Monday  01/11/2010 Issue 13913

الأثنين 24 ذو القعدة 1431  العدد  13913

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

السؤال الأساسي الذي ظل معلقاً هو: إلى أين تمضي عمليات العنف؟ هل ستزيد أم تقل أم تتوقف؟ وما هي إستراتيجية تنظيمات العنف أو الولايات المتحدة؟ لا يبدو أن أحداً يمتلك الإجابة! فليس ثمة إيديولوجيا أو إستراتيجيا واضحة لكلا الطرفين.. ما يحدث في هذا الصراع هو عمليات

تكتيكية.. فعل ورد فعل.. حدث يصنع قضية وتصريحات وإجراءات أمنية لا تنتهي.. إنه التكتيك الذي تحول إلى إستراتيجيا كما تتحول الوسيلة إلى غاية، وكلا الطرفين أصبحت وسائلهما هي الغاية، حتى أننا نسينا غاية كل طرف!! والغايات الإنشائية التي يطلقها قادة حركات العنف يدركون هم قبل غيرهم أن لا أساس واقعي ممكن لها، فلم يبق لهم سوى الوسائل التكتيكية: كرّ وفرّ في دائرة مغلقة! ربما ينتظرون الوقت الذي تمطر به السماء واقعاً جديداً يكسر الدائرة الدوامة..

وما يجعل الدوامة تتسع هو ذلك الزائر الإلكتروني الخارق الذي يضم الإنترنت، هذا الفضاء الذي يجمع التناقضات في لحظة واحدة في مكان تخيلي واحد.. إنه الاتصال المطلق والانعزال المطلق على حد تعبير باول كارفيل. الإنترنت أكبر مصدر للمعلومات السليمة النافعة وأيضا أكبر مروج للإشاعات والأكاذيب.. وهو داعم للانفتاح والتسامح وفي نفس الوقت أعظم داعم للتشدد والتطرف..

من هنا يمكن أن نفسر جزئياً عدم انحسار عمليات العنف التي تقوم بها المنظمات المتطرفة.. فالإنترنت يوفر مساحة لا محدودة ولا مشروطة من حرية النقاش وتداول المعلومات لجماعات متفرقة حول العالم. وتشير العديد من الدراسات والتقارير إلى نجاح تنظيم القاعدة وتنظيمات العنف الأخرى في استغلال الإنترنت، لنشر أفكارها، وتحقيق التواصل بين منظماتها ونقل المعرفة الخاصة بكيفية تصنيع المتفجرات وجمع التبرعات سواء مباشرة أو غير مباشرة من خلال بعض الجمعيات الخيرية.

في الشهر الماضي قال رئيس وكالة استخبارات الإنتربول الأوروبية رونالد نوبل: «أن التهديد الإرهابي عالمي، وإنه ظاهر وهو على عتبات أبوابنا..»، وأوضح أنه كان هناك 12 موقعاً إلكترونياً في عام 1998 وقفز إلى 4500 بحلول عام 2006. ونجد الفزع بأوضح صوره في تقرير مفصل لمجلس الشيوخ الأمريكي الذي يبدي القلق من تعرض المواطنين الأمريكيين لتلك المواقع. ويحدد التقرير أربع مراحل تشكل عملية التطرف والتي قد يخضع لها أي شاب غرّ وتائه يتجول في مواقع تنظيم القاعدة. وهي: مرحلة ما قبل التطرف ثم مرحلة تحديد الذات (فقد الهوية واعتناق الفكر الأصولي)، ثم مرحلة التلقين وغسيل المخ، وأخيرا مرحلة الجهاد.

ولعل النيجيري عمر فاروق عبد المطلب المتهم بمحاولة تفجير طائرة الركاب الأمريكية التي كشفت قبل بضعة أشهر يعد مثالا تراجيدياً. إذ تبين بعض رسائله الإلكترونية حالة التخبط التي مر بها، ففي إحداها في 2005 كتب: «إنني في وضع لا أجد فيه أي صديق، أي شخص أتحدث إليه، أي شخص أشاوره، أي شخص يساندني، واشعر بالإحباط والوحدة.. لا أعرف ماذا سأفعل»، (فرانس برس). وذكرت الواشنطن بوست أن مواقع الإنترنت التي تردد عليها الشاب النيجيري تكشف أنه كان يشارك باسم الفاروق 1986 وكتب عن دراسته في اليمن وخططه للتقدم لجامعة ستانفورد وجامعات أمريكية أخرى، وعن محنته بين الليبرالية والتطرف، كمسلم متدين. وبعد ذلك صار عضواً مواظباً في منتديات إسلامية على الإنترنت حيث عبر عن أحلامه الجهادية.

وذكرت دورا اكونيلي وزيرة الإعلام النيجيرية أن عبد المطلب (23 عاما) كان يدرس للحصول على الماجستير في دبي عندما أبلغ والديه أنه سيتوجه إلى اليمن لدراسة اللغة العربية لبضعة أسابيع، وأنه بعد ذلك أرسل إليهما يخبرهما رغبته بالبقاء في اليمن ودراسة الشريعة، لكن والده رفض. ونقلت صحيفة صندي تايمز عن مسؤولين قولهم إن عبد المطلب كان على اتصال بمتطرفين كان جهاز الأمن البريطاني يراقبهم. وأفاد بيان وضع على الإنترنت بأن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أعلن أنه مسؤول عن هذه المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة (شبكة النبأ).

ويمتد استخدام الإنترنت من جماعات التطرف الجهادي إلى نقل المعلومات الإجرائية بين العديد من المواقع الجغرافية والإعداد لعمليات تنفيذية، بل أصبح بديلاً لمعسكرات التدريب الفعلية حسبما ذكر تقرير الكونجرس الأمريكي. ويمكن القول بأن الإنترنت حل محل معسكرات التدريب في أفغانستان، وحوَّل العالم كله إلى معسكر تدريب افتراضي كبير (صباح جاسم). ونقلا عن جاد بعلبكي يذكر دان بيار فيليو أستاذ معهد باريس للدراسات السياسية، أن شبكة الإنترنت أصبحت الناقل الأكثر حيوية للتجنيد والتعبئة بالنسبة إلى الإرهاب المستوحى من تنظيم القاعدة، لذلك فأي إنجاز في تحييد الجهاد الإلكتروني، ولو جزئياً، سيكون ضاراً جداً بالنسبة إلى القاعدة.

التغرير بالشباب التائه عبر الإنترنت ليس وحده ما تستغله المنظمات المتطرفة، فثمة افتقار للضوابط التشريعية في شبكة الإنترنت، وقد حذر رونالد نوبل من أن مجندي الإرهابيين يستغلون الإنترنت لأنه ليس تحت سيطرة القانون. فمن الصعب الاتهام الجنائي لهذا النوع في تجنيد الإرهابيين، كما أن كثيراً من الأنشطة المعنية ليست جنائية، مما يجعل من غير القانوني القبض على المتطرفين أو اتهامهم.

وما يزيد صعوبة السيطرة القانونية هو أن تنظيم القاعدة أصبح فكرة أكثر منه إدارة تنفيذ عمليات، ومن هنا تحتشد المعركة بالمراوغة أكثر من المواجهة، فكما أشار عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق بروس ريدل بأن «القاعدة تحولت بغض النظر عن كونها منظمة إرهابية، إلى فكرة تدفع عبر خطاب إنشائي، أقلية ضئيلة من المسلمين إلى ارتكاب أعمال عنف واسعة النطاق».

ورغم أن كل ما تقدم يوضح مدى خطورة استخدام المنظمات المتطرفة للإنترنت، فإن التحدي الأكبر للمواجهة هو عدم الاكتفاء بالعمليات التكتيكية ومواجهة المواقع الإجرائية بل أيضاً الوصول إلى القناعات الفكرية والقضية الإنسانية والبيئة الثقافية والعدالة الاجتماعية خاصة في ظل النظام الرأسمالي العولمي المتوحش، لأن العولمة الرأسمالية نفسها متطرفة، فكيف تقاوم التطرف؟ والعولمة كما وصفها بودريار، متوحشة أنتجت الإرهاب، ليس عن طريق المؤامرة أو التواطؤ، بل إن شبكة العولمة بهيمنتها وسلطتها أنشأت الشروط الموضوعية لهذه الأعمال الإرهابية العنيفة..

الآن الإنترنت يتمدد والدوامة تتسع فلم تعد نوافذ الإرهاب على عتبات أبوابنا بل في منازلنا أيضاً..

alhebib@yahoo.com
 

(الإرهاب) على عتبات أبوابنا
عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة