين، وخوفهم على البنية المجتمعية من أن تغرق في أتون الفرقة، وأوحال التدابر، وهو ما بدت ملامحه وإرهاصاته تظهر علانية في المنابر والمنتديات والمجالس، وعلى أعمدة الصحف، وهذا مما يسهم في خلخلة الأمن الاجتماعي ووحدته، ويسمح لذوي الهوى وراغبي الإثارة حشر أنفسهم والتداخل في أمور لا يعرفون عواقبها، و لا يحسنون التعامل مع مفاهيمها ومظانها، التي يفترض ألا يتصدى لها إلا من يمتلك العلم والحلم والحكمة في التناول والنقد.

تنمو المجتمعات معرفياً وتنضج من خلال توسيع دائرة السماح بطرح الآراء والأفكار، حتى وإن كانت خارج إطار المألوف والمعروف، فطرحها علانية يعريها ويسقطها إن كانت واهية، لكن تناولها في الخفاء، يسمح بانتشارها وتجذرها عند ذوي العقول الخاوية معرفياً، وبالتالي تترسخ مع توالي الأيام، وتصبح حقيقة يصعب الخلاص منها.

 

أما بعد
الخلاف في الرأي يفسد الود 2 ـ 2
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة