Friday  22/10/2010 Issue 13903

الجمعة 14 ذو القعدة 1431  العدد  13903

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أمر الله نبيّه إبراهيم بإعادة بناء بيت الله الحرام، عمّا مرَّ به من عاديات الدهر، وبعد أن اكتمل أمر البناء، أمره ربه بأن ينادي بالحج،كما جاء خبر ذلك في القرآن الكريم، ويقال: إن من استجاب له أهل اليمن، فهم أول المستجيبين لنداء إبراهيم عليه السلام.

والمسلمون تشرئبُّ أعناقهم في كل مكان، منذ ينتهي شهر رمضان، وترنو أفئدتهم للرحيل إلى بيت الله، ذلك المكان الطاهر، الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، وراحة من كل عناء، وطمأنينة للقلوب الخائفة، والنفوس المضطربة.

فجاؤوا مستجيبين بعد أن حرصوا على جمع النفقة لسنين طويلة، من مكسب حلال لأن الله طيب لا يقبل إلا ما كان طيباً، فالله عز وجل، قد فرض حج هذا البيت، والاتجاه إليه من أنحاء الأرض: رجالاً وركباناً في أدب وعبادة خالصة، مع الامتثال على كل البشر: ذكوراً وإناثاً، منذ أن خلق الله آدم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فقد رُوي أن أول من بنى هذا البيت، في كُتُب السير الملائكة ثم آدم ثم شيث.. وهذا يدل على أنه قد فُرض حجه على سائر الأمم، وأنه قد عمه الطوفان في عهد نوح، وكادت تضيع معالمه، إذ كلّ نبي من أنبياء الله قد حجه، وخص الله نبيه إبراهيم خليل الرحمن وأبا الأنبياء بتجديد بنائه، ووضع قواعده، كما ذكر الله سبحانه ذلك في القرآن الكريم، وساعده ابنه إسماعيل، ذلك النبي الذي ارتبط اسمه منذ كان المكان قفراً مهجوراً، ووادياً لا زرع فيه ولا ماء ولا كلأ، وكان من ذريته الأرومة الثانية للعرب على من يقسمهم إلى عاربة ومستعربة.

وقد عصَت يهود أمر موسى عليه السلام في الامتثال لأمر الله، وطاعته بحج بيته المحرم، وعاندت النصارى ما أمرهم به عيسى عليه السلام من الحج لبيت الله الحرام، مع أن موسى قد حجه، وعيسى كما روت بعض الكتب، قد أدى حق الله في الاتجاه لبيت الله المحرم، إلا أن أتباعهم، ومن عاند في الاستجابة لدعوتهم، قد نكصوا على أعقابهم، وعدلوا في شرع الله، وخالفوا أوامره فأبدلوا شرعه بغير ما أمروا به، صلاة بغير الصلاة المفروضة، وطهارة بغير الطهارة الملزمين بها، وحجاً يغاير الحج، وقد علمهم طريقة أدائه أنبياؤهم، وعبادة عدّلوا فيها، بغير ما أمر الله به، على لسان أنبيائهم، وقتاً ومدة وكيفية، ونية وعملاً.

فكان حقيقة أمرهم إبدال كلام الله بكلامهم، وتغيير شرع الله بما تصف ألسنتهم، وتهواه قلوبهم، وتحريف حقيقة الشرائع والأوامر، بما ينبئ عن سوء الطباع، وخبث النوايا، فأكذبهم الله في كل ادعاء، وفضحهم القرآن الكريم، في كل تحريف، ورد الله عملهم عليهم، لأنهم عملوا عملاً لم يأذن الله به، وتركوا أموراً قد فُرضت عليهم، وما ذلك إلا من غلبة الشيطان، واستحواذ الهوى بقلوب مشربة ببغض الحق، حيث وصف الله عملهم بالضلال في العمل، وعدم القبول منهم، مما أوجب غضب الله ومقته عليهم، كما في سورة الفاتحة، وذلك هو الخسران المبين.

وشريعة محمد الخاتمة متمّمة للشرائع قبلها، ومؤكدة ما يجب عمله من أمر الله، وامتثال شرعه الذي لا يقبل من الثقلين عملاً سواه، فقد رأى رسول الله في يد عمر صحيفة من التوراة، فغضب وقال أفي شك مما جئت به يا ابن الخطاب والله لوكان موسى حياً لكان من أتباعي.

فكان مما جاء فيها تأكيد فريضة الحج بآيات محكمات توضح المنزلة الرفيعة الحالة التي يجب أن تكون في سويداء القلب، فقال {ولِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} آل عمران97.

فكانت فريضة الحج في الإسلام ركناً من أركانه الخمسة، ودعامة من دعائمه التي يقوم عليها، وهو أمر ملزم، فعلى الناس جميعاً أن يقصدوا بيت الله المحرم، والمشاعر بقدر الاستطاعة، بدنياً ومالياً وبنية صادقة.

وتزيد المرأة خصوصية أخرى: توفر المحرم الشرعي الذي يصاحبها في هذه العبادة حتى ترجع ويحافظ عليها ستراً ورعاية حتى تكمل حجها، وتعود لبيتها محفوظة من المخاطر، وذلك في وقت مخصوص، وعلى هيئة مخصوصة فقد جاء رجل لرسول الله يخبره: أنه كُتب في جيش كذا للجهاد، وامرأته حجت بدون محرم، فأمره أن يلحق بامرأته محرماً لها، حيث قدم ذلك على الجهاد في سبيل الله، وفي هذا الزمان بدأ الناس يتساهلون في المحرم للمرأة عند سفرها، مخالفين الشرع، وما بلغه رسوله- صلى الله عليه وسلم- للأمة، فالإسلام وهوآخر الديانات، لا يقبل الله من البشر سواه، قد وضع المعالم وحافظ على النفوس والأخلاق، وفرائضه ميسرة {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} وما جعل جلَّ وعلا على خلقه في الدين من حرج.

لذا فإن المرأة التي لا تجد محرماً، يرافقها في حجها، يكفيها إذا كانت قادرة مالياً، أن توكل من ينوب عنها في أداء هذه الشعيرة، أو تتوقف حتى يهيئ الله لها من يعينها، وبغير ذلك تدخل في دلالة الآية في الاستطاعة.

ولذا فإن المسلم يدرك من العموم القرآني تخصيصاً نبوياً، وحتى لا يتوقع كل مسلم قادر على الحج أن عليه التلبية بالحج في كل عام، فإن الرسول الكريم، قال في حجة الوداع «أيها الناس إن الله قد فرض الحج فحجوا، فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله، فسكت عنه ولم يجبه.. فأعاد الرجل في الثانية والثالثة، وكان الجواب في الثالثة منه صلى الله عليه وسلم بقوله: لا ولو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم.. فكان هذا الجواب: عمقاً نبوياً، ورحمة بالناس، بأن أصبح الحج مرة واحدة في العمر على الذكر والأنثى، ممن تتوفر فيه شروطه، ويستطيع الأداء بدون مانع شرعي.

إذ لوكان الجميع يحجون دفعة واحدة فإن المسلمين سيحصل لهم أضرار كثيرة، علاوة على تزاحمهم ومتاعبهم وانتشار أمراض فيما بينهم، وما يتبع ذلك من أمور ومكة في صحراء جافة، وبيت الله في وادٍ غير ذي زرع، مثل تلك الأمور:

- من يرعى ديارهم، ويحافظ على أملاكهم والمصالح أثناء رحلة الحج؟

- من يحميهم من العدو ويحمي ديارهم فترة الغياب؟

- ما هي المواصلات التي تنقلهم جميعاً في آن واحد ذهاباً وعودة؟

- أين المكان الذي يستوعبهم كلهم، وهم بمئات الملايين؟

- ما هو الطعام والشراب الذي سيحفظ عليهم حياتهم طوال الرحلة؟

- أين يودعون أطفالهم ومن يرعاهم فترة الحج؟

إلى غير هذا من أمور كثيرة: صحياً ونفسياً، ومصلحياً وأرضياً، واجتماعياً ومعيشياً، فقد تتعطل الحركة في ديارهم إذا هجروها، فيضعفون والله أمرهم بالقوة، وقد يرتد بعضهم عن الإسلام، ويبغضون هذا الدين، إلا أن من حكمة الله البالغة جاء التكليف سهلاً ميسراً، يدعو للقوة (المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

ورأفة من الله سبحانه بعباده عندما يكلفهم بأي أمر من أمور العبادات، أو بما يفرضه عليهم من شرائع، فإنه لا يكون إلا بقدرة النفوس، وفي حدود طاقتها، وبما يعينها على التغلب على الأعداء، ونزعات الأهواء.

وفرضية الحج لمن يتمعن فيها، فضلاً عن كونها عبادة بدنية واستجابة لنداء خليل الرحمن عندما أمر بعد اكتمال بناء البيت: أن يؤذن في الناس بالحج، يأتوك رجلاً من استجاب وركباناً، ويبتعد من أبى الامتثال لأمر الله، كما قال تعالى {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (الحج 27-28).

فالحج فيه فوائد كثيرة للفرد خاصة، وللجماعة عامة، لأنه يشعر بالقوة أمام الأعداء، وسرعة التجمع والإعداد، والتعاون والتآلف مما يقوي مكانة المسلمين في قلوب الأعداء، ويؤلف بين القلوب في تجمعهم من أنحاء العالم وبقلوب صافية، ومحبة. فالحج ارتباط وجداني، واستجابة للرب جل وعلا، وإغاظة لأعداء الله من شياطين وإنس، وهذا أعظم عمل يجب أن يؤديه المسلم إذ من الطاعة أن تستجيب برضا وطواعية، ومن هذه الاستجابة: الحرص على تأدية ما طلب منك، بنفس راضية، وقلب مطمئن، وقناعة بما تعمل، ونفقة حلال، وأدب وحسن امتثال.

فالفرد يجعل بين عينيه منذ يستقر في قلبه ما يُلزمه دينه من شرائع منذ عَزَم على الحج، من حيث الفرصة المناسبة والمال الطاهر والكافي لنفقة الركن الخامس من أركان الإسلام: لنفسه ولعائلته فترة غيابه. وأن يكون آمناً من المخاوف في طريقه لحجه وميسراً ليشعر أنه في رحلة تعبدية ضيفاً لله سبحانه، وفي رحابه ليقوى شعوره هذا، كلما قربته راحلته، من الديار المقدسة، أو عند التهيؤ للمسير من عند أهله لرحلة الحج.

حتى يشعر نفسه بأن الحج قوة للفرد، وشعور بالترابط مع الجماعة، واعتزاز بوحدة المسلمين الذين يجمعهم هذا الموسم من كل مكان وجنس فيحسون أنهم أمة واحدة، يتألم بعضهم لما يصيب الآخركالجسد إذا اشتكى عضو تداعى الجسد كله، وأنهم يد على من سواهم تجمعهم رابطة الإيمان، وتوحد بينهم شعائر الدين ومنها تجمعهم للحج بكلمة الإخلاص لله.

للحديث صلة

 

الحج عبادة وجهاد 1-2
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة