Saturday  23/10/2010 Issue 13904

السبت 15 ذو القعدة 1431  العدد  13904

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

           

اطلعت على ملف صحفي بعثته لي إحدى الشركات البتروكيماوية في الجبيل، تضمن مساهماتها الخيرية، وهي مساهمات جيدة تستحق الإشادة والتقدير لولا أنها تجاهلت أولويات الإستحقاق، فأستهدفت البعيد وتناست القريب؛ فالشركة تناست بيئتها المحيطة، مدينة الجبيل، التي تدير من خلالها أنشطتها الإنتاجية الضخمة، والمتضررة من مخرجات الصناعة البتروكيماوية التي تعتبر من أكثر الصناعات الضارة بالبيئة وصحة الإنسان، وتذكرت الطائف وينبع، وهما تستحقان الخير كله، إلا أن الأقربين أولى بالمعروف!. تبرعات شركات القطاع الصناعي في الجبيل إما مقطوعة، وإما موجهة إلى خارج المدينة، كالمشروعات السياحية والاجتماعية المنفذة في بعض مدن المملكة باستثناء الجبيل؛ وهو ما دفعني إلى عنونة المقالة ببيت الأمير الشاعر عبدالله الفيصل، رحمه الله، القائل:

«خيرك لغيري والشقا والعنا لي

والمشكل إني عارف كل الأحوال»

ورغم غزلية البيت، إلا أنه يُعَبر عن حال سكان مدينة الجبيل مع المصانع الضخمة التي تحيط بهم من كل جانب، تهددهم بالأخطار والأضرار البيئية، والصحية، وتحرمهم مساعداتها التي تجاوزت مدينتهم إلى المناطق الأخرى، وستتجاوزهم ما لم يكن هناك تنظيماً رسمياً يلزم قطاعي البتروكيماويات، والتكرير، والشركات الأخرى بتحمل مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه البيئة الملاصقة وسكانها المتضررين.

ضعف الأنظمة والقوانين، وتدني ثقافة المجتمع، وعدم إلمام أفراده بمسؤولية القطاع الصناعي تجاه البيئة المحيطة، وحقوقهم المشروعة، ساعد في شح التبرعات الخيرية، وبرامج خدمة المجتمع المتميزة، وليست الإعلامية التي يُهدف من خلالها ملء صفحات الجرائد بتبرعات لا ترقى في مجملها إلى تكلفة المساحة التي تشغلها، ولا تتناسب مع أرباحها السنوية التي تتجاوز 20 مليار ريال!.

على القطاع الصناعي مسؤولية مغلظة تجاه المجتمع المحيط به؛ بدءاً من خلق الوظائف للسعوديين، وتخصيص جزء منها لخريجي المدينة المؤهلين الذين يشتكون البطالة في أكبر سوق للعمل الصناعي في المملكة؛ مروراً ببناء المدارس، المراكز الصحية، الاجتماعية، الرياضية، أوقاف الفقراء، دعم الجمعيات الخيرية، التشجير والحدائق، المساهمة في دعم البرامج التنموية ومعالجة المشكلات الطارئة؛ وانتهاءً بالمساهمة الفاعلة في دمج مجتمعي محافظة الجبيل الذي فرض عيهم المشرع الانفصال القسري، في مجتمع واحد متطابق الحقوق، والخدمات. أقترح أن يُنشأ للمسؤولية الاجتماعية صندوق خاص في محافظة الجبيل، يهتم بإنجاز المشروعات والبرامج النافعة. ويُغَذى الصندوق بأموال تستقطع من أرباح شركات القطاع الصناعي، وبما لا يقل عن خمسين مليون ريال سنوياً، لتنفيذ برامج، ومشروعات خدمية وتنموية للمدينة التي تضررت كثيراً بسبب احتلال عمالة القطاع الصناعي لها، وأسهمت في تغيير تركيبتها السكانية، وساعدت في خلق المشكلات الاجتماعية، وتسببت في إطلاق غول الغلاء الذي حول حياة الفقراء والمساكين إلى جحيم لا يُطاق.

نطمح بتحول المساهمة الاجتماعية من ثقافة (التبرعات) إلى ثقافة الحقوق الواجبة على الشركات لمصلحة المجتمع، والبيئة المحيطة أولاً، ثم المجتمع الأكبر وهو حق مشروع للجميع. مبدأ «الغُنم بالغُرم» هي قاعدة مطبقة في فقه المعاملات الشرعية، يمكن الاعتماد عليها في تبرير أحقية البيئة المحيطة بالاستئثار بجزء مهم من برامج المسؤولية الاجتماعية المقدمة من شركات القطاع الصناعي. فمكونات البيئة المحيطة، وأعني مجتمع الجبيل، هم الغارمون من أخطار القطاع الصناعي الأمنية، البيئية، والصحية، والمتضررون مالياً بسبب التضخم الذي يحدثه القطاع؛ وهو ما يؤهلمهم ليكونوا أحق (الغانمين) بمساهماته المالية والتنموية، لا تعصباً بل استحقاق مشروع، وهو أمر مطبق في جميع دول العالم الصناعي المتقدم التي تُضَمِنَ شروط ونسب المساهمات المالية، وبرامج التوظيف والمسؤولية الاجتماعية المزمع تنفيذها في خطاب الالتزام المقدم من المصانع (عدوة البيئة) لحاكم المدينة قبل السماح لها بمزاولة أنشطتها الصناعية.

ثلاثون عاماً من الإنتاج التوسعي المعتمد على الدعم الحكومي، قروض صندوق التنمية الصناعي، والمزايا التفضيلية، حققت لمساهمي القطاع الصناعي مئات المليارات من الأرباح المكدسة التي لم يوجه منها ريال واحد لبرامج المسؤولية الاجتماعية في الجبيل. ثلاثون عاماً من التجاهل المتعمد، والجحود والنكران، أهلت القطاع الصناعي بالجبيل الصناعية لنيل لقب «النخلة العوجاء» التي تتغذى، وتنتج من تربة البيئة المحيطة وتسقط ثمرها على الجيران.

f.albuainain@hotmail.com
 

مجداف
«خيرك لغيري والشقا والعنا لي»
فضل سعد البوعينين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة