Friday  29/10/2010 Issue 13910

الجمعة 21 ذو القعدة 1431  العدد  13910

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

إن الحج يشعر بأخوة الإسلام، حيث يتعارفون، وتلين طباعهم وأخلاقهم، بلقاء الأخوة والشراكة بالمسيرة التعبدية في المشاعر؛ إذ هو جهاد للنفس، وإشعار بالتحمل، ومجاهدة لإبليس، الذي أغاظه هذا التجمع من كل فج عميق، وبما أفاضه سبحانه على

عباده الحجاج من مغفرة، وأجر عظيم حتى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن عدو الله يحثو على نفسه التراب حسداً لما يرى من فضل الله الذي أسبغه على عباده الحجاج، دون تفرقة، وأشهد ملائكته فقال: أشهدكم أني قد غفرت لهم.

وفوق هذا وذاك: أن رابطة الإيمان جعلتهم جميعا إخواناً على صفاء العقيدة وسلامة المقصد: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات، يساند بعضهم بعضاً؛ ليعودوا لبلادهم بدرس جديد في أهمية العلاقات وصفاء النفوس.

فكما أن الحج عبادة لله فإن فيه مجاهدة للنفس وقهراً للمطامع، ولهذا، لما قالت عائشة - رضي الله عنها- ومعها بعض النساء: يا رسول الله غلبنا عليك الرجال: يجاهدون ولا نجاهد، فقال عليه الصلاة والسلام: عليكن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة، ومن الجهاد فيه: مجاهدة الشيطان والنفس باجتناب المحظورات، والرفث والفسوق والجدال، يقول سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (197) سورة البقرة.

وأهم ما يدفع النفوس إليه من عمل هو تعظيم حرمات الله، والوقوف عند حدوده، وأرشد إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن أراد فيه مطمعاً من مطامع الدنيا أو أراد تسخيره لمصلحة ذاتية، أو رفع شيئاً من شعارات الدنيا المختلفة، فإن صاحب ذلك بعيد عن الاستجابة لأمر الله وخال قلبه من الاطمئنان، بما شرع الله، وسوف يبطل الله كيده.

وقد شدد العلماء والمفسرون: في المقصود بمدلول هذه الكلمات الثلاث: الرفث والفسوق والجدال، وأجمعوا على أن من قصد الحج يجب عليه ألا يشغل نفسه بغير أعمال الحج وما يعين على طاعة الله، من ذكر وعبادة وتسبيح وتحميد وقراءة قرآن؛ إذ ليس مجالاً لما يصدّ عن ذلك، كمطامع الدنيا وشعاراتها المحدثة؛ إذ هو تجرد بالقلب وانسلاخ بالبدن، وذكر باللسان، وخشوع وتواضع بالأعمال ونفقة من حلال.

والمسلم في كل مكان، يرتبط وجدانياً بمكة المكرمة، حيث هي أقدس بقعة على وجه الأرض، وأول بيت لله وضعه سبحانه للناس، فجعله مثابة وأمناً، والمسلم منذ لامس الإيمان بشاشة قلبه، وارتبط وجدانه بالإسلام عقيدة، ورضيه دينا، يتجه إليه إحساساً بوجدانه، وعقيدة بقلبه، وعبادة بوجهه، في كل يوم عدة مرات، فالصلاة لا تصح إلا بالقبلة، ولا قبلة إلا تجاه الكعبة, {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (144) سورة البقرة.

فكان تطلع كل مسلم وشوقه لأداء شعيرة الحج الركن الخامس الذي فرضه الله عليه، بجمع النفقة الحلال، إنما هي تلبية لأمر الله واستجابة لنداء إبراهيم، فيجب عندما يحضر الموعد أن يتأدب بآداب الحج، على الوجه الصحيح، حسن خلق، ومحافظة على أمن الحج، وعدم إزعاجهم بأي شكل من الأشكال، وهذا من الأخذ بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتأسي به في القول والعمل، لقوله الكريم: (خذوا عني مناسككم) وكان رسول الله لم يحج إلا مرة واحدة رأفة بالأمة، وفي ذلك يمثل الرفق والرأفة بشتى صورها، ويقول: السكينة السكينة يا عباد الله، وما سئل في يوم النحر عن شيء قدِّم أو أخّر إلا قال: افعل ولا حرج.

وقد نادى إبراهيم عليه السلام بالحج استجابة لأمر ربه بعد اكتمال البناء، ووضعه على قواعد راسخة، واختلف في المكان الذي رفع صوته، ما بين جبل أبي قبيس، أو جبل الرحمة في عرفات، أو الحجر، فالمهم المضمون وليست الكيفية والمكان، فأسمع الله الخلائق هذا النداء وهم في الأصلاب، والأرحام وغيرها لأن الله قادر على كل شيء؛ فمن أراد له الهداية استجاب ولبى، ومن لم يرد الله له ذلك لم يجب النداء. وهذه حقيقة يحسن ألا تغرب عن ذهن المسلم المتبصر في دينه، فالله حكيم عليم.

أما الماديون والذين لا يؤمنون إلا بما هو محسوس في معهودهم وظاهر للعيان أثره أمامهم، وفق ما يدركونه، في عالمهم المادي الماثل أمامهم جسماً بارزاً ونظرتهم هذه تختلف عما يدعو إليه الإسلام، وما تحث عليه شريعته.

ألم يخبر جل وعلا في كتابه الكريم: بأنه خلق ذرية آدم من صلبه في بداية أمر الدنيا وأشهدهم على أنفسهم بأنه جل وعلا ربهم وخالقهم لتقوم عليهم الحجة، وينقطع العذر بقوله الكريم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (172) سورة الأعراف.

وهذا بقدرة الله وفوق إحساسهم ومعهودهم، مما يجب معه أن تقوى عقيدة المسلم، مع خالقه ولإدراك عظمته ومقدرته، لتمكين العمل، وتأدية الشرائع التي فرضها سبحانه، ومنها الحج الركن الخامس، من أركان الإسلام ليزداد المسلم حماسة، ومحبة ونصحاً لإخوانه المسلمين، ولبيت الله تعظيما ولأداء العبادات، امتثالاً لشعارات الدنيا ومطالب المغرضين بعداً واستنكاراً، ولن يقوى مثل هذا الإحساس عند الحاج في عمله وعباداته، إلا محبة واستجابة لأمر الله جل وعلا، والامتثال لشرعه الذي شرع، إلا حرصاً وتأدية، ولنبيه الذي أرسل إلا اتباعاً وأسوة حسنة.

- فقد أمر الله نبيه إبراهيم أن يعيد بناء بيته الحرام ليكون مثابة للناس وأمناً.

واختص الله هذا الموقع بأمور لم تكن لغيره {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج.

- وقد أمر الله خليله إبراهيم أن ينادي بالدعوة إلى الحج ليأتوا مستجيبين رجالاً وركباناً يدفعهم الإيمان، ويحدوهم طلب المغفرة من الله.

- وقد جعل الله الكعبة مقصداً للمسلمين في عبادتهم اليومية، وفي اتجاههم السنوي بالحج، وفي رمز التآلف والمحبة والاستجابة لأمر الله.

- وقد أدى إبراهيم ومعه جبريل يعلّمه أداء الشعائر، فعلّم ابنه إسماعيل مناسك الحج ليكون عمله قدوة، وأفعاله نبراساً.

- وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نسترشد بهديه، وأن نعمل كما عمل في الأداء والعمل والتأدب بآداب الإسلام.

- وفي الحج أن نأخذ عنه المناسك، والهدوء والسكينة، والبعد عن الفحش والفسوق والشعارات حتى لا نفسد على المسلمين حجهم.

- وأن نكون قدوة في الترحيب والاحترام، لإخواننا المسلمين من كل جنس ولون، حتى نعود جميعا بحج مبرور وذنب مغفور.

وقد شرف الله هذه البلاد المملكة العربية السعودية حكومة ومحكومين بخدمة وحماية بيت الله المحرم وتعميره ورعاية المشاعر المقدسة والعناية بكل ما يهم ضيوف الرحمن، عندما يحلون في الرحاب والمشاعر المقدسة، ليتفيأوا ظلال الأماكن المقدسة. ويحلوا ضيوفاً كرماء متوجهين إلى الله بقلوبهم متفرغين لعبادة ربهم، متجردين من الدنيا بمظاهرهم وألبستهم.

فيتلقاهم أبناء هذه البلاد وولاة الأمر فيها بالترحاب والرعاية والاهتمام والحرص على توفير الخدمات لأنهم أخذوا هذا عقيدة، وحُبِّب إليهم العمل المربح تقرباً إلى الله سبحانه.

فالملك عبدالعزيز - يرحمه الله - قد جعل شغله الشاغل منذ دخل مكة مع رجاله محرماً وملبياً توفير الراحة وتأمين السبل والمحافظة على راحة وأمن وسلامة الوافدين إلى الرحاب المقدسة والقاصدين أداء طاعة الله في الحج والعمرة والزيارة، حيث يتقاطرون طوال العام، وفي أيام الحج زرافات ووحداناً، وتتوالى جموعهم من أنحاء الأرض طمعاً فيما وعدهم الله ورسوله.

فمنذ دخل مكة في عام 1343هـ وقبل أن يتم توحيد الجزيرة، وهو رحمه الله يتولى بنفسه قيادة الحجيج ويشرف على أمنهم وسلامتهم وتذليل العقبات أمامهم، جعل ذلك نصب عينيه، محبة في الخير، وتقرباً إلى الله بالعمل، واهتماماً بأحوال المسلمين الذين لاقوا في أزمان ماضية المتاعب، وكابدوا المشاق، وانتابتهم المحن وتجشموا في سبيل أداء هذا الركن صنوفاً من المتاعب، وقد بلغ الأمر بكثير من المسلمين التوقف عن تأدية الفريضة، لأن الطرق غير آمنة قبل مجيئه - رحمه الله- فحرص عاجلاً على تبديل الصورة، وتأكيد أمن الطرق، وأراح الحجاج في وقت قصير، يبين أثر ذلك في إحصائية الحجاج، وارتفاع عددهم في عهده عاماً بعد عام، وسار بنوه على منهجه كابراً بعد كابر، في رعاية شؤون الحرمين الشريفين حتى بلغ عددهم في السنوات الأخيرة حجاجاً وعماراً وزائرين الملايين ولم تضق بهم الصدور، أو تنفر منهم الأخلاق، أو تعبس في وجوههم النظرات، ولم تخفّ القدرات في تأمين ما يريحهم، بل تزداد الأعمال تحسيناً وللحرمين توسعة وإعماراً، وللمشاعر تسهيلاً وتحسيناً، كل ذلك بعمل هادئ ومريح.

فكان كل حاج يرى في عامه الأخير ما لم يخطر بباله رؤية أو سماعاً، مقارنة بالعام الأسبق، فكان كل من يفد بمعلومات خاطئة، يعود من حجه وقد انجلت أمام عينيه الحقائق، بما انبهر به من مشاهدة المشروعات، وما لقيه هو وغيره من الوافدين من خدمات عديدة تفوق التصور، والتي يدركها كل عاقل ومنصفٍ.

أدام الله على المملكة أمنها وحماها من كل حاسد وحاقد، وأعان الله ولاة الأمر على الأعمال الكبيرة المتتابعة.

 

الحج عبادة وجهاد 2-2
د. محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة