Friday  29/10/2010 Issue 13910

الجمعة 21 ذو القعدة 1431  العدد  13910

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

 

الانتحار في المملكة... الظاهرة النائمة
د. محمد ناصر الحقباني

رجوع

 

يعتبر الانتحار (Suicide) من الظواهر القديمة التي عرفتها البشرية، ولكنها وصلت لمستويات عالية في العقدين الأخيرين في الكثير من دول العالم كجمهورية بيلاروس وليتوانيا واليابان وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويعرف الانتحار بأنه إقدام الإنسان على إزهاق حياته للتخلص من حالة يأس وقنوط قد تصيبه بسبب مرض أو مشكلة مالية أو اجتماعية. وهو بذلك ليس حكرا على فئة من الناس دون غيرها، فالمنتحر قد يكون غنياً أو فقيراً، رجلاً أو امرأة، متعلماً أو جاهلاً. والانتحار عملية يصعب التنبؤ بها، وبالتالي يصعب منعها لأن المنتحر غالبا يتخذ قراره بالانتحار وحيداً ومتوارياً عن الأنظار.

وللدين الإسلامي السبق في تناول عملية الانتحار وبيان عقوبتها. يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ?وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)?. كذلك لم يخلٌ التوجيه النبوي من التحذير من مغبة الانتحار. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبداً، ومنِ شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداَ فيها أبداً. ومنِ تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردَّى في نار جهنم خالداً مخلداَ فيها أبداً». والمنتحر يصل إلى مرحلة من اليأس والقنوط تدفعه نحو إزهاق روحه التي حرم الله، وهما خصلاتان ذميمتان مرتبطتان بالكفر والضلال. ولقد حذرنا التوجيه الرباني من هذه النزعة الشيطانية قبل 1400 سنة هجرية. قال الله تعالى: ?وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ? (يوسف:87)، وقال تعالى: ?قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّاالضَّالُّونَ? (الحجر:56).

يشهد مجتمعنا السعودي زيادة واضحة في عدد المنتحرين سنوياً، وهو ما توثقه وسائل الإعلام المختلفة التي تطالعنا من وقت لآخر بحادثة انتحار أو أكثر. وعلى الرغم أن الانتحار في المملكة لم يصل بعد إلى حد الظاهرة الاجتماعية، فهو بالتأكيد ظاهرة نائمة قد تستيقظ يوما ما في مجتمعنا لنجد أنفسنا أمام ظاهرة يصعب السيطرة عليها. لو عدنا إلى فترة الثمنينات ميلادي في القرن العشرين لوجدنا أن بعض الظواهر الاجتماعية المعروفة حالياً- كظاهرة المخدرات- كانت في بدايتها ولم يشعر المجتمع ومؤسساتها بخطورتها إلا بعد استفحالها وتغلغلها في أوساط الشباب من الجنسين الأمر الذي جعل الدولة -حفظها الله- تعلن الحرب عليها والتقليل من أثارها. وهذا يجعلنا نتساءل: ماذا أعددنا لظاهرة الانتحار النائمة؟! هل ننتظر حتى تصبح حقا ظاهرة لا بد من تكاتف الجهود لعلاجها؟! من المؤسف حقا أن تمر حوادث الانتحار في بلادنا دون أن تقوم الجهات الرسمية المعنية بسلامة ورفاهية المواطن والمقيم بالوقوف على الأسباب الحقيقية للانتحار ووضع الحلول المناسبة لها. إن وسم المنتحر من قبل وسائل الإعلام في المملكة بأنه يعاني من حالة نفسية يعتبر تهميشا لفداحة العمل المرتكب الذي أقدم عليه المنتحر، وفيه تضليل للرأي العام ولن يساعد على فهم حجم مشكلة الانتحار في مجتمعنا.

و لكن ما هو المطلوب من المجتمع والأسرة لمجابهة الانتحار في المملكة؟ عملاً بالمثل الإنجليزي المعروف «علاج الأمور في أولها يحول دون استفحالها A stitch in time saves nine»، أرى أنه يمكن التغلب على مشكلة الانتحار من خلال:

1 - إدراكنا أن الانتحار بدأ في الظهور في مجتمعنا وأنه -كغيره من الآفات الاجتماعية- يحتاج إلى التدخل من قبل مؤسسات المجتمع قبل أن يصبح ظاهرة اجتماعية في بلادنا يصبح السيطرة عليها.

2 - تشكيل لجنة وطنية تهتم بمواجهة مشكلة الانتحار المتزايدة في مجتمعنا المسلم. وأرى أن تتكون هذه اللجنة من ممثلين من وزارات الدولة المعنية بسلامة المواطن ورفاهيته كوزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة العمل ووزارة التربية والتعليم وغيرها من الوزارات الأخرى.

3 - تشجيع مراكز البحوث في الجامعات وغيرها على إجراء البحوث العلمية الرصينة المدعومة التي تهدف إلى التعرف على مشكلة الانتحار في المملكة وتحديد حجمها ووضع الحلول والإستراتيجيات الضرورية لمواجهة الانتحار. لقد أصبح الانتحار علم يدرس ويبحث في البلاد الغربية بهدف التعرف على سماته والتغلب على محفزاته النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويعرف باسم «Suicidology».

4 - تأسيس مراكز وطنية أسرية في مناطق المملكة المختلفة تهتم بمكافحة الانتحار ووضع الحلول من قبل المختصين الاجتماعيين والنفسيين والتربويين وعلماء الدين وغيرهم. يمكن وضع هاتف مجاني يمكن الأسر والأفراد الذين يرغبون في تبليغ هذه المراكز عن حالات انتحار محتملة لتقوم هذه المراكز بالتدخل السريع.

5 - نشر الوعي بين أفراد المجتمع والمقيمين بخطورة الانتحار وأنه ليس حل للمشاكل التي تصادفهم، وأنه محرم شرعا، ومرتكبه معرض للعقاب في الآخرة. يمكن نشر هذا الوعي من خلال خطب الجمعة والقيام بزيارات للمدارس والجامعات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية.





mohammed@alhuqbani.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة