Tuesday  02/11/2010 Issue 13914

الثلاثاء 25 ذو القعدة 1431  العدد  13914

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

           

في الرابع من شهر أكتوبر عام 2010م، فوجئ سكان عدد من قرى جنوب غربي المجر بسيل عرم من مادة غليظة حمراء اللون تغطي شوارع القرى والسهول المحيطة بها. أزالت هذه المادة السامة كل أنواع الحياة التي اعترضت طريقها، وأدت إلى وفاة 7 أشخاص وجرح أكثر من مئة، فما الذي حدث؟ حتى قبل تلك الكارثة، كان مصنع تعدين الألومنيم الموجود هناك مصدر فخر واعتزاز أهالي المنطقة، لما يوفره من فرص عمل، وازدهار اقتصادي. كان هذا المعمل ملكا للدولة، ثم جرى بيعه أثناء عمليات الخصخصة التي تمت في التسعينات، وتذكر البيروقراطيون الآن، بأن صفقة البيع والسعر المتدني الذي تمت به، كانت تتضمن أن يقوم المشتري بمعالجة نفايات المصنع، وحماية الناس والبيئة من أضرارها، لكن المشتري بدلاً من ذلك اهتم بتعظيم مكاسبه، وعوضاً عن معالجة النفايات، قام بتخزينها داخل حوض كبير، تصدعت جدرانه مع مرور الوقت، وانكسر أحدها في ذلك اليوم، مخالفاً ما تضمنته شهادة السلامة الصادرة لصالحه في اليوم السابق. والآن، يبحث الجميع عن كبش فداء، خصوصاً أن عوامل خارجية دخلت على الخط، بعد أن أصبح التسمم يهدد نهر الدانوب الذي يمر بدول أوروبية كثيرة. ولكن ما الذي يعنينا هنا في المملكة العربية السعودية من ذلك؟ في بلدة البعيثة شمال مدينة بريدة تتم الآن الاستعدادات لاستخراج ما يقرب من 4 ملايين طن سنوياً من البوكسايت، المادة الخام الأساسية في صناعة الألمونيوم، وسيتم شحنها بواسطة قطار الشمال - الجنوب إلى رأس الزور، حيث تتم عمليات التصفية والاختزال والصهر، وتستخدم في عملية التصفية مادة الصودا الكاوية، التي تساعد على استخلاص مركب الألومنيم فقط وتترك باقي العناصر. ويتكون نصف تلك المركبات المتبقية من مسحوق أحمر، يشكل بالإضافة إلى بقايا الصودا الكاوية ما يعرف بالطينة الحمراء، ويعادل وزنها أكثر من ثلاثة أضعاف كميات الألمونيوم المنتجة. وتكمن خطورة تلك المادة في طبيعتها القلوية الحارقة بسبب بقايا الصودا الكاوية فيها. ولكن هل منطقة رأس الزور معرضة لمثل ما حدث في المجر؟.. الجواب هو نعم إذا لم توجد تشريعات بيئية ملزمة تضمن عدم حدوثه. من وجهة نظر المستثمر فإن أفضل الطرق للتخلص من تلك الفضلات، سيكون أهونها وأقلها كلفة؛ وإن كان الأكثر خطراً على الإنسان والبيئة، وذلك بوضعها في أحواض تخزين بصفة دائمة. وتكمن خطورة تلك الطريقة في احتمال انفجار الحوض لأي سبب لا قدر الله، وتكون النتيجة كما قرأنا وشاهدنا، أوتسرب المادة القلوية نتيجة الأمطار إلى باطن الأرض وتلويث المياه الحوفية، أوتطايرها مع الرياح بعد جفافها وتساقطها كذرات سامة وحارقة على المناطق القريبة والبعيدة مسببة أضرار على الإنسان والحيوان والممتلكات والبيئة. لكن ذلك لم يعد مقبولاً، وبدأت صناعة الألمونيوم بإيجاد طرق بديلة لمعالجة فضلاتها وإزالة خطرها. ومن الحلول المطبقة، تدوير استخدام بقايا الصودا الكاوية، مما يقلل من الخطر ويزيد في كفائة الإنتاج، ومعادلة الخاصية القلوية للطينة الحمراء - وتخفيضها من الرقم 13 تقريباً إلى حوالي 9 أي حوالي 10000 مرة (رقم التعادل التام، أي الحامض ولا قلوي، هو 7 وهي خاصية الماء النقي) - بواسطة مياه البحر أو بغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يمكن الحصول عليه من بعض المصانع القريبة، التي تريد التخلص منه كمنتج ثانوي، ثم رميها في البحر بعد ذلك دون أن تشكل خطراً على البيئة البحرية، أو معادلتها بواسطة أحد الأحماض معادلة تامة وتخزينها، حتى تحين جدوى إعادة استخدامها اقتصاديا، حيث إنها تحتوي على معادن لفلزات مهمة كالحديد والألمنيوم والتيتان والكالسيوم، كما يمكن استخدامها في صناعة الخزف وطوب البناء، وغيرها.

لعل تلك الحادثة، كما فتحت باب النقاش على تلك المشاكل البيئية المسكوت عنها على خلفيات اقتصادية حتى في أوربا، تفتح الباب لدينا لأخذ الحيطة والحذر، ونحن في أول الطريق. إن مشروع رأس الزور هو مشروع ضخم، تقف خلفه شركة وطنية ضخمة، يديرها مواطنون مخلصون، ولا بد أن كل المتطلبات البيئية المقننة في المملكة قد أخذت في الاعتبار، لكن ذلك لا يمنع من تطمين النفوس خصوصاً لأولئك الناس الذين يعيشون في منطقتي المناجم والتصنيع أو تحت مهب الرياح، وتوضيح الطرق التي ستتم بها حماية أرواحهم وممتلكاتهم وبيئتهم من تلك الصلصة السامة وغيرها من نواتج عمليات التعدين والصناعة.

 

الطينة الحمراء في رأس الزور
درس من المجر
د. صلاح السليمان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة