Wednesday  20/10/2010 Issue 13901

الاربعاء 12 ذو القعدة 1431  العدد  13901

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

مدارات شعبية

 

تجربة محسن الهزاني ومسافة التطور الشعري والثقافي(2-2)
بين (مبسم هيا) و(روض الندم)

 

رجوع

 

رؤية - سلطان الجهني

إن المتتبع لتجربة محسن الهزاني يجد أنه صاحب تجربة ناضجة ومميَزة، تعكس خلفيته الثقافية الجيدة قياساً على الظروف الزمنية التي عاشها؛ لذا لا يستغرب أن نلمس بوضوح ذلك التطور الذي شهدتها هذه التجربة الشعرية للهزاني. فإذا كان محسن الهزاني قد التفت إلى غرض الغزل في مرحلة شبابه، ليفتح بذلك آفاقاً جديدة أمام هذا الغرض، ويمنحه أهمية كبرى في الحقبة الزمنية التي عاشها، وما تلا هذه الحقبة بعد ذلك، إلا أنه ليس من الإنصاف، أن تختزل تجربة شاعر كبير بحجم محسن الهزاني بغرض الغزل وإن اشتهر فيه، فمحسن الهزاني ترك إرثاً شعرياً متكاملاً اتسع لمعظم أغراض الشعر، فنجده كتب في الوصف، والمدح كقصيدته في مدح الشيخ وطبان الدويش، أو كالرثاء في مرثية بمسلط الرعوجي أو محبوبته قوت، كما أنه كتب في الحكم والوعظ والنصح وقدم لنا نصوصاً شعرية رائعة لخص من خلالها العديد من خبراته التي اكتسبها في الحياة. يقول الهزاني في إحدى قصائده:

غنا النفس معروفِ بترك المطامع

وليس لمن لا يجمع الله جامع

ولا مانع لما يعطي الله حاسد

ولا صاحب يعطيك والله مانع

ولا للفتى أرجا من الدين والتقى

وحلم عن الجرم وحسن التواضع

ويسترسل محسن الهزاني في نصحه، إلى أن يختم هذه القصيدة بالدعاء لله سبحانه وتعالى وطلب السقيا لبلدته الحريق. وما دام الحديث عن الاستسقاء، فلمحسن الهزاني قصيدة مشهورة يستهلها بالثناء على الله سبحانه وتعالى ويختمها بطلب السقيا لبلدته الحريق، وهي التي يقول في مطلعها:

دع لذيذ الكرى وانتبه ثمَ صل

واستقم في الدجى وابتهل ثم قل

يا مجيب الدعا يا عظيم الجلال

يا لطيف بنا دايمٍ لم يزل

واحدٍ ماجدٍ قابضٍ باسطٍ

حاكمٍ عادلٍ كلَ ما شا فعل

ظاهرٍ باطنٍ حافظٍ رافعٍ

سامعٍ عالمٍ ما بحكمه مِيل

ومن القصائد المشهورة لمحسن الهزاني، قصيدته التي وسمت ب (قصيدة التوبة)، وقد ذكر الحاتم أن الهزاني قالها في شيخوخته، وفيها يحث الشاعر جيل الشباب باستغلال صحتهم في طاعة الله سبحانه وتعالى والقيام بالعبادات على أكمل وجه قبل أن تنتهي هذه الصحة بالسقم ويزول الشباب أمام تقدم الشيخوخة، وفي مطلعها يقول:

سرَح القلب في عشب روض الندم

وامزج الدمع من جفن عينك بدم

واغتنم صحَتك يا فتى والفراغ

فانَ لابدَ ذو صحَةٍ من سقم

واحبس النفس عن تبع الهوى

قبل أن يا فتى بك تزلَ القدم

وهذه القصيدة رغم شهرتها، إلا أنه ليست الوحيدة في هذا الغرض، فلمحسن الهزاني عدة قصائد يحذر فيها من التعلق بالدنيا وحياتها الفانية، ومن ذلك قوله:

أبا الله ما يبقى من الخلق واحد

وكلَّ نعيمٍ ما سوى الخلد نافد

لكلِّ أمرىءٍ فيها مقامٍ وينقضي

وكل عمل ما هو ب لله فاسد

فلا تبتغي من غير مولاك مطلب

فلا عنك يومٍ يمنع الرزق حاسد

وأخيراً، أرى أنه ليس من المهم إن كان محسن الهزاني هو أول من أدخل نظام القافيتين على الشعر النبطي أم لا، ولكن من المؤكد أن انتشار ذلك كان في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، وهي الفترة التي كان محسن الهزاني أحد أبرز رموزها، واستطاع بكل جدارة أن يؤسس لنهج شعري كان له تأثيره البالغ في الشعراء الآخرين، كما أنه تفنن كثيراً في طرق الشعر باستخدام عدة ألحان، وحقق أسبقية في النظم على بعض الألحان التي ابتكرها. كما أنه صاحب تجربة متطورة، شهدت الكثير من التغيرات والنضج، سواء من حيث ثقافة الشعر ومواضيع القصائد، أو من حيث النضج في الحبكة الشعرية، والأدوات الفنية التي أحسن الشاعر توظيفها في نصوصه. وأعتقد أن الدارس المتمعن لتجربة محسن الهزاني، سيخرج بفوائد عدة إضافة إلى سبر أغوار تجربته الشعرية، فمن خلال قصائد الهزاني أو حتى معاصرية من شعراء تلك الحقبة الزمنية، يستطيع الباحث أن يخرج بانطباع عن الظروف الحياتية والاجتماعية في تلك الفترة، كما يمكن توثيق العديد من مفردات اللهجة العامية المحكية لتلك الفترة لاسيما للمنطقة التي عاش فيها كل شاعر. فنجد في شعر محسن الهزاني العديد من المفردات الدارسة من اللهجة المحكية لمنطقته في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، ومن منها على سبيل المثال: مفردة (الهجاهيج) وهي الأبل التي تعدو مسرعة، وذلك في قوله:

يا راكبٍ من فوق حرَ هجينا

ممشاه يوم للهجاهيج تسعين

وغير ذلك من المفردات التي لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة.

وختاماً يحتاج القارئ لتجربة الشاعر الكبير محسن الهزاني أن يتلقاها كتجربة متكاملة بمختلف مراحل نموها وتطورها، حتى يصدر عليها حكماً فكرياً وفنياً ينصف فيه الشعر والشاعر.

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة