Thursday  21/10/2010 Issue 13902

الخميس 13 ذو القعدة 1431  العدد  13902

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

سقط الجبل الشامخ
محمد بن عبدالله الشايع

رجوع

 

قبيل غروب شمس الجمعة ودّعت الجموع الغفيرة من طلبة العلم والمشايخ وعامة الناس الشيخ الجليل الوالد حمد العبد الله اليحيا عن عمر يجاوز التسعين قضيت في مرضاة الله وطاعته فيا له من عمر ما أطيبه وأجمله، وما أزكى حسن الخاتمة وأوضح شهودها.

إن الحديث عن السيرة العطرة للوالد الشيخ حمد العبد الله اليحيا ليس لمثلي أن يتحدث عنها، ويفيض في تفصيلاتها ولكن مشهد الصلاة والجنازة والتشييع حرك مشاعري، وهز كياني، وأجبر قلمي أن يسطر نتفة يسيرة، وقطرة بسيطة في بحر العابد الزاهد لتكون منطلقاً ومقصداً لأبنائه البررة ليسطروا لنا تأريخاً لهذا الجبل الشامخ.

يا شيخ حمد: إني والله أغبطك على تلك الخاتمة الطيبة، والسيرة الزكية، والسمعة العلية، وإنها والله كنوز ثمينة، لا تشترى بالدراهم ولا تنال بأعلى المناصب ولكنها عطايا رحمانية، ومنن ربانية، رأينا فصلاً منها هنا، والبقية تنتظرك في قبرك، ويوم حشرك، فبارك الله ذلك الجسد الطاهر الذي لم يتلوث بسموم الدنيا الحقيرة، وبارك الله ذلك القلب الذي لم يتدنّس بغل وحقد وحسد.

والله ثم والله ما رأيت في حياتي سيرة أثّرت في مشاعري، وحرّكت كياني، ودفعتني للعمل الدعوي، مثل سيرة الشيخ حمد، إنه بحق علو في الحياة وفي الممات.

سامحوني يا آل يحيا لأن مثلي لا يكتب سيرتكم، ولا يتحدث عن أفضالكم، ولا يبرز محامدكم، ولكن الدمع هو الذي يكتب، والقلب هو الذي يعبِّر.

يا آل يحيا مصابكم جلل، وفقيدكم جبل، فإن تكونوا تألمون فنحن والله نألم كما تألمون ونحزن كما تحزنون غفر الله لميتكم، وأسكنه الفردوس الأعلى.

يا آل يحيا مما يبرد حرارة المصاب، وهول الفاجعة هي تلك البشائر المتوالية وأجملها فيما يأتي:

1- كان رحيل الوالد الشيخ حمد في أشرف الساعات وأحلاها في ساعة إجابة الدعوات، وتنزل الرحمات في ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استجيب له فكم من دعوة صالحة توجهت في تلك الساعة رفعت فقبلت بإذن الله.

2- مات الشيخ في يوم الجمعة والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام بيّن ووضّح أن الوفاة يوم الجمعة أو في ليلتها من علامات حسن الخاتمة فقال: (من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وُقِيَ فتنة القبر) رواه أحمد، وحسبي كذلك أن الشيخ حمد مات وهو يؤدي فريضة من فرائض الله ولسان حاله اسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب. ففاضت روحه وهو يصلي، والمرء يبعث على ما مات عليه، والنبي الكريم يوصي بالصلاة عند موته فكان يرددها حتى ما يفيض بها لسانه، وهذه دلالة على تأكيد فرضية الصلاة.

نعم إن الشيخ حمد كسب الميتة الحسنة وهي التي تمناها السلف فكانوا يسألون الله الميتة الحسنة وقد نالها وحازها. فما أروع حسن الخاتمة.

3- الشيخ حمد هو ممن أكرمه الله بطول العمر، وإطالة العمر نعمة إذا قرنت بصلاح وعبادة فالخيرية فيمن طال عمره، وحسن عمله والشيخ حمد منذ أن عرفته وخصوصاً في رحلات الحج عرفته عطوفاً، رحيماً، كريماً، تميّز بدمعة حاضرة، وقلب خاشع، يتأثر لحال المسلمين ولا يستطيع أن يتمالك نفسه، وتغالبه الدمعات فتتعثر عنده الكلمات والعبارات. فبارك يا ربي في تلك الدمعات.

والشيخ حمد لديه فقه متعقل للواقع فحين يطرح موضوعا للمناقشة يدلي هو بدلوه بكلام رصين منضبط تفهم من خلال ذلك أن الشيخ حمد مدرسة متكاملة، وجامعة جمعت العلوم والحكمة.

4- من نعم الله على الشيخ حمد رحمه الله أنه فارق الدنيا وقد خرج جيلاً صالحاً، وذرية مباركة بعضها من بعض يبرز ذلك في أولاده النبلاء الكرماء (أو ولد صالح يدعو له) (إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول يا الله أني لي هذا ؟ فيقال بدعاء ولدك لك).

أبناء الشيخ على شفير القبر

بحق وصدق ما أعظم ذلك المشهد المؤثر، فعلى شفير القبر وقف أبناء الشيخ وأبناء أبنائه وجميع أحبابه يقفون لحمة واحدة يودعون فيها الرحمة بكل معانيها، والوفاء في أسمى مبانيه يقفون باكين داعين لا تجد فيهم غلاً، ولا حقداً، بل حباً ورحمة، فالجميع يسابق ليشارك وليمسك هذا الجسد الطاهر ليودّعه ويودعه في صندوق العمل، فبارك الله لكم وفيكم أيها الأبرار الأطهار وجعل قبر والدنا رياضاً تكسوه الخضرة والسرور، والسعة والحبور.

5- الشيخ حمد ومشهد المرض: مرض الشيخ حمد وطال مرضه، وتنوعت علته، وزادت أوجاعه ومع ذلك يبقى قلبه حياً، ولسانه غضاً طرياً بذكر الله وطاعته لا أعرف أن الشيخ مع شدة مرضه وكثرة ما يأخذ من العلاجات والمهدئات أنه كان يئن، أو يشتكي، أو يتضجر بل بقي صابراً مثابراً محتسباً ومع ذلك كله ومع كونه معذوراً مريضاً ما ترك فريضة الحج أبداً فهو في كل سنة يتسابق عليه النبلاء من أبنائه أيهم يظفر به هذه السنة ليفوز بقصب السبق في البر والصلة فيصنعوا لوالدهم غرفة خاصة في الحج ليتمكن من أداء العبادة في يسر وسهولة.

أزوره في عيد الأضحى في خيمته بمنى فلا نسمع منه إلا وعظاً وحثاً وبراً.

أما عن أبنائه فلا أظن أنهم ينقطعون عنه ساعة فهم يجتمعون مع تلك المدرسة الخالدة التي أحبوها محبة خالصة صادقة شعارها البر، وعنوانها الإحسان، فلا يكاد يمر يوم إلا ولهم اجتماع يومي في قصر والدهم العامر.

يا آل يحيا أرجوكم اكتبوا لنا سيرة هذا البطل، اكتبوا لنا تضحيته، دعوته، كرمه، كفاحه، إي والله إن الأمة بحاجة لمثل هذه السيرة الزكية، والنفس العلمية.

الجموع الغفيرة تبكي الشيخ حمد

وتدعو له

سبحان الله كنت أسأل نفسي ونحن نودع الشيخ مع تلك الجموع الغفيرة بمختلف أجناسها وأعمارها لماذا حضرت تلك الجموع الغفيرة ؟ من الذي دعاها ؟ فوجدت السر في خبر نبوي وبشارة عاجلة عنوانها (أنتم شهداء الله في أرضه).

نعم لقد حضرت الجموع الغفيرة بمختلف نطفها وأشكالها واكتظت للصلاة والتشييع والدفن وكلها تعلن الحب والوفاء، وتشهد للوالد الطيب بالخير والفضل.

الشيخ حمد: ميزه الله بميزات قل نظيرها في هذا الزمان فلديه شجاعة في الحق من غير فضاضة، ومهابة تكسوه من غير غلظة، ويد معطاء لا تبالغ ولا تسرف ولا تخشى الفقر، رفع الله ذكرك يا شيخ حمد دنيا وأخرى.

الشيخ حمد: يعتبر من الرعيل الأول الذي نشأ في الزهد والتواضع (وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله) ولهذا تجده لا يحقر صغيراً لحداثة سنه، ولا فقيراً لقلة ذات يده ،بل رزقه الله سماحة في الخلق، وطيباً في التعامل، وابتسامة عند اللقاء، فرحم الله الأخلاق العالية، والصفات النبيلة.

الشيخ حمد: لن ننسى دمعاتك الجارية والمتتابعة والتي كانت تسبق كلامك حين يأتي الحديث عن حال الأمة وتسلط الأشرار عليها.

يا آل يحيا: أنا تلميذ صغير يحكي قصة كفاح ودعوة وأعترف للجميع بتقصيري فيما كتبت وتفريطي فيما قدمت لكن أعلنها لكم بحبي الخالص لكم فأنتم مدرسة النبل والكرم.

ووقفتي هذه وقفة مبشر ومهنئ، لا معزي ومسلي فالشيخ حمد أحسب أنه أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وهو بإذن الله ممن قصدهم النبي الكريم ممن يفارق الدنيا وقد استراح من همها وعنائها وضيقها وسجنها متوجهاً إلى رب رحيم.

قبل الوداع يا شيخ حمد

أعترف بأنني كنت مقصراً في برّك أيها الشيخ الكريم وليس لي عذر أقدمه ولكن حسبي أن لا أنساك في خلواتي وصلواتي ودعواتي وأحمد الله الذي أكرمني بزيارتك في المستشفى قبل رحيلك فاقتربت منك داعياً ومسلياً فسليتني بصبرك وتحملك وشكراً لأبنائك البررة الذين رأيتهم صفاً واحد يقفون بجوار سريرك يلتمسون راحتك، ويرجون رضاك، ويبتغون الجنة ببرهم فيك، ويبحثون عن أرقى المصحات، وأنجع العلاج، وأزكى الأطباء، ليسكن ألمك فجزاهم ربي خير الجزاء.

يا أبناء الشيخ: لكم مني رسالة تذكير لا تعليم فأنتم ممن يعلم - بضم الياء وكسر اللام - ولا يعلم - بفتح اللام - وممن يذكر - بكسر الكاف- ولا يذكر - بفتح الكاف - وأجزم أنكم من أحرص الناس على البر والتقوى - أحسبكم كذلك - ولكن أوصيكم بالوحدة والاجتماع كما كنتم في عهده كما أوصيكم باستمرار العطاء والبر والصلة لوالدكم بروه وأسعدوه: بالدعاء له، والصدقة عنه، وإكرام صديقه، وإنفاذ عهده، وأبشروا وأملوا والله يحرسكم ويحفظكم. للحديث صلة أكمله فيما بعد.

غفر الله لميتكم وأسكنه أعالي الجنان وجعل قبره رياض من رياض الجنة.

المعهد العلمي في محافظة شقراء

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة