Tuesday  02/11/2010 Issue 13914

الثلاثاء 25 ذو القعدة 1431  العدد  13914

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

حين جلس الكاتب الكبير في مكتبه يستعيد أحداث سنته الماضية؛ راح يكتب عما تحمَّله طيلة العام الماضي من الآلام المبرحة التي كان يعانيها بسبب المرارة واضطراره لإجراء عملية لاستئصالها، وتذكَّر أيام ملازمته الفراش عدة شهور بعدها. وما تلاها من تقاعده وتركه لعمله الممتع بعد بلوغه الستين والذي كان يزاوله لأكثر من ثلاثين سنة، وجاشت به الذكريات حين تذكر صدمته بوفاة والده الحبيب. كما راح يسترجع ذكريات الحادث المأساوي الذي تعرض له ابنه البكر مما تسبب برسوبه في كلية الطب. لذا ذهب يصنف تلك السنة بالمريرة والسيئة والمأساوية!!

وفي هذه الأثناء دخلت عليه زوجته ورأته في هذه الحالة الكئيبة، ولاحظت شروده. فألقت نظرة خاطفة على الورقة المكتوبة وقرأتها. ويبدو أن زوجته فضولية كأغلب السيدات! اقتربت منه وربتت على كتفه بحنان بالغ على غير عادة بعض السيدات، وتناولت الورقة التي بين يديه وقلَبتها وراحت تكتب بشغف: في السنة الماضية.. شفيتُ بفضل الله من الآلام المبرحة بسبب المرارة التي عذبتني سنوات طويلة بعد أن أجريت عملية جراحية تكللت بالنجاح. وتقاعدت بعد بلوغي الستين من عمري وأنا في تمام الصحة وكمال الفكر وصفائه، وسأتفرغ للكتابة والتأليف. وعاش والدي حتى بلغ الخامسة والثمانين بغير أن يسبب لأحد أي متاعب، وقد توفي في هدوء دون أن يتألم أو يُشعر أحداً بالشفقة عليه. ونجا ابني من موت محقق بسبب حادث سيارة أليم وشفي بغير أية عاهات أو مضاعفات. ورأت الزوجة المتفائلة أن تختم الموضوع بعبارة (يا لها من سنة تغلَّب فيها حظنا الحسن على حظنا السيئ)! وقدمتها بتوقيع زوجها المتشائم!

قرأت تلك القصة القصيرة وأضفت عليها بعض التغييرات ووجدت أنها تحمل جوانب مشرقة من التفاؤل، وتبثه في نفوس كثير من البشر، وتحوي كمية هائلة من بذور الأمل لتزرعها في القلوب. وأدركت بعدها أن الأحداث هي الأحداث والأيام هي الأيام، ولكن نظرتنا لها هي التي تجعلها سعيدة أو مريرة! قاسية أو ناعمة! كما أن النظرة لها هي التي تصنفها بسنة كبيسة بالبؤس، أو عام كامل زاخر بالعطاء ومليء بالتفاؤل والأمل!

فالمحن التي تمر على المرء قد لا تكون شراً كلها؛ بل قد تحمل بين جوانحها الخير الكثير، وتبعد عن المرء الشر المستطير وتجنبه كوارث مريرة، ولكن المرء بقصور إدراكه يتوقع أنها غضب من الله أو يعزوها للحظ العاثر أو قلة التوفيق، فيتذمر ويتضجر ويتأفف ويتململ ويستعجل الفرج ويستبطئ المخرج، بينما هو يعيش في لحظات اختبار وابتلاء وعبادة، وفي كنف الله الذي لم يخلقه ليعذبه ولكنه خلقه ليعبده، ويمتحن صدق عقيدته التي لا تكتمل إلا بمعاناة الألم، ولا تتم إلا بمكابدة الشقاء. وفي كمال العبادة الكثير من الصبر، الغزير من الحكمة، الوفير من التأمل.

وليس أجمل من التفاؤل، ولا أحسن من النظرة الإيجابية لكل ما يصيب المرء من كوارث، والعبرة غالباً في النهايات. ولا يتم احترام المرء لذاته إلا بثبات نفسه، وتجلد جسده، وصمود روحه. والحلم لا يأتي إلا بالتحلم. ولو أدرك المتشائم أن الفجر لابد سيبزغ، والليل حتماً سينسلخ، ولم يحدث قط أن استمر ليل دون أن يتلوه نهار؛ لأقلع عن تشاؤمه ونفر منه!

ويبقى التفاؤل مطلباً لكل روح عانت الشقاء، وقاست الغربة، وكابدت الوحدة، وصدمت بالواقع الأليم، وكوتها مصائب الدنيا بميسم الخذلان وأحرقتها بمبرد خيبة الأمل. ويبقى عزائي للبائسين!!

rogaia143@hotmail.com
 

المنشود
بين التفاؤل والتشاؤم.. نظرة!!
رقية سليمان الهويريني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة