Monday  25/10/2010 Issue 13906

الأثنين 17 ذو القعدة 1431  العدد  13906

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

ورود الأمل

 

الهدية المشؤومة

 

رجوع

 

أخي د. خالد مشكلتي هي انني صنعت معروفا لإحداهن حيث أني قدمت لها هدية فلم تعجبها فانتقدتني نقدا مهينا وحقرت من شأن الهدية وأنكرت معروفي وجحدت جميلي فكيف أتعامل مع هذا النقد والجحود فنفسيتي الآن جدا محطمة من تصرفها وأريد رأيك في الموضوع:

و لك سائلتي الفاضلة الرد:

أحيانا تبدو الحياة في تكرار دائم ورتابة مستدامة وأنماط تغيب وتحضر وأنساق تدور على بعضها وما البشر إلا طباع عميقة الرسوخ وسلوكيات تتماثل وتتكرر في عود على بدء ولا غرابة فتلك شنشنات عرفناها من أخزم ومن سبر غور البشر أدرك الكثير من طباعهم، في رسالتك قضيتان خطيرتان يمثلان داءين من الأدواء الاجتماعية الخطيرة الأول هو النقد وفنونه والثاني هو الجحود ونكران الجميل وسأتحدث عن هذين الأمرين بالتفصيل:

1- أشد الألم وما أقسى الوجع عندما يقابلنا الذين أحسنا إليهم بالنكران, ولربما كنت أنا أو أنت من يتقمص دور الجاحد! ولا غرابة فمن البشر من جحدوا رازقهم وخالقهم وواهبهم النعم العظيمة ومع هذا قالوا عنه سبحانه: مغلول اليد ونسبوا له الابن والابنة والصاحبة، ومنهم من أنكر وجوده تعالى الله علوا كبيرا عما يقولون، وكما هو معلوم أن توقع حدوث الشيء يخفف من وطأته ويقوي من جدران مقاومته فإذا أدركنا أن تلك الخلة قابعة في دواخل الكثير فلن نجزع بعدها إذا لم نجد شكرا ولم نلق تقديرا للمعروف الذي نقدمه، والمكسب الأهم لك من هذا الموقف أن تتذكري دائما مشاعر الألم التي استوطنتك جراء الجحود الذي قوبلت به وذلك بأن تبذلي التقدير وأن تلهجي بلسان الشكر لكل من أسدى لك معروفا أو قدم إليك جميلا, ويوضح الخبير (جيمس راي) هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكركبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة (الحمد لله) لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول (الحمد لله) وأكررها مراراً طيلة اليوم!!

وفي أدبيات الشرع نجد الحث على الشكر يتكرر فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)

وهناك آيات كثيرة تحث على الشكر منها: يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ويقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}. كما أوصيك ولتكسبي الأجر العظيم وراحة البال أن تخلصي النوايا وتحسني المقصد قبل أن تقدمي المعروف راجية الثواب والأجر من رب العالمين وليكن شعارك الدائم ونشيدك الخالد {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}.

2- وبالنسبة لموضوع النقد فأرى أنه بسبب الاختلال الكبير في الميزان الأخلاقي فقد استخدم للأسف النقد كسلاح للتشفي والتفاضح وتصفية الحسابات والتنفيس عن الضغوطات وربما توهم البعض أنه من علامات قوة الشخصية وشفافية الروح! وقد خفي عليهم أن البشر كائنات عاطفية تحركها الكلمة الطيبة والمفردة الرقيقة وتتألم من جارح الكلام وتتوجع منه, والحقيقة التي لا يمكن الفرار منها أن النقد أمر غير محبب للبشر وليس محل ترحاب عندهم مطلقا, وهناك توجيهات مفيدة في موضوع النقد تريحنا كثيرا في أمثال تلك المواقف, أهمها الاقتناع بأن الناقد لا يملك (الحقيقة المطلقة) فميكانيزم النقد تعمل وفق ما يسمى ب(الشاشة العجيبة) فالناقد إنما ينتقد بناء على ما في شاشته الداخلية وليس وفق الحقيقة التي ربما تتباين مع ما في شاشته! فربما ينتقد وهو في حالة نفسية متأزمة أو بناء على مزاجه الشخصي وقد يكون شخصا جاهلا أو حاقدا والناقد كما يقول د ماثيو ماكاي: أنه عرضة لانفعالات وذكريات ونماذج سلوكية لاعلاقة لنا بها البتة.

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم

كما أن العقلاء لا ينتقدون الأشياء التي تدخل ضمن إطار (الأذواق الشخصية) فلكل إنسان ذوقه الخاص ويجب على الآخرين احترامه وفي المقابل عدم التفاعل مع هذا النوع من النقد وعدم قبوله فليس ثمة معايير ثابتة للأذواق!والواثقون من أنفسهم وأصحاب القلوب العظيمة يتقبلون النقد برحابة صدر وبساطة نفس بتأمل وتدبر ويتعاملون مع المنتقدين بهدوء وترو ودون انفعال وتشنج فيعرضون النقد على (ميزان العقل) تحت إشراف مباشر من (الضمير الداخلي) وغالبا أن النقد لن يخرج عن ثلاث حالات:

1- أن يكون نقدا في محله فيستقبل كما تستقبل الهدية الثمينة، يشكر صاحبه ويجزل له الثناء.

2- أن يكون النقد محطما جائرا جارحا ظالما قد امتهن صاحبه النفخ في الأخطاء وفتح الملفات القديمة فهناك أحد خيارين للتعامل معه:

1- إمّا أن يرد عليه برد منطقي يجمع بين الحزم واللين يجعل صاحبه يتراجع أو يقف عند حدّه.

2- وإمّا أن يتجاهل ولا يلتفت له، ويفحم بسعة الصدر والحلم.

إذا نطق السفيه فلا تجبه

فخير من إجابته السكوت

فإن كلمته فرّجت عنه

وان خليّته كمدا يموت

وأحسب أن أسلم وسيلة للتعامل مع الحمقاء والحاقدين هي الإعراض عنهم وتجاهلهم. يقول تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.

3- وان كان النقد غامضا فنمارس معه أسلوب (الاستقصاء) وذلك بان يطلب من الناقد توضيح الأمر وإثباته فمثلا لو اتهمك أحدهم بأنك لا تحترمه ما عليك إلا أن تطلب منه ذكر المواقف التي جعلته يطلق هذا الحكم.

وأخيرا أيتها الفاضلة لا تتنازلي عن راحتك وتنحري سعادتك بمجرد كلمة تسمع فالحياة اقصر من أن نقصرها بالهم والألم على أمور لا تستحق ومن الحكمة في مثل تلك المواقف الاقتصاد في ردة الفعل والاعتدال فيها وهذا يعني كما وصفه أحد الفلاسفة عندما قال: من الحكمة ألا نحرق مخزن الحبوب من اجل القضاء على مجموعة فئران اختبأت فيه فالفئران باختصار لاتستحق ردة الفعل المدمرة المتمثلة في إشعال المستودع بكامله وما ينطبق على الفئران ينطبق على بقية القوارض والطفيليات من حشرات وحيوانات وبشر!

شعاع:

ينام عميقاً من لا يملك ما يخاف من فقدانه!

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة