Monday  01/11/2010 Issue 13913

الأثنين 24 ذو القعدة 1431  العدد  13913

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كان الحديث في الحلقة الأولى من هذه المقالة مركزاً على موقف كثير من زعامات الغرب، ممثِّلين لأكثرية شعوب أوروبا، تجاه مد أصحاب النوايا الطيبة من قادة أمتنا أيديهم إلى تلك الزعامات للمصافحة، ورفض هذه الزعامات مصافحة الأيدي الممدودة..

.. بل توجيه صفعات متتالية إلى أصحابها، ونظرتها إليهم بأنهم يمدون أيدي توسُّل وتقرُّب. وفي هذه الحلقة سيكون الحديث مركزا -باختصار- على موقف قادة أمريكا تجاه الأيدي الممدودة.

كثير من المتابعين لما يحدث من أمور سياسية يكادون يتّفقون على أن انهيار الاتحاد السوفيتي -ومعه حلف وارسو- كان سبباً من أسباب بحث أميركا عن جهة تحدٍّ لها وكأنها مقتنعة بأن بقاءها قوية مهيمنة لا بد له من وجود هذا التحدِّي. وعند ذاك كان استقلال دولاً إسلامية ظلت عقوداً ضمن الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى تنامي التوجه الإسلامي في المجتمعات المسلمة وانتشار الإسلام بين مجتمعات غير إسلامية، سبباً من أسباب اختيار أميركا المسلمين هم الجهة المؤهلة للتحدِّي، مع أن الدول الإسلامية -على العموم- متخلِّفة، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ولقد حدثت أحداث من داخل العالم الإسلامي ومن خارجه، فَقوَّت ذلك الاختيار.

موقف أميركا المنحاز للصهاينة قبل إقامتهم كيانهم على أرض فلسطين وبعد إقامته موقف معروف. وعندما لاحت بوادر انتصار للعرب، في معركة 1973م، رمت بثقلها فوراً للقضاء على تلك البوادر، فأقامت جسراً جوياً من الأسلحة المتقدمة، التي أسهمت في جعل تلك المعركة تنتهي إلى ما انتهت إليه.

ولما رأت أن العرب -بقيادة الملك فيصل- قد استخدموا سلاح النفط في معركتهم مع الكيان الصهيوني والداعمين له بكل صلافة سارعت إلى البدء بالاستعداد للسيطرة على منابع النفط العربي إذ رأت حاجة إلى تلك السيطرة المباشرة، فكوَّنت ما سُمِّي بقوات التدخل السريع. واندلعت حركة المقاومة الأفغانية للوجود السوفيتي في أفغانستان، مرتدية ثوب الجهاد، فلبس الرئيس الأميركي حينذاك العمامة، واندفع من اندفع من قادة أمتنا في تأييدهم للمقاومة الأفغانية المرتدية ثوب الجهاد المباركة أميركياً، لا لأنها حركة تحرير عادلة، بل لأنها كانت ضد القطب الأكبر المنافس لأميركا وحلفائها، وكان لذلك الاندفاع غير الحكيم آثاره التي ما زالت أمتنا، تعاني منها أسوأ العواقب. والحديث عن خطأ الموقف الذي اتُّخِذ يطول، لكنه ليس مجال بحث هنا.

كانت الكارثة التي حلَّت بالاتحاد السوفيتي في أفغانستان وخيمة. وكانت من بين أسباب تضافرت لتؤدي إلى تفكُّك ذلك الاتحاد. وبقدر ما كان ذلك التفكك نصراً لأميركا وحلفائها كان في أحد مظاهره نصراًَ لتحرُّك إسلامي رأى قادة أميركا أنه لا بد من مراقبته مراقبة دقيقة، والعمل على كبح جماحه، وراحوا يتحيَّنون الفرص للانقضاض عليه. لقد استخدموه في مواجهتهم مع المنافس السوفيتي، وما دام ذلك المنافس لم يعد منافساً خطيراً فمهمة الحلفاء من المسلمين في ميدان تلك المنافسة قد انتهت. وبات على المسلم الحليف لأميركا أن يراعيها ويبحث عما ترتاح إليه من المواقف. من هنا عاد الزعماء العرب على «منكَّس قرونهم» -كما يقول المثل الشعبي- إلى إحلال القيادة المصرية، التي سبق أن عارضوها، أو قاطعوها، لإقدامها على ما أقدمت عليه في كامب ديفيد، محلَّ الصدارة. وانطلقوا في مبادرات أبرزها مبادرة الملك فهد عندما كان ولياً للعهد، ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد أيضاً. وكلتا المبادرتين تُبنِّيت من قبل زعماء الدول العربية. ومما لفت النظر أن المبادرات العربية تعترف بشرعية ما احتلَّه الصهاينة قبل عام 1967م، وهو أمر لم يخطر ببال القادة العرب السابقين، وأنها لم تنص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وهو حق أقرته الأمم المتحدة، بل تركت تلك العودة للتفاوض بين محتل قوي مدعوم بأقوياء وضعيف راسخ تحت نير الاحتلال محروم من سند قويِّ الإرادة. ومن المعلوم أن القوي يفرض شروطه على الضعيف في أيِّ مفاوضات.

ومن الأحداث الوبال على أمتنا إقدام صدام حسين، رئيس العراق، بكل غباء وصلف ممقوت على جريمة احتلال الكويت. وكان ذلك مما أوضح أن الدول العربية- رغم ما أنفق من ميزانياتها من أموال لشراء الأسلحة وتكديسها- لم تكن قادرة على ردع من خرج عن جادة الصواب، وإجباره على الإقلاع عن جريمته، كما كان ذلك ذريعة لترسيخ الوجود الأميركي في المنطقة، عسكرياً وسياسياً. ولم يكتف قادة أميركا بتحطيم قوة العراق عسكرياً، وتدمير بنيته الأساسية، والفتك به، حصاراً وتجويعاً، ذلك أنهم -في نهاية الأمر- قاموا باحتلال ذلك البلد عدواناً سافراً، وارتكبوا مختلف الجرائم، ودمَّروا ما بقي من قوته، كما عملوا على تفتيت لحمته الاجتماعية، وإحياء طائفية وعرقية ممقوتتين بين سكانه، وكل ذلك يخدم أعداء أمتنا، وخاصة الصهاينة.

ومن الأحداث التي كانت وبالاً على أمتنا ما ارتكب في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وهو حادث ما زالت تدول أسئلة حول كيفية حدوثه في دولة بلغت قوتها الاستخبارية حداً جعلها تكاد تحصي على الناس أنفاسهم داخل تلك الدولة وخارجها، وحول ما إذا كانت الاستخبارات الصهيونية على علم بأنه سيحدث ذلك الحادث أو لم تكن. على أن المهم هو ن ذلك الحادث كان أقوى ذريعة لعدوان أميركا المتغطرسة على أفغانستان واحتلالها، وارتكاب أفظع الجرائم في عملية ذلك الاحتلال واستمرار ارتكاب تلك الجرائم الفظيعة حتى الآن. بل إن عدوان أميركا لم يقتصر على أفغانستان، وإنما امتد إلى باكستان، التي لم يفدها وقوفها مع تلك الدولة المتغطرسة، فباتت تواجه ويلاتها، امتهاناً لسيادتها، وتقتيلاً لمدنيين أبرياء من شعبها.

ومع استمرار مدِّ أصحاب النوايا الطيبة من أمتنا أيديهم لقادة أميركا، وانتهاجهم موقفاً أوضح ما يكون تساهلاً وتقرُّباً، فإن هؤلاء القادة، مثلهم مثل قادة أوروبا على العموم، يقابلون تلك الأيدي الممدودة بالنوايا الحسنة بكل وجوه الإعراض، بل بعضِّها بدلا من مصافحتها، والمشكلة الأدهى أننا ما زلنا نعمه في غيِّنا وانخداعنا. ما زال بعض منا يظنون -أو هكذا يبدون- أن قادة أميركا وقادة الغرب على العموم يمكن أن يعاملوا أمتنا وقضاياها بعدل وإنصاف، وكأن هؤلاء نسوا قول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} وأن أداء أمتنا {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}.

 

جزا اليد الممدودة عَضُّها 22
د. عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة