Tuesday  02/11/2010 Issue 13914

الثلاثاء 25 ذو القعدة 1431  العدد  13914

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

لفت نظري وأنا أَلُوب ممرات معرض الكتاب أحد الزملاء إلى كتيب صغير الحجم كبير الفائدة للناقد «توزفيتان تودوروف» تحت عنوان «الأدب في خطر» ونحن عشاق التجميع للكتب نتبادل الخبرات، ويسعى بعضنا في حاجة بعض، والغريب.....

..... أن الكتاب الذي لا تتجاوز صفحاته السبعين يباع بأضعاف قيمته المتوقعة لأن الناشر يحتكر، ولا يدع فرصة لمسوق آخر أن ينافسه، ولهذا أضربت أن أدفع الثمن مكرهاً لا كريماً، فالكتاب مهم لمثلي، والكاتب أهم والذين ينقبون عن أساطين الفكر والنقد وسائر العلوم النطرية يتعرفون على الكتَّاب والكتب، وتكون لديهم معهودات ذهنية تساورهم كلما دخلوا معرض كتاب أو مكتبة، ولا يثنيهم عن الشراء غلاء الأسعار ولا التلاعب فيها.

وأول ما تعرفت على «تودوروف» كان من خلال مقالين مترجمين له تحت عنوان «الإرث المنهجي للشكلانية» و»علاقة الكلام بالأدب» وهما مسيلان من كتابه:

«شعرية النثر» في إثر اهتمامي بالمسجد النقدي الذي سيطر على المشهد العربي وانصاع إليه من يحسن التلقي ومن لا يدري ما الأدب وما النقد. كان ذلك قبل عشرين عاماً، وكان المترجم «أحمد المديني» قد اختار مجموعة من المقالات الأدبية لأشهر النقاد الأسلوبيين وهم: «تودوروف، وبارت، وأمبرتو، وأنجينو» معتبراً هذه المقالات مشتملة على أصول النقد الجديد.

و»تودروف» عند المحدثين من النقاد علم في رأسه نار لأنه جدَّ في الابتكار وتلقف المستجد من الآليات والمناهج، والنقد الحديث لم يصبر على طعام واحد، بل ظل في تحول مستمر، حتى لقد أصيب معتنقوه بشهوة التغيير لذاته واستباق المستجدات، ولقد يمر في بعض فتراته بفوضوية مربكة، وكم تناولت التحولات في مقالات ودراسات ومحاضرات لا أحسبني مضطراً إلى إعادتها، فالذين يحملون هم النقد يلمون بشيء منها، وليس هناك ما يمنع من الإشارة إلى ثلاثة تحولات تعد فيما أرى جماع التبديل والتعديل: فلقد كان مركز الكون النقدي قائماً على المبدع منه ينطلق وإليه يعود، وفي زمن تسلطه وهيمنته شاعت مناهج نقدية، كالمنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، وحين انتقل مركز الكون النقدي إلى النص أوجفت مناهج وآليات أخرى وفي نسختها المناهج اللسانية. حتى لقد حكمت ب»موت المؤلف» وفي محطة النقد الأخيرة جاء دور المتلقي حيث فاضت أوعية النقد بنظريات التأويل والتلقي والتفكيك، وقد يكون في الأفق نظريات نقدية أخرى ولكنها لن تكون بمستوى النظريات الثلاث المتحكمة فالنقد الثقافي لا ينظر إلى المبدع ولا إلى النص ولا إلى المتلقي وإن ألمَّ بشيء من مناهجها وآلياتها.

و»تودوروف» في كتابه أو محاضرته التي تحولت إلى كتاب مثير يحذر من هيمنة المناهج والآليات التي لا تمد بسبب إلى أدبية النص أو شعريته، وهو إذ يدق ناقوس الخطر يحذر من التلاعب بالأدب فهو يقول بالنص: «لا نتعلم عماذا تتحدث الأعمال الأدبية وإنما عماذا يتحدث النقاد» وكأنه بهذا يحذر من طغيان النظريات على الأعمال الإبداعية، فالأديب مستهلك بالآلة.

ولقد مني النقد العربي القديم بشيء من هذا، فالنحاة والصرفيون والبلاغيون مغرقون في المعيارية، وهم يقرؤون علم الآلة لذاته وقد لا يستطيعون استثماره في النقد ولا في الممارسة الإبداعية ولو قيل لأساطين النحو والصرف والبلاغة: إن ما تجوِّدونه وتعلمونه وتجالدون من أجله لا يعدو كونه آلة من آلات النقد لثارت ثائرتهم.

ولقد ينظرون إلى الأدباء والنقاد والمبدعين نظرة دونية وما هم في حقيقة الأمر إلا آليات من آليات النقد، ومن يجرؤ على مثل هذا القول، والجامعات فربما لا تقيم للنقد وزناً بقدر ما تقيمه للنحو والصرف والبلاغة، ولو أذعن علماء الآلة لهذا المفهوم الواقعي لكان بالإمكان الاستفادة التامة من تلك العلوم التي ظلت مقصودة لذاتها.

ولقد كنت ولمَّا أزل في مناكفات حادة مع هذا الصنف من المتخصصين في النحو والصرف والبلاغة، ولو اعتقت المناهج من صلف المعيارية واتخذت المنهج التطبيقي أو الوظيفي لكانت النتائج إيجابية، ولكن أنّى لهم الإذعان للواقع. و»تودوروف» في تأوهاته وإشفاقاته على أدبية السرد وشعرية الشعر يجمجم عما في نفوس الأدباء والنقاد المدركين للمشكلة.

ومثلما تأذى النقد العربي من انعزال علم الآلة واستغلالها وكونها غاية في ذاتها، فقد تأذى «تودوروف» إذ يقول وهو يرى استشراء المنهج «البنيوي»: «التحديدات التي حملتها المغاربة البنيوية في العقود الماضية مُرحباً بها شرط احتفاظها بوظيفة الأداة هذه عوض أن تتحول إلى غاية لذاتها، والخطير الذي يخشاه على الأدب مرده إلى الاهتمام بعلم الآلة وجعلها غاية في ذاتها، وذلك ما نعانيه في التراث والمعاصرة، فالذين يقرؤون الأدب لا يلمون بالنصوص الإبداعية إلا في أضيق نطاق، وطغيان النظريات واستفحالها حال دون التذوق ومباشرة التعاطي مع النصوص، وتخوف «تودوروف» يمتد إلى ما هو أخطر من ذلك إذ يرى المذهبية الكفرية، وأدلجة الأدب جناية على الأدب، ولقد تذكرت في هذا الصدد الحملة العنيفة التي شنها «زكي ومبارك» على «أحمد أمين» حين اتخذ من الظواهر حكما معمماً وجعل الأدب العربي أدب «مَعِدَة» وظاهرة تعميم الأفكار انتاب عدداً من المتسرعين، و»تودوروف» في تعقيبه للمشهد الأدبي راعه غياب النصوص الإبداعية وحضور النقد بآرائه ونتائجه ومناهجه وآلياته، ومثلما حضر النحو العربي بقواعده ومعاييره ومدارسه وعلمائه وخلافاتهم ونظرياتهم الهلامية ك»نظرية العامل» وأدى ذلك إلى غياب التطبيق وضعف مخرجات الجامعات فقد حضر النقد والنقاد وغاب الإبداع والمبدعون، وقامت الأحكام والآراء مقام وثائق الإثبات.

فهل لا زال الأدب في خطر أحسب أن الخوف قائم والتحرف لإعادة الإبداع والمبدع واجب على المقتدرين والمتنفذين و»تودوروف» يختم تخوفه بقوله:-

«كل المناهج جيدة بشرط أن تظل وسيلة بدل أن تتحول إلى غاية في حد ذاتها» فهل يعي الخلف تحذيرات السلف.

 

هل الأدب في خطر..؟
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة